إنّ علينا أن نقول لشبابنا الذين لم تطلهم يد الصهيو ـ أميركية بعد، ولم تجذبهم تلك المعسكرات وسواها من الوسائل والأدوات الصهيونية ـ الغربية: إن لهم هوية، وانتماء، وقضية، وشخصية، وحرية، ووطنًا، وتاريخًا، وثقافة، وعقيدة.. وإن الأعداء يريدون تغيير المناهج التربوية والتعليمية، باتجاه محدد، وصولًا إلى التكوين الثقافي والوجداني العام. وهم يركزون على التربية، لا سيما ما يتعلق بالتربية الدينية والتربية القومية والوطنية والتاريخ والجغرافية، لكي تكون للكيان الصهيوني حقائق تاريخية تُكتب في عقول شبابنا، وفي ذاكرة صغارنا.

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/aliaklahersan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي عقلة عرسان[/author]

وعندما ووجِه مُلتقى غرناطة بشدَّة، من قبل مثقفين عرب، ومن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، واتحاد الكتاب العرب في سوريا بشكل خاص، وأُحبط الكثير من جهده، وكُشِفَت رموزُه؛ قامت حملة إعلامية غربية ـ إسرائيلية، بمشاركة شرسة من أوساط ثقافية وإعلامية عربية/ ضد مقاومي التطبيع، ومَن تصدوا لرموزه من الكتاب والأدباء والمثقفين العرب، واستمات أصحاب تلك الحَملة، في الدفاع عن صاحب دعوة في غرناطة للاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقة معها بوصفها جزءًا من المنطقة.. حيث قال أدونيس: "تنتمي "إسرائيل" جغرافيًّا إلى منطقتنا.. إلخ"؟!، واستخدموا كل الوسائل الممكنة، وأساليب الضغط، والتشهير، والتهديد، للتأثير على مقاومي التطبيع. وقد تدخل مدير عام اليونيسكو لصالح العامل معه أدونيس، ليتهم الكتاب الذين يرفضون التطبيع، ويقاومون دعاته، ويضعون لتخريبهم حدًّا.. تدخل متهمًا من وقفوا هذا الموقف، بأنهم" قوى ظلامية" في بيان صاغَه صاحب تلك الدعوة، مستخدمًا ما حاول أن يضفيه الإعلام الغربي والصهيوني والعربي المتواطئ، أو التابع.. من صفات سلبية على الأصولية الإسلامية والقومية العربية، فأخذ يصف كل من يقاوم أوسلو، والدعوة إلى التطبيع، ويؤمن بصحوة إسلامية وقومية، ويعمل لهما، بأنه من القوى الظلامية ـ الأصولية ـ الإرهابية ... إلى آخر تلك المصطلحات والعبارات التي يتقن استخدامها الغربُ والصهيونية وعملاؤهما وأدواتهما، بغوغائية لا نظير لها، وبانتشار إعلامي واسع..
وبعد أن انهزمت جماعة غرناطة نسبيًّا، أو انكشفت صورتُها، ورفَضَها المجتمع العربي بشكل عام، بدأ التركيز على توجه جديد، نابع من الأصل ذاته، ومن الجهات المحرِّكة ذاتها، أي "المبادرة من أجل السلام" التي أشرف عليها الصهيونية والقوى المتصهينة في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية، ودعمها الكونجرس الأميركي واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة "إيباك. فمع تعثر تطبيق اتفاق "أو سلو"، ولا سيما في مرحلة اتفاق الخليل وما تلاه، وفي فترة تصاعد المقاوَمة النوعية اللبنانية والفلسطينية: الجهاد الإسلامي وحماس، وبعد مذبحة "قانا" التي قام بها الكيان الصهيوني بأمر من حزب العمل و"شمعون بيريس"، وبعد وصول نتنياهو وحزب الليكود إلى السلطة.. بدأت مرحلة جديدة من مراحل التطبيع والاختراق الثقافي، بدخول بعض المثقفين والسياسيين العرب طرفًا في اللعبة "الإسرائيلية" الداخلية، ليظهروا بمظهر المناصر للسلام، ليجلبوا إلى الحكم صهيونيًّا غير نتنياهو الذي يعادي ذلك السلام "أوسلو"،"يعترفون به، ولكنه لا يغير من أهداف "إسرائيل" شيئًا، ولا يغير من الواقع الذي فرضته "إسرائيل" باتفاقيات الإذعان التي عقدتها (كامب ديفيد ـ أوسلو ـ وادي عربة) شيئًا أيضًا.
وأخذ أولئك يقدمون أنفسهم معادين للتعصب والتطرف الصهيوني ـ الإسرائيلي "تمويهًا"، وفي الوقت نفسه يعلنون وقوفهم ضد من يسمونهم بالمتطرفين العرب، الذين لا يأخذون بالتطبيع مع "إسرائيل" على أرضية الاعتراف بها؟! وهو الأمر الذي يهدد ما أسموه "مسيرة السلام" لدى الطرفين.
وهكذا خُلِق بديل أوسع لملتقى غرناطة، يعمل على الأهداف ذاتها، بتطوير للخطاب والوسائل والأدوات والإمكانيات، فكان أن تعاون:
- الأميركيون من خلال الـ C.I.A. وممثلها ورجلها مارتن إندك، السفير الأميركي المتين في "إسرائيل" ـ ومارتن إندك هو يهودي أسترالي قدِم إلى فلسطين المحتلة عام 1973 ليخدم متطوعًا، وعندما قالوا له إنه لا يوجد أعمال عسكرية يقوم بها، لأن المتطوعين كُثُر، طلب القيام بأي عمل.. وكان أن عمل فعلًا في جمع القمامة. ثم أصبح مواطنًا أميركيًّا بسرعة غير عادية، وترقى لرتبة سفير الولايات المتحدة الأميركية في "إسرائيل"، وعمل وقتذاك سفيرًا للمرة الثانية، بعد أن شغل منصب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، وكان يشرف هو ويهود آخرون، منهم صمويل برجر، ومادلين أولبرايت، ودنيس روس، وأهارون ميلر.. على ملف المفاوضات بين العرب والكيان الصهيوني، وإندك يهودي صهيوني بامتياز.
ـ والإسرائيليون، من خلال دافيد كمحي، نائب رئيس الموساد السابق.
ـ ومَنْ سُمُّوا في حينه "عرفاتيون"، ممن يقدمه الجهازان السابقان من أشخاص، من خلال المرحوم لطفي الخولي، تعاونوا على إقامة تحالف كوبنهاغن. حيث عقد ملتقى تأسيسي موسع بين كتاب ومثقفين وسياسيين في عاصمة الدانمرك، نهاية شهر يناير 1997 وحضره ميخيل أنجيل موراتينوس ممثل الاتحاد الأوروبي، ووزير خارجية الدانمارك، ومُوِّلَ من قبل جهات أُوروبية، وجهات أخرى خفية، تعود للأجهزة التي ينتمي إليها المنظمون الرئيسون للملتقى. وخرج علينا أولئك بإعلان تحالف بين مثقفين إسرائيليين وعرب ـ منهم: فلسطينيون ومصريون وأردنيون ـ ومثقفون أوروبيون، "معظمهم يهود"، يعملون جميعًا على تطبيق اتفاق أوسلو، الذي إذا طبق في أحسن صور تطبيقه، وأرقاها تنفيذًا لنصوصه، فلن يسفر إلا عن كارثة تبقي أَكثر من ستة ملايين فلسطيني خارج وطنهم، محرومين من أية هوية وحقوق وأراضٍ ووطن.. وتضع فلسطينيي الداخل في أسر لدى المشروع الصهيوني، وفي حالة خدمة قسرية شاقة، مستمرة لـ"إسرائيل"، لترويج التطبيع بكل أشكاله، ولملاحقة من يرفض "إسرائيل" واتفاقيات الإذعان، ويتمسك بتحرير فلسطين، والقدس، والجولان، وجنوب لبنان.
