[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]

كان شكسبير يقول في مسرحيته " يوليوس قيصر " " أن هذا الرجل خطر كونه لايحب الموسيقى "، رغم أنها ولدت مع الانسان، حتى الانسان الاول بدأها بسماع حفيف أوراق الشجر وعناته، ثم تطور شيئا فشيئا لتصبح هدفه الأسمى . لم أعرف قوة منعت الموسيقى سوى قائد الثورة الإسلامية في إيران الخميني وقبله تجربة مماثلة في الصين .
وفيما عاش العالم متنقلا عبر تاريخه بين عطاءات موسيقية واكبت الحالات الاجتماعية التي سادت وشكلت روح شعوبها ونظام حياتهم الفولوكلوري، وأصبح هنالك عمالقة فيها نشير إليهم كلما اردنا مساحة من الانسنة والشعور السامي، حتى لبدت الحياة المعاصرة وكأنها قهر بدون موسيقى، ثم اني لم اعرف شعبا من الشعوب الا وكانت له تجاربه ومفهومه الموسيقي واريحيته في خيارات تلائم دائما التعبير الاجتماعي المؤصل عنده.
ترى لو لم يكن للبنان سيدة بحجم فيروز وإلى جانبها عباقرة فن هم الاخوان رحباني، فماذا يبقى من هذا البلد الصغير سوى انه انتج هؤلاء، وعلى جوانبهم كانت مواهب خلاقة امثال وديع الصافي، وقد لايذكر لبنان الا وذكر هؤلاء، بل ان فيروز لها في كل محطة عربية موقع دائم بدءا من مشوار الصباح الذي لايصلح بدون صوتها الملائكي، وصولا الى المساء الذي يحتاج فيه المرء ان يغذي اعصابه المتعبة بعد رحلة يوم متعب فيلجأ ايضا الى فيروز ، وفي احسن الحالات الى موسيقى هادئة.
فلماذا فعلتها التعبئة في حزب الله حين منعت حفلا موسيقيا لاغاني فيروز في الجامعة اللبنانية، ولماذا هذا القرار الغريب غير المفهوم، ثم من سمح لهؤلاء ان يقرروا ماذا يجب عليه ان يسمع الطالب والعامل والفلاح والمثقف وغير المثقف وكل الناس. في كل الاحوال يعتبر هذا المنع موقفا داعشيا كما سماه احد الكتاب اللبنانيين، بل هو ينم بكل اسف على ان العقل الاصولي مازال مهيمنا رغم السنوات الطويلة من التجربة الحزبية ضمن نطاق الوطن والمعطيات العربية والعالمية.
كاتب هذه السطور عرض يوما على قناة " المنار" جزءا من برنامج دعي يومها" الاثار والفنون الاسلامية " وتتحدث الحلقات عن مخزون سوريا الاسلامي، فتم رفضه للموسيقى التي اعتمدها، وكانت المفاجأة ان موسيقاه مأخوذة من تجربة انشادية كلاسيكية ليس فيها اي ايقاع هابط او راقص، سوى انها تمجد دمشق، واذكر ان واضعها هو المؤلف والملحن والمغني السوري المعروف ابن مدينة طرطوس السورية صفوان بهلوان. عدت استمع مرات الى موسيقى البرنامج المذكور فلم اجد فيه سوى الثورية في رسم ملاح تاريخ لمدينة عبر الآلات الموسيقية التي انتجتها بشكلها الهارموني.
ومع ذلك فمن يستمع الى الموسيقى التي تعتمدها قناة " المنار " التابعة لحزب الله يجدها اليوم وقد تطورت اكثر لتكون اقرب الى صداها الانساني .. ومع ذلك التطور النسبي ، منعت فيروز في الجامعة اللبنانية، تلك المطربة التي تشكل اغانيها فصلا من تراث وطني وعربي، لتشكل بمجموعها روحا وطنية تستحق موسيقاها الملونة بالايقاعات الشعبية اللبنانية وغير اللبنانية ان تشكل غنى موسيقيا لكل ابناء الوطن.
فهل يريد هؤلاء المانعون ان تظل البكائيات سيدة التعبير الفني، والا فان المنع يعني كما قال شكسبير انهم رجال خطرون.