”لقد دعت مدير صندوق النقد الدولي إلى زيادة المساواة في الفرص أولا، وثانيا تشجيع الاقتسام العادل للأعباء، وثالثا الحفاظ على المنافسة وإمكانية النفاذ إلى الأسواق. لا شك أن هذه المسارات الثلاثة بالحساب الميداني الدقيق متناقضة؛ لأن هناك بعض الدول بحكم نفوذها الواسع عالميا تستصغر دولًا أخرى، وترفض أن تكون على قدم المساواة في الفرص الاقتصادية بحكم نزعات الهيمنة والتسلط...”

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]

أين هو العالم الآن من المسارات التي قالت بها كرستين لاجارد مدير صندوق النقد الدولي لإصلاح النظام الاقتصادي العالمي؟
نحن الآن على مشارف توديع عام 2016 اقتصاديا، وقد تحدثت لاجارد في بداية هذا العام قائلة إن هناك ثلاثة مسارات يمكن أن تضع الاقتصاد العالمي في فترة نقاهة حقيقية بعد أن يكون قد انتزع مكوناته من ظاهرة الركود المستمر، وما ترتب عليه من مضاعفات بعضها من السهل مواجهته، والبعض الآخر يتطلب تكيفًا وهامشًا من التضحية النسبية في معدلات نمو معينة.
لقد دعت مدير صندوق النقد الدولي إلى زيادة المساواة في الفرص أولا، وثانيا تشجيع الاقتسام العادل للأعباء، وثالثا الحفاظ على المنافسة وإمكانية النفاذ إلى الأسواق.
لا شك أن هذه المسارات الثلاثة بالحساب الميداني الدقيق متناقضة؛ لأن هناك بعض الدول بحكم نفوذها الواسع عالميا تستصغر دولًا أخرى، وترفض أن تكون على قدم المساواة في الفرص الاقتصادية بحكم نزعات الهيمنة والتسلط وربما تجد أنها صاحبة فضل على الدول الأخرى، وعليهم أن يعطوها الحق في الجاه الاقتصادي الذي تطمح به، ثم ما هي الآليات التي يمكن أن تقبل بها جميع دول العالم في التوجهات القائمة على اقتسام الأعباء بشكل عادل؟!
ان مهمة من هذا النوع تبدو صعبة ـ إن لم نقل مستحيلة ـ إذا أخذنا بالوقائع التي حصلت والتي تحصل الآن، ومنها ما يتعلق في الموقف من الإصحاح البيئي وتحمل عبء تسديد فواتيره، وفي مقدمة تلك الدول الولايات المتحدة الأميركية وكيف أن الرئيس الأميركي المنتظر ترامب هدد بما يفيد أن الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن لها أن تفي بما تعهدت به إذا أرادت أن تغير منهجها الاقتصادي لصالح التوجهات التي تضمن تفوق المواطن الأميركي في فرص الإثراء والتمتع اقتصاديًّا واقتراح المزيد من الفرص الإضافية في هذا الشأن، ثم كيف يكون الاقتسام العادل للأعباء مع عدم وجود منصات قانونية ميدانية تضع على كل دولة تحمل مسؤولية عبء من الأعباء في الوقت الذي يشهد العالم فيه الكثير من التضليل لتنفيذ مصالح معينة والمماطلة من أجلها دبلوماسيا، ويكفينا من العينات كيف أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري كان قد انقلب على تعهدات قدمها للوزير الروسي لافروف بإخراج المسلحين من حلب مقابل تأمين وقف إطلاق النار في سوريا، وجعل هذه الفرصة مقدمة لوقف إطلاق النار في عموم هذه البلاد، مع ملاحظة لا يمكن أن يختلف عليها اثنان بأن الأميركيين بارعون في وضع تعهدات والانقلاب عليها، وتقديم جون كيري نموذجًا دبلوماسيًّا في ذلك، في حين تشتغل وزارة الدفاع الأميركية وجهات في الكونجرس الأميركي لصالح أجندة أخرى.
ولنتوقف عند المسار الثالث الذي أشرته كرستين لاجارد كشرط، أو عنوان لنمو الاقتصاد العالمي وهو الحفاظ على المنافسة وإمكانية النفاذ إلى الأسواق ولك أن تتأكد من هذه الصعوبة، بل والاستحالة في اعتماد ذلك من خلال مراجعة أجواء اجتماعات منظمة التجارة العالمية التي عقدتها عبر البحار مع أن الوحشية التجارية، والبحث عن أرباح طائلة يمثل الخريطة السائدة الآن في الساحة الاقتصادية الدولية، إذ من السهل البيع والشراء في أخلاقيات الشفافية التجارية وتسويق المقترحات المغشوشة والمريبة والتمرس في التملص من التعهدات.
المحزن حقا بأن ما يجري اقتصاديا في العالم تدفع ضريبته من الخسائر المنطقة العربية اكثر من أي مناطق أخرى، وهي عموما خسارة مركبة وبنيوية أيضا، ولسنا هنا بصدد التوضيح التفصيلي، ولكن يكفي أن ننظر إلى أسعار النفط والتقلبات الجارية فيها، ونتوقف أيضا عند قائمة الفرص التجارية في الساحة الدولية وكيف أن العرب ليسوا سوى تجار أرصفة مع الأسف أمام احتكارية الأسواق العالمية لصالح الدول الكبرى التي لم تنجُ أيضا من (الحروب) بأسلحة التقانة المتطورة (هاي تك) بينها.
على أي حال الأوضاع الاقتصادية الدولية هي الآن على سرير المعاينة اليومية, وهي ليست في العناية المركزة، وبمقابل ذلك ليست على طريق النقاهة الحقيقية، والاتعاظ الوحيد الذي يمكن أن نتمسك به لمواجهة ما أشرنا له خلال العام القادم 2017، أن نتمسك ولو بحد أدنى من الذكاء التجاري الذي من شأنه أن يشخص عيوبنا واقتراح حلول ميدانية لتعويض ما فاتنا من أرباح، ولكن بشرط أن نعرف أننا كعرب سبب مصيبتنا بما نشهد من نزعات للقتل والتسقيط وانتظار الخسائر في متوالية من العزة بالإثم.