[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
قلعة حلب هي تاريخ الأرض، فحلب بالتالي عمر من عمره. هي قبل اكتشاف أميركا بآلاف السنين، وقبل أن يكون لأوروبا حضور خارج تقاتلها فيما بينها، بل قبل أن يكون الإنسان إنسانا كانت حلب .
الآن تعود أنفاسي إليَّ، وأنفاس كل المخلصين إليهم، فحلب التي كانت وجعنا صارت اليوم حكاية نصر يحمل بشراه إلى سوريا كلها، وبعض سوريا ينتظر التاريخ الجديد الذي بلغته تلك المدينة الجميلة المتراصة كمتحف في الهواء الطلق .
وبلغة التأكيد السياسي، فإن حلب قدمت مسرح العالم على أسس جديدة، من يريد اللحاق بها عليه أن يسرع، إنه الشرق الجديد الذي تقوده روسيا وتخط وجدانه إيران وتصنعه سواعد الجيش العربي السوري. لعل كثيرين فهموا الحقيقة تلك منذ أن ضرب بوتين الطاولة بقبضة أفكاره الروسية ليفتح من خلالها عالما ليس له علاقة مع السابق، وشرقا مفتوحا للأمل بأن لا تكون له مرادفات أميركية أو إسرائيلية. فالشهوة الصهيو ـ أميركية تريد لعالمنا العربي أن ينقسم على ذاته، ألم يقلها قبل يومين وزير الأمن الإسرائيلي ليبرمان من أن المطلوب تقسيم العالم العربي وخصوصا سوريا والعراق، البلدين اللذين هما صخرة العرب الصلبة التي لن يطولها سوء بعد اليوم، وكان الرهان بالتالي على حلب أن تعيش القسمة .
وللذين فهموا مغزى سقوط حلب وعودتها إلى طبيعتها أو أولئك من لم يفهموا بعد، فإن الجيش العربي السوري حينما يقرر لا تقف بوجهه أية عوائق، وبلغة التأكيد السياسي أيضا، ما أن يأتي القرار السياسي تجاوزا للحالة القائمة، يصبح الأمر سهلا أمام الجيش الذي ما زال البعض يراه كلاسيكيا، وهو في الحقيقة صار ابن التجارب الجديدة، ثورة في قلب المفاهيم العسكرية، علما للجيوش الحديثة، أستاذا في لوجستيته التي تقاتل بسلاحها العادي بمهارة مصنوعة عن خبرة سنين. كل مقاتل سوري من الجيش الآن، بمثابة جيش داخل الجيش.. إنه تعلم الحرب في الحرب وتلك أفضل الوسائل للخروج بجيش نموذجي مستوحى من المعارك، وأثبت أنه حتى التمارين التي تجريها الجيوش عادة ليست سوى إضاعة وقت. تعالوا وتعلموا من جيشنا العربي السوري كيف يتم اجتياز أصعب الممنوعات كتلك التي واجهته في حلب، وكيف تعامل معها بفن الحرب التي أربكت، ليس المسلحين الإرهابيين، بل المخططين من غربيين وعرب، وحتى لو كان هنالك من مخططين موجودين إلى جانب المسلحين داخل المدينة .
تنتصر حلب لتفتح كل الطرق المغلقة إلى غيرها من المعارك المنتظرة .. من المؤكد كما قال الرئيس بشار الأسد سوف تغير شكل الصراع في سوريا، فبعد اليوم هنالك أنموذج عاشه ورآه المسلحون ومن مولهم وجعلهم يده الطولى في الغزوة الكبرى لسوريا. لكنه لن يكون سوى فن للقتال الذي ستعرفه جبهات أخرى منتظرة، سواء في إدلب أو في الرقة ودير الزور .. مع أن حلب أصعبها على الإطلاق، مدينة بأربعة ملايين نسمة مكثفة الشوارع ببيوتها المتلاصقة وزواريبها الضيقة .
علم العروبة يتراقص فوق القلعة التي شهدت تاريخ الأرض، واللحظة المباركة لخصها الشاعر العربي سليمان العيسى بقوله "الآن ابتدئ النزال بأمتي/ وتشع دنيا كالضحى عرباء".