[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
تتجه ملامح الإدارة الأميركية الجمهورية بقيادة رجل رياضة المصارعة الملياردير دونالد ترامب إلى نسف كل التوقعات بما فيها توقعات أكثر المتشائمين الذين قرأوا في انتخابه أن هناك زلزالًا سياسيًّا، وتحولًا كبيرًا قادمًا في مسار سياسة الولايات المتحدة وخاصة الخارجية ستهب رياحه عكس ما تشتهيه سفن حلفائها، وهو اتجاه يؤكد أن شخص الرئيس مجرد مؤتمن على تنفيذ جملة السياسات والأهداف الموضوعة في مرحلته، وليس صانعًا وواضعًا لها، وبالتالي كل ما أريق من تصريحات وتحليلات، وكل ما سكب من حبر حيال شخصية المتنافسين في الانتخابات (هيلاري كلينتون ودونالد ترامب) وسياسة كل منهمها وتوجهه، هو للاستهلاك الإعلامي وملء الفضاء السيبراني والصحف، لدرجة أن ثمة من حاول أن يقرأ الفنجان ليظهر له الفيل أم الحمار.
إن من يتابع مراحل السياسة الأميركية وتحديدًا الخارجية، خاصة تجاه منطقتنا وقضايانا، سيجد أنها ترتكز على ركيزتين مهمتين: الأولى مصالح الولايات المتحدة والمتمثلة في لوبيات النفط والسلاح والاستخبارات وغيرها؛ لكون هذه اللوبيات هي قوة الولايات المتحدة الاقتصادية والعسكرية والأمنية، والثانية أمن كيان الاحتلال الصهيوني والدور الكبير الذي يلعبه اللوبي الصهيوني مثل "آيباك" المتغلغل عبر أذرعه في مفاصل صنع القرار الأميركي؛ بدليل مجيء نتائج الانتخابات على عكس التوقع الأقرب إلى اليقين بفوز هيلاري كلينتون.
هناك من يقرأ في الإتيان بترامب وتفضيله على هيلاري نزوع الولايات المتحدة نحو الانكفاء لترميم ما انهار اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا جراء السياسة الخشنة التي اتبعتها إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش "الصغير" بشنها حربين متواليتين في أفغانستان والعراق واللتين كلفاها أثمانًا باهظة، إلا أن هذا الانكفاء ـ إذا كان صحيحًا ـ لا يعني أن الولايات المتحدة قد سلمت كل المفاتيح لمنافسيها مثل روسيا الاتحادية والصين، بل على العكس من ذلك، فسياسات الحروب والتدمير والتخريب وإسقاط الحكومات ونسف الاقتصادات والحصار والعقوبات الاقتصادية، هي سياسات ثابتة تستمد روحها ووهجها من الفكر الأميركي الواضع والراسم لها والذي يقوم على نزعة القوة الغاشمة وتدمير الحضارات ونشر الإرهاب والحروب من أجل الهيمنة والسيطرة على العالم.
وإزاء هذا القدر المتيقن، تأتي ملامح إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب لتصب في هذا الاتجاه، وتؤكد أن السلوك الأميركي لن يختلف وإن بدا للكثير أن هناك استدارة، فالرموز التي اختارها ترامب لإدارته تجمع بين النزعة العسكرية والخبرة السياسية والاقتصادية والتأييد المطلق لكيان الاحتلال الصهيوني وسياسة الاستيطان التي أطلق منشارها في ما تبقى من الجسد الفلسطيني. فماذا يعني أن تقع عين ترامب على الكلب المسعور الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس ليكون وزيرًا للدفاع، وأن تقع عينه على ديفيد بترايوس المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، وكذلك على ميت رومني مرشح الحزب الجمهوري في عام 2012م؟
وماذا يعني أن يطمئن قلب ترامب على رجل يؤيد الاستيطان وينكر وجود الشعب الفلسطيني؟ فحسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية من المتوقع أن يقوم الرئيس الأميركي المنتخب بتعيين حاكم ولاية أركانسو السابق، مايك هوكابي، في منصب سفير الولايات المتحدة في "إسرائيل". ومعروف عن هوكابي دعمه للبناء الاستيطاني في الضفة الغربية، كما يؤيد ضم الضفة لكيان الاحتلال الصهيوني، وسبق أن أنكر وجود الشعب الفلسطيني. وبحسب تقرير الصحيفة ـ الذي اعتمد على مصادر في الطاقم الانتقالي للرئيس المنتخب،ترامب ـ فإن المهمة المركزية التي ستلقى على عاتق هوكابي هي نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة. كما أنه من المعروف عن الكلب المسعور (هذا الوصف ردده ترامب في معرض الإعلان عنه مرارًا متباهيًا به) عدم تأييده للاتفاق النووي بين الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومعروف عن بترايوس حماسه للتدخل العسكري في سوريا ودعم التنظيمات الإرهابية للإطاحة بالحكومة السورية.
على أن هذه الملامح للإدارة الأميركية وبغض النظر عن شخوصها، بات ما يعززها على أرض الواقع ويلتقي معها، حيث نشرت صحيفة "المونيتور الأميركية" مقالة للصحفي جوليان بيكييت جاء فيها أن مجلس النواب الأميركي أعطى الضوء الأخضر للرئيس المنتخب دونالد ترامب لتزويد "المقاتلين" في سوريا بصواريخ مضادة للطيران. وحسب الصحيفة سيتم السماح بتزويد "الفصائل" بصواريخ محمولة على الكتف والمعروفة باسم "مانباد" من دون تحديد طرازها. وأشارت الصحيفة إلى أن نقل الأسلحة المضادة للطائرات إلى سوريا كان متاحًا بشكل ضمني، نظرًا لعدم وجود قانون يقضي بحظره تمامًا، وأن السجال في مجلس النواب تركز ـ عمليًّاـ حول التصريح بمرور مثل هذا النوع من الأسلحة أو حظره تمامًا، وسيكون انتصار الرأي الأول، هذا الأسبوع، بمثابة توصية سياسية مهمة لإدارة ترامب المقبلة. أما مجلس الشيوخ الأميركي فقد أقر، مساء الخميس الماضي، مشروع قانون يتيح تمديد العقوبات على إيران 10 سنوات، في حال خالفت طهران أحد بنود الاتفاق النووي الموقع العام الماضي. ووافق على مشروع القانون 99 عضوًا في مجلس الشيوخ من أصل 100، ولم يصوت عليه عضو واحد فقط. ويتيح مشروع القانون ـ الذي أقره أيضًا مجلس النواب الأميركي في نوفمبر الماضي ـ تمديد العقوبات على إيران عشر سنوات أخرى في حال خالفت طهران بنود الاتفاق النووي، الذي وقعته مع القوى العظمى في يوليو 2015.
وفي تقديري أن مشروع القرار هذا يؤسس ربما للخطوة القادمة التي تعتزمها إدارة ترامب الذي أعلن عدم تأييده للاتفاق وأنه سيعمل على نقضه، ذلك أن نقض الاتفاق ينسجم مع العودة إلى سياسة رفع العصا الاقتصادية والهيمنة الاقتصادية، وخفض العصا العسكرية، فالاستثمارات داخل إيران يسيل لها لعاب القوى المنافسة للولايات المتحدة، فحرمان المنافسين من هذه الاستثمارات يبدو مطلبًا أميركيًّا، كما أن إنهاك الاقتصاد الإيراني بالعقوبات سيتساوى مع الإنهاك الحاصل لخزائن البترودولار، فضلًا عن فرض نظام الجباية مقابل الحماية من دول البترودولار ودول القارة العجوز، هذا إن نفذ ترامب ما أعلنه وهدد به، ما يعني أننا بانتظار إدارة أميركية مسعورة بقيادة ترامب.

[email protected]