وقد لجأَ أهل كوبنهاجن إلى عمل متناغم مع جهات إسرائيلية وعربية وغربية، فأُقيمت شبكات دائمة التواصل للعمل، بمعرفة جهات رسمية في كل من الدول المعنية: الكيان الصهيوني ـ مصر ـ والأردن ـ والولايات المتحدة الأميركية) مثل: جماعة السلام الآن "الإسرائيلية" ـ جماعة القاهرة من أجل السلام التي أنشئت في القاهرة تحت رقم الإشهار 392 لسنة 1998، وأعلن عن قيامها أولًا من قبل التلفزيون الإسرائيلي ـ جماعة أبناء إبراهيم في الأردن، التي تتألف من أساتذة جامعيين بالدرجة الأولى، وجماعة السلام الآن الأميركية، وهي من اليهود الأميركيين، وقد أسست في مطلع الثمانينيات بعد كامب ديفيد. وقد عَقَدت هذه الجماعات مؤتمرًا في القاهرة، قوبل باحتجاج كبير، وبدأت بعده التهيئة لعقد مؤتمر ثالث في تل أبيب/ خريف عام 2000 وهي تستمر بأدائها بتمويل كبير.
وكل هؤلاء وسواهم عملوا ويعملون بتنسيق وتوافق مدروس، وبإيعاز تمليه وتشرف عليه أجهزة رسمية، ليحققوا اختراقًا واسعًا جدًّا في الحياة الثقافية العربية لمصلحة إسرائيل وسلامها، ولمصلحة الولايات المتحدة الأميركية وخططها الاستعمارية ـ الاستثمارية ـ الاستلابية، في المنطقة العربية والعالم الإسلامي. وتناصرهم في دعوتهم، وفي الترويج لأفكارهم، والوصول إلى نتائج في برامجهم: صحف عربية وأجنبية، ومحطات بث فضائية عربية، ودور نشر وتوزيع، ومراكز أبحاث مشبوهة، منها مركز ابن خلدون، ومؤسسات متناغمة مع الدور الذي سُخِّروا له.. ويموَّلون من أجهزة وجهات مستورة مفضوحة في آنٍ معًا، عبر الاتحاد الأوروبي، من رصيد بلغ أربعين مليون دولار، وضع تحت تصرفهم.
وأَودُّ أن أُؤكِّدَ على أمرٍ آخر هام، يتصل بموضوع التطبيع، وبمناهج التربية والتعليم، والبعد الثقافي، ويستهدف الأجيال القادمة، هو برنامج "بذور السلام"؟! الذي يحاول تجاوز الأجيال المؤثِّرة، ذات الوعي والتجربة والخبرة، والذَّاكرة الحيَّة، المتصلة بموضوع الصراع العربي الصهيوني، بهدف إحداث قطيعة، أو فِصام في البنية الاجتماعية، إن صحَّ التعبير، بينها وبين أجيال صاعدة. من حيث المبدأ، لا يوجد في تاريخ الأمم قطيعة بين الأجيال، وإلا لما تكوّنت هناك هوية، ولما تكوّنت شخصية وخصوصيّة، وعادات وتقاليد وميراث حضاري خاص، وميزات لأمم وشعوب تمايزها بعضها عن بعض. ولذلك يحاول العدو، أن يفرغوا ما لدينا من مضمونه. إنه يعرف جيدًا أننا حين نغادر ـ وكلنا سوف نغادر في توقيت ما ـ سيبقى منا، مني ومنك ومن سوانا، للأجيال القادمة، ما تستطيع أن ترى فيه الهدف والدرب، وأن تبحث عن الحقيقة، وأن تتمسك بقضاياها وحقوقها وكرامتها وشخصيتها وهويتها بين الأمم. وإذا قلنا: إن هذا الجيل يشكّل قطيعة مع الماضي، فإنما نقول إن هذه الأمة، بمعنى ما، تُشكّل قطيعة مع تاريخها وذاكرتها وماضيها وحقوقها وقضاياها. وهذا ما تسعى الصهيونية إلى تحقيقه، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، منذ أوسلو وحتى الآن، وإلى قادم الزمان.. في تربية قيادات أجيال المستقبل، في ما