[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” المواطن البريطاني والفرنسي والبلجيكي والأميركي هو إنسان عادي يفكر حسب الانطباع الأول وهذا حقه و يريد أن يحمي نفسه و يحصن مجتمعه ولا يدرك أن العالم بأسره ضحية منظومة عالمية أطلسية ظالمة هي التي تصنع الإرهاب وتغذيه. وتبدأ محنتنا الجديدة واضحة في نتائج عمليات التحول السياسي والقانوني لهذه الأمم مع محطات الانتخابات في كل المستويات.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرت دار الإسلام منذ فجر رسالتها المحمدية بعديد المحن وعديد الانتصارات، واليوم لم نعد قادرين على إحصاء محن المسلمين في الشرق والغرب بعد أن ضاعت انتصاراتهم، فإن الملايين منهم يعيشون في أتون حروب أهلية منذ ما قيل أنه ربيع! في كل من سوريا والعراق و ليبيا واليمن وملايين منهم يتعرضون الى عمليات إبادة ممنهجة أمام صمت العالم في كل من بورما وإفريقيا الوسطى ونيجيريا والصين الشعبية وبالطبع في فلسطين المحتلة. واعتقدنا نحن الذين كتب عليهم الإستبداد أن يهاجروا منذ عقود إلى الغرب بجناحيه أوروبا وأميركا أننا في مأمن أمين إلى حين حيث ولد أولادنا هنا وتعلموا في مدارس الغرب واندمجوا في هذه المجتمعات ويحملون جنسيات دولها وقلنا أن قدرنا من مشيئة الله سبحانه وعشنا في سلام نحترم قوانين وتقاليد هذه الشعوب ونحاول أن نعطي فكرة صحيحة عن ديننا وقيمنا ونوفق في أغلب الأحيان في التعايش السليم مع الناس الطيبين هنا وهم كثر. إلا أننا اليوم أصبحنا نعاني مصائب لا يد لنا فيها بل إن عمى دول الاستبداد المشرقي هي التي صدرتها للغرب حين تفاقمت أزماتنا واشتد تهميش شباب العرب وكثرت بطالتهم وأصبح شبابنا مخيرا أمام فرضيتين: إما الهجرة الى الغرب عابرين البحار على مراكب الموت وإما الهجرة الى بؤر العنف ليتحول الى إرهابي يائس منتحر وفي اقل الحالات سوءا يظل في بلاده عاطلا رغم شهاداته و خبرته بدون أمل في حياة كريمة. وقد تأكد لنا أن المستبدين الراحلين حل محلهم العاجزون الجهلة ! فضاعت الشعوب في مهب الفوضى وغياب الدولة بعد أن قامت انتفاضات شعبية ! نعم التحقت بنا المصائب وأدركتنا هنا في باريس ولندن وبروكسل ونيويورك فتغيرت نظرة الناس الطيبين لنا وهم من جيراننا وأصحابنا وزملائنا وأحيانا أصهارنا! فكيف نلوم من شهد مصرع المئات من مواطنيه في مسرح الباتاكلان بباريس وفي محطات المترو في بروكسل وفي كورنيش مدينة نيس الفرنسية؟ كيف نلوم هؤلاء الأبرياء يتعاطفون مع أبرياء مثلهم حين يدخل إرهابي شاب (متعللا بالدين حاشا الدين!) الى شاطئ فندق في مدينة سوسة التونسية ويقتل في دقائق 38 سائحا بريطانيا لا ذنب لهم إلا أنهم اختاروا بلادنا للسياحة ذات صيف ؟ المواطن البريطاني والفرنسي والبلجيكي والأميركي هو إنسان عادي يفكر حسب الانطباع الأول وهذا حقه و يريد أن يحمي نفسه و يحصن مجتمعه ولا يدرك أن العالم بأسره ضحية منظومة عالمية أطلسية ظالمة هي التي تصنع الإرهاب وتغذيه. وتبدأ محنتنا الجديدة واضحة في نتائج عمليات التحول السياسي والقانوني لهذه الأمم مع محطات الانتخابات في كل المستويات. وأيضا مع مخاطر مواجهة نووية بين أميركا وروسيا فيما يتعلق باختلاف المصالح و تضاد الاستراتيجيات بين واشنطن وموسكو في بلادنا العربية و كذلك في أوكرانيا. وما انتصار دونالد ترومب يوم 8 نوفمبر الجاري سوى إفراز أول للتوجهات الجديدة لليمين الغربي المتصلب (وهذا حقه) ضد مصالح مليار ونصف من المسلمين دون وجع الرأس بالتفاصيل والحقائق. ومن أميركا يمتد شبح اليمين العنصري الأوروبي في عديد العواصم مؤذنا بانتهاج الحكومات القادمة سياسات راديكالية سوف تتعامل معنا بحذر وحيطة (وهذا حقها وقدرنا أيضا) فانتخاب فرنسوا فيون في التمهيديات الفرنسية يؤشر على ذات المخاوف التي أصابت الأميركان وانتشرت في فرنسا كالعدوى الوبائية: مزيج عجيب من عودة العنصرية الإستعمارية ومن الرهاب من الإسلام ومن رفع راية حماية هوية الأمة الأوروبية أي اللجوء لقيمهم المسيحية والعلمانية المتطرفة ضد من تقدمهم لهم صحافتهم المؤدلجة ويصوره لهم إعلامهم الناطق باسم اللوبيات القوية على أن المسلمين جميعا (غزاة جدد) جاؤوا لاحتلالهم !! فالسيد فرنسوا فيون شغل منصب رئاسة الحكومة الفرنسية على طول عهد الرئيس ساركوزي ولم يكن معروفا عنه أنه يميني متطرف ولا معاد للمسلمين بل إن الرجل مستقيم الفكر يؤمن باقتصاد السوق ويبدو معتدلا حتى بإزاء رئيسه ساركوزي مما جلب له الإحترام لكنه مع المنعرج الانتخابي خلال الأسابيع الأخيرة أصر على الظهور لناخبيه في زي اليميني المحافظ الذي يعد بسن سياسات متشددة بحجة مقاومة الإرهاب وهذه استراتيجية إنتخابية ناجحة من أجل قطع الطريق على منافسته الحقيقية زعيمة حزب الجبهة الوطنية التي تملك بعض الأوراق الرابحة بسبب برنامجها المتطرف ضد المهاجرين و من أجل (نقاء العرق الفرنسي!!) بعد أن عزلت والدها مؤسس الحزب (جون ماري لوبان) وبعد أن سوت (لوك) جديد مقبول يمكنها من بلوغ قصر الإيليزيه في مايو 2017. ونظل نحن مسلمي الغرب في وضع لا نحسد عليه بين مطرقة التطرف باسم الدين و سندان التطرف باسم هوية أوروبا وأميركا وهو ما يزيد من حدة الإنقسامات العقائدية التي يدعي الغربيون مقاومتها بينما تغذيها سياساتهم و تقويها مشاريع قوانينهم العشوائية التي تقيم الجدران وتحطم الجسور و تزيد من تعميق الخندق المحفور بين الحضارات. و لكل عاقل أن يقرأ أحداث اليوم بعيون الموضوعية والأمانة ليدرك أن مصائبنا هي من صنع أيدي نخبتنا في جمهورياتنا الحديثة التي اعتقدت عن خطإ أن الحداثة هي تقليد مستعمرنا القديم وتوريد قيمه وقوانينه ولباسه و ثقافته وبالتالي نسف أمجادنا العظيمة قربانا لما اعتقدته نخبنا المتغربة حداثة و تقدما و معاصرة وما هو إلا سراب بقيعة يحسبه الظمان ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا !!