[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]

التوظيف الإنساني لتحقيق أهداف أكثر دناءة وعدوانية، وأخطرها على الإطلاق الدفاع عن الإرهاب وتنظيماته عبر مجلس الأمن الدولي، لا يزال الوسيلة الوحيدة لدى معشر المتآمرين على سوريا والذين يرون أنها الأنسب استخدامًا وتوظيفًا كآخر ورقة يمكن أن يدافعوا بها عن أدواتهم الإرهابية وينقذوها من مصير محتوم، وينجزوا مشروعهم التدميري ضد سوريا، بعدما فشلوا في استخدام ورقة السلاح الكيماوي والمذابح الممنهجة بحق المدنيين ضد الدولة السورية وحلفائها.
ما من شك أن استخدام مجلس الأمن الدولي من قبل دول الاستعمار القديم والجديد (بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة) وسيلة دفاع عن تنظيم القاعدة الإرهابي في سوريا، يمثل سابقة خطيرة في تاريخ منظمة الأمم المتحدة، تضاف إلى سابقة توظيف المنظمة الدولية ومؤسساتها التابعة لها في التحريض والتشويه، وتسويغ وسائل التدخل المختلفة في شؤون الدول الأعضاء في المنظمة من قبل دول الاستعمار المذكورة آنفًا، ما يمثل سقوطًا أخلاقيًّا واختلالًا قانونيًّا لشرعة الأمم المتحدة، ويفقدها مصداقيتها أمام شعوب العالم واحترامهم لها.
هذا السقوط الأخلاقي والخلل القانوني والشرعي للمنظمة الدولية يبدو اليوم جليًّا على صفحات مشهد الأزمة السورية، حيث تنضح بكل المفارقات والتناقضات والازدواجية التي لا يقدر العقل السوي والمنطق السليم على استيعابها، وإخضاعها في سياقات ما يجب أن تقوم به المنظمة الدولية من دور نزيه انطلاقًا من ميثاقها الذي ينص على حماية الشعوب ونصرة قضاياها وحفظ السلم والأمن الدوليين؛ فالدفاع عن الإرهاب وعصاباته يمثل وصمة عار لن تمحى من على جبين الأمم المتحدة، وجبين الإنسانية التي تُنْتَهك حرماتها وحقوقها بتوظيفها في تدثير الشرور والموبقات والمؤامرات والنيات الخبيثة، وذلك من أجل إعطاء التنظيمات الإرهابية عمرًا أطول بإيصال ما تحتاجه من عتاد عسكري ومواد غذائية وطبية، في حين يُتَّخذ المدنيون السوريون دروعًا بشرية، وهدفًا لكل من أراد أن ينجو بحياته، ومن لم يستطع الفرار يمارس بحقه أبشع صنوف الاحتكار والابتزاز ببيعه المادة الغذائية بأغلى الأثمان تفوق قدرته على الشراء. فمشاريع القرارات المقدمة اليوم إلى مجلس الأمن بعناوينها الإنسانية الفضفاضة والتي تتذرع بالمدنيين وأهمية إيصال المساعدات الإنسانية إليهم، هي مشاريع ساقطة أخلاقيًّا وقانونيًّا أمام السلوكيات والتصرفات المتبعة ضدهم في الأحياء الشرقية في مدينة حلب لكونها المعنية بمشاريع القرارات؛ لأن من يمنع وصول المساعدات إلى المدنيين هو التنظيمات الإرهابية بقيادة ما يسمى "تنظيم جبهة النصرة"، وإذا وصلت من يمنع حصول المدنيين عليها هو التنظيمات الإرهابية، وإذا أراد المدنيون الوصول بأنفسهم إلى المساعدات الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة السورية تمنعهم التنظيمات الإرهابية من ذلك، وكل من يحاول يصبح هدفًا لنيرانها.
لذلك، يأتي الفيتو المزدوج الروسي ـ الصيني ضد مشروع القرار الذي قدمته أسبانيا ومصر ونيوزيلندا إلى مجلس الأمن الدولي والذي يطالب بهدنة في مدينة حلب، يأتي انتصارًا للجانب الإنساني ولوضع المدنيين المتخذين دروعًا بشرية من قبل التنظيمات الإرهابية، وضربة موجعة لنيات خبيثة مكشوفة ومفضوحة تأبطت الشر والظلم والتخريب والتدمير، وسعت إلى إنقاذ التنظيمات الإرهابية وتدريعها بالعتاد العسكري والمؤن الغذائية والطبية، وإلى عرقلة تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه نحو تطهير كامل الأحياء الشرقية من مدينة حلب الشهباء وإنقاذ المدنيين فيها. وكما هو معروف ومفضوح عن معشر المتآمرين على سوريا أنهم لا يلجأون إلى "الهدن" إلا لأهداف تتعلق بمصلحة أدواتهم الإرهابية، من حيث إعادة تنظيم صفوفها وتزويدها بالعتاد العسكري، وإمدادها بمستجد الإحداثيات والمعلومات التي تجمعها على الأرض وعبر الأقمار الصناعية أجهزة الاستخبارات التابعة لمعشر المتآمرين.
والسقطة الأخلاقية الأخرى لمنظمة الأمم المتحدة هي أن مشروع القرار الذي سقط بالضربة القاضية الروسية ـ الصينية المزدوجة تزامن مع قصف التنظيمات الإرهابية الموصوفة زورًا وظلمًا بـ"المعتدلة" للمشفى الميداني الروسي الذي يعالج جرحى ومرضى الشعب السوري، فهل جزاء الطبيبتين الروسيتين اللتين تقومان بهذا العمل الإنساني القتل؟ وهل جزاء العاملين المساعدين لهما الاستهداف؟ كما أنه ما ذنب الجرحى والمرضى لكي يستهدفوا بهذه الطريقة الوحشية؟ مع العلم أن هؤلاء الجرحى والمرضى قد فروا بحياتهم من جحيم إرهاب ما يسمى "تنظيم جبهة النصرة" ومن معها من التنظيمات الإرهابية.
على أن الأهم واللافت في جلسة مجلس الأمن الدولي هو الخروج من حالة الهدوء المعروفة عن الصينيين لتعطي درسًا في أدبيات العمل الدبلوماسي، وفاصلًا تأديبيًّا للمشاغبة والوقاحة البريطانية بالاعتراض على التأييد الصيني للموقف الروسي، وذلك حين توجه مندوب الصين إلى مندوب المملكة المتحدة بالقول: بأي حق تشوه موقف البلدان الأخرى؟ إن مجلس الأمن منصة وقاعة مهيبة ولا يمكن لك أن تطلق فيها هجمات مشابهة على مواقف البلدان الأخرى، يجب عليك اعتماد مقاربة مسؤولة والامتثال لمبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، هذه هي الحدود الدنيا من كل دولة عضو.‏
وأضاف: أطلب من ممثل المملكة المتحدة أن يضع حدًّا لهذه الممارسات التي تسمم جو المجلس، فهذه ليست المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك، وآمل أن لا تتكرر مثل هذه الممارسات والاعتداءات في المستقبل.‏