تسمّيه برنامج "بذور السلام"، حيث تأخذ خيرة الشباب العرب إلى معسكرات تكوين وتعارف وصداقة مع "الإسرائيليين واليهود الآخَرين.. وقد عُقدَت دورات في ولاية (مين ـ ماين) الأميركية، ولاحقًا في قبرص. والمشرف المؤسس لهذا البرنامج، والمكوّن له، هو جون ولاش اليهودي الأميركي. وممن تابع الإشراف المباشر على المعسكر الأول وما تلاه، كل من: ليبر يفتش كاتسْ ـ آدم شابيرو.. شارون كيتس.. وكلهم يهود صهاينة عنصريون بامتياز. إن هؤلاء هم الذين يتدخلون في تربية أطفال وفتيان من فلسطين ومصر والأردن والمغرب و"إسرائيل" وقطر واليمن، شاركوا في تلك المعسكرات الأولى.. يربونهم على قيادة الوطن العربي في المستقبل، ليكونوا منذ اللحظة التي ينتسبون إليها، إلى هذه المنظمة، في رعاية الصهيونية، لتكوّن جيل المستقبل؟!
إنّ علينا أن نقول لشبابنا الذين لم تطلهم يد الصهيو ـ أميركية بعد، ولم تجذبهم تلك المعسكرات وسواها من الوسائل والأدوات الصهيونية ـ الغربية: إن لهم هوية، وانتماء، وقضية، وشخصية، وحرية، ووطنًا، وتاريخًا، وثقافة، وعقيدة.. وإن الأعداء يريدون تغيير المناهج التربوية والتعليمية، باتجاه محدد، وصولًا إلى التكوين الثقافي والوجداني العام. وهم يركزون على التربية، لا سيما ما يتعلق بالتربية الدينية والتربية القومية والوطنية والتاريخ والجغرافية، لكي تكون للكيان الصهيوني حقائق تاريخية تُكتب في عقول شبابنا، وفي ذاكرة صغارنا. وإن عليهم أن يقولوا: هذا لن يكون، لأن هذا الوطن "لا سيما فلسطين" هو وطن العرب، وأن المقدسات التي انتزعها الصهاينة، هي مقدسات إسلامية ومسيحية، ولن يتغير التاريخ بمجرّد رغبة مجموعة من الذين يرون أن القطيعة يجب أن تحدث بين حاضرنا ومستقبلنا من جهة، وبين ماضينا من جهة أخرى، وأن أجيالنا يجب ألا يتدخل في تربيتهم وتكوينهم: باراك، ونتنياهو، وكلينتون، وسواهم.
في مُخَيَّمات، "معسكرات، بذور السلام"، يتعاون الأميركيون والأوروبيون، بتنسيق وإشراف صهيونيين، على أخذ أفضل العناصر النابغة والقيادية بين الأطفال والشباب العرب، ويقيمون لهم معسكرات صيفية خاصة مع الصهاينة وتطعيمات أوروبية للتمويه، ويربونهم تربية خاصة، تحت مظلة: "التعايش والسلام"، وهو المفهوم الذي فرغنا من توصيفه سابقًا، وبينا أنه المفهوم الصهيوني العنصري "للتعايش، والسلام الإسرائيلي ـ الأميركي المفروض على العرب، ليكون أولئك هم قادة المستقبل في المنطقة. وتستمر الرعاية، لهم والإشراف عليهم، والتواصل معهم، من قبل الصهاينة والأميركيين؛ ولم يتم، ولا يتم الالتفات لهذه الظاهرة في الوطن العربي مع الأسف، منذ بدأت، ولا إلى مراميها البعيدة، البالغة الخطورة في الوطن العربي والعالم الإسلامي، حيث تحاول الولايات المتحدة و"إسرائيل" أن تسيطرا على صورة المستقبل السياسي، وأن تتحكما به في البلدان المُستَهدَفة، من خلال تقديم قادة المستقبل، المضمونين، بالنسبة لها، والضامنين لمصالحها، ممن تمت تربيتهم، وأُحْسِن إعدادهم ومتابعتهم من قبل الغرب والصهيونية.
