يستمد الاستيطان الذي يقوم به كيان الاحتلال الإسرائيلي الغاصب شرعيته مما سبقه من عدوان وهمجية قام بها الرجل الأبيض المعتقد بأن تفوقه الحضاري وتطوره في القرون الأخيرة من تاريخ البشرية، وتخلف الشعوب في آسيا وإفريقيا وقتها يحتمان استعماره لهم ووجوب نهب ثرواتهم، حيث كانت الأرض والثروات هي الهدف الأساسي للمستوطنين للأراضي الجديدة وبعض مناطق إفريقيا وآسيا، والذين أتت بهم الدول الاستعمارية من كافة بقاع أوروبا، وكانت شهيتهم للأرض لا يمكن إشباعها، كما كانت نشاطاتهم وجهودهم لطرد السكان الأصليين بالإبادة والإرهاب لا تقف عند حد، وابتكروا الخدع والحيل والأكاذيب لتبرير اغتصاب المزيد من الأرض والمزيد من الثروات بالقوة واستعمارها.
وبرغم نجاحهم فيما كانوا يصبون إليه بشكل ما، جاءت حركات التحرر الوطني التي بدأت في النصف الأول من القرن العشرين لتوقف هذا العدوان، لكن ثوب البشرية لا يزال يسكنه هذا الفكر الاستيطاني المحمي أيضًا من الدول الغربية، حيث تبقى الكيان الإسرائيلي الغاصب، وحده كعنوان لهذا العدوان والهمجية وسرقة أراضي الغير، حيث تمسك بالمعاملة الوحشية والعنصرية والإرهابية، التي اخترعها أسلافه من الغربيين، وأوغل في إجرامه بمذابح ما زالت مصدر خزي في تاريخ البشرية، حيث يسعى بشتى الطرق إلى محاولة إذلال الفلسطينيين أصحاب الحق والأرض والوطن، وإلى كسر إرادتهم وإخضاعهم ودفعهم إلى الاستسلام أمام غطرسة القوة والاستعمار الاستيطاني، مستخدمين خرافة (أرض الميعاد) وعودة اليهود إليها لاستيطان فلسطين العربية، وغرسهم فيها على حساب الأرض والحقوق والثروات العربية، مستخدمين المساعدات والهبات والأسلحة المقدمة من دول الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة لإرهاب الفلسطينيين وسرقة أراضيهم، بالإضافة إلى وضع غطاء من الحماية القانونية عبر الفيتو، إذا حاول الفلسطينيون السعي تجاه استرداد حقوقهم أمميًّا.
وحتى يتجمل الوجه القبيح للاحتلال الإسرائيلي، شرع الحلفاء الغربيون إلى وعد الفلسطينيين بحل دولتين، بشرط أن تكون الدولة الفلسطينية بعيدة عن الحقوق والثوابت التي أقرتها القرارات الأممية، واحدًا تلو الآخر منذ قرار التقسيم الظالم، وحاول الغربيون تبييض وجوههم المغطاة بدعاوى الديمقراطية وحقوق الإنسان عبر سلسلة من البيانات المستنكرة للعدوان الإسرائيلي الذي استهدف الإنسان والمكان والأرض الفلسطينية، ونسي المهرولون نحو سلام منقوص، يشرف عليه حماة كيان الاحتلال الإسرائيلي ووكلاؤه بـ(الفيتو)، في المحافل الأممية، ونسوا أو تناسوا أن التناقض بين كيان الاحتلال وبين أصحاب الحق من الفلسطينيين، تناقض وجودي، حيث لا يمكن التعايش بين المحتل المستعمر الغاصب الإرهابي، وبين أصحاب الأرض، وأن النضال الفلسطيني يدرك أنه مهما طال الزمن لا بد أن تعود الأرض والحقوق المغتصبة لأصحابها الشرعيين.
وبرغم تقنين الاستعمار قديمًا وحديثًا لوجوده، إلا أن سعي كيان الاحتلال لتشريع ما تسمى بالبؤر الاستيطانية، حيث تأتي هذه الخطوة في واقع ميداني يقتل الفلسطينيين ميدانيًّا، ويشدد إجراءاته القمعية عليهم، لكنه يظل خطوة تصعيدية غير مسبوقة تهدف لتكريس الاحتلال والاستيطان الاستعماري، ومصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية، وبرغم أن تلك الإجراءات والقوانين لاغية وباطلة بموجب القانون الدولي، وتشكل انتهاكًا صارخًا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، إلا أن الوقوف ضدها لن يجد صدى في الأمم المتحدة، نظرًا لسيطرة حماة الكيان الغاصب على القرار الأممي، عبر قواعد وقوانين يجب أن تتغير، كونها تتعارض مع رغبة شعوب العالم أجمع في العدالة.
وما يزيد الوضع الإقليمي قتامة انشغال اللاعبين الرئيسيين بصراعات فتح الطريق للكيان الغاصب في زيادة جرعة الإرهاب والسرقة للأراضي الفلسطينية، ولهاث البعض نحو هذا الكيان بلقاءات معلنة وسرية، وهو ما يعلن نهاية حل الدولتين التي طالما خدرت به الدول الكبرى أصحاب الأرض ومن خلفهم من دول عربية، وأيضًا هو قرار (أي تشريع الاستيطان) بما ينتج عنه يقضي على أي فرصة حقيقية لإقامة الدولة الفلسطينية، وينهي الجهود والتحركات السياسية التي تقوم بها الأطراف الدولية الفاعلة لإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية وإقامة السلام العادل، حيث من المتوقع أن تزيد حدة نهب الأراضي الفلسطينية في أعقاب المصادقة على هذا القانون، حيث يهدف هذا القانون إلى شرعنة 60 بؤرة استيطانية في أراضي الضفة الغربية المحتلة، إضافة إلى منح تراخيص لحوالي 4000 مبنى استيطاني لتسمين المستوطنات التي بنيت على أراضٍ فلسطينية، إضافة إلى مصادرة نحو 8 آلاف دونم بملكية خاصة لمواطنين فلسطينيين، وسيجيز القانون تطبيق قوانين التنظيم والبناء على المشروع الاستيطاني بالضفة الغربية، ما يعني إلغاء أوامر إيقاف العمل بالمستوطنات وإلغاء تجميد مشاريع استيطانية، ونقل هذه الصلاحيات للجنة مستوطنات خاصة، هدفها مصادرة أراضٍ فلسطينية وتحويلها إلى أراضٍ دولة وفق قانون كيان الاحتلال الغاصب.