وقد قدَّم الصحفي الأميركي وليام رينكينز، نبذة عن معسكر بذور السلام الذي عُقد عام 1999 أسوق منها الآتي:
(بدءًا بعام 1993، يلتقي شبان فلسطينيون وإسرائيليون في مخيم صيفي في ولاية ماين الأميركية، حيث يلهون ويعيشون ويتواصلون معًا على مدى ثلاثة أسابيع.
لكنهم يحملون في جعبتهم كذلك خبراتهم العاطفية، المستمَدة من صراع الشرق الأوسط. ويتيح المخيم لهم فرصة أن يقابلوا "العدو" وجهًا لوجه. ويمتحن هذا البرنامج افتراضاتهم ومعتقداتهم، ويتحداهم لأن يتطلعوا إلى المستقبل، حيث سيشكل التعايش عوضًا عن النزاع جزءًا من حياتهم اليومية.
وقد تمخض عن خبرات هذا المخيم، كتاب يحمل عنوان "للعدو وجه: تجربة بذور السلام"، من تأليف جون والاك، وهو مؤسس "مخيم بذور السلام الدولي". وقد نُظم احتفال، بمناسبة صدور الكتاب، في مبنى الكونجرس الأميركي يوم 8/2/1999، وشارك في الحفل أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب ومساعدوهم، والوزيرة مادلين أولبرايت، ودنيس روس، وغيرهم.) "عن النشرة الإخبارية لوكالة الإعلام الأميركية بدمشق".
إن هناك مواقف سلبية، عربية وإسلامية، تتقاطع مع جهود عدوانية أو مناصرة لعدوان العدو، وتضاعفها.. وهي تُبذَل بكثافة أحيانًا، وترمي إلى:
- تشويه صورة الإسلام، والتركيز على تقديم الدول التي ترعى نهضة إسلامية أو قومية، وتأخذ باستقلالية الإرادة والقرار، وترفض أن تكون تابعة لأميركا، كما ترفض الاعتراف "بإسرائيل"، وبأي حق لها في فلسطين، وتدعم المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني.. حيث تقدّمها على أنها دول إرهابية أو ترعى الإرهاب، وتهدد "السلام الدولي" ولذا فإنها تستحق العقاب والحصار، من وجهة النظر الأميركية ـ الصهيونية‍؟
- تشويه مفاهيم إسلامية، رافقت ما سُميَ صحوة إسلامية، وذلك بممارسات وتوجهات، لا تتفق وروح الإسلام.. وذلك عن طريق ممارسات لا يقرها الإسلام، ولا تتفق مع سماحته المعروفة.
- تشويه المقاومة التي تتصدى للاحتلال، وللاحتلال الصهيوني خاصة، ونعتها بالإرهاب والتخريب. واشتراط تصفيتها قبل أي اتفاق، أو في أثناء أي تفاوض على اتفاق، مع الأنظمة العربية.. ولا سيما مع السلطة الوطنية الفلسطينية. والقيام بخلط أوراق العنف والعنف المُضاد، الداخليين. في بعض الأقطار العربية، بالإرهاب. وجعل الأنظمة العربية تشارك في القضاء على المقاومة المشروعة للاحتلال، بإلصاق صفة الإرهاب بها، أو بخلط أوراقهما معًا.
- التعتيم على المفكرين والكتاب والأدباء الذين يقاومون التطبيع ويدعمون المقاومة ضد المُحتل، ويؤمنون بقدرة الأمتين العربية والإسلامية على النهضة، وبحقهما في امتلاك القوة، على أرضية العلم والإيمان والعمل بهما. وبقدرتهما على التحرير ومواجهة المشروع الصهيوني ومقاومة أشكال العدوان، والاستغلال، والاستلاب، لا سيما الأميركي منه.
ويذهب الأمر إلى حد تشويه الصورة والسمعة، واختلاق الكذب وممارسة الافتراء، بحق من يخترق دائرة التعتيم من أولئك. أمَّا التعتيم عليهم فهو السلاح الأول. وتشارك فيه وسائل إعلام عربية مؤثرة، بوسائل كثيرة.
- تسخير صحفيين وإعلاميين وكتاب، للكتابة ضد من يقاومون التطبيع، وتقديم صور مشوّهة لهم، وللوقائع المتصلة بالتطبيع، بهدف تمزيق الصف، وتفتيت الإرادة، وتشويه أفق الرؤية أمام الإنسان العربي. ويأتي أولئك، في الأغلب الأعم، من تنظيمات كانت مؤيدة لوجود "إسرائيل" منذ أن غُرِسَت بالقوة عام 1948 في فلسطين، ومن أيديولوجيات معادية كليًّا للدين، والقومية العربية، لها مفاهيم غريبة عن الوطنية والديمقراطية.. حيث يصرخ أتباعها لـ"وطنية وديمقراطية وتقدم" في إطار موالاة لغير أوطانهم؟! وهم في ممارساتهم لا يمتون إلي أي من المفاهيم السليمة للوطنية والديمقراطية والتقدم، بصلة‍ تُذكَر. وقد أثبت التاريخ، وأثبتت الوقائع والتجارب ذلك الاستنتاج عمليًّا. ولكن يبدو أن هناك من لا يستطيعون رؤية الشمس، ولا يريدون لأحد أن يراها.
وفي الخلاصة التي تستقر، أو أرى أن تستقر في الفكر والوجدان والعمل الثقافي على المستوى الشعبي، أنه:
1- لا إمكانية لقيام أي سلام في المنطقة، مع بقاء الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وبقاء سيادة "إسرائيلية" فيها. لأن التضاد والتناقض قائمان في جوهر المشروعين المتناقضين: العربي النهضوي، التحريري، التحرري.. والصهيوني الاحتلالي، الاستعماري، العنصري. وسوف يستمر تناحرهما حتى النهاية التي يحددها حسم المعركة بينهما.
2- أنه لا بدَّ من العمل من أجل تحصين المواطن العربي بالوعي المعرفي، وتجديد ذاكرته، والمحافظة على سلامة وجدانه.. ليتذكر دائمًا أن الصراع العربي الصهيوني هو صراع وجود مع وجود، وليس نزاعًا على حدود. وأن فلسطين عربية وستبقى عربية. وأن القدس الشريف، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، هي في القلب من قضية فلسطين. وأنه لا بد من امتلاك قوة، على أرضية العلم والإيمان والعمل بهما، في كل المجالات على الإطلاق، وبموازاة ما يملكه العدو الصهيوني، لتحقيق توازن، وتفوق، وتحرير للأرض، وردع العدوان، والدفاع عن الدين والهوية والشخصية والمصالح العليا، للإنسان والوطن والأمة العربية.
3- أن المستقبل لنا، بعون الله، وأن المُتغيرات الدولية التي قدمت "إسرائيل قوة لا تُغْلَب، وكيانًا باقيًا".. أنَّ تلك المُتغيرات إلى تغير أيضًا، لأن هذا هو قانون الحياة. ولأن ضعفنا ليس قَدَرًا، بل هو تقصير منا بحق أنفسنا، وتبعية منا لمن هو عدو لنا لا يزيد لنا التحرر والتحرير والاستقلال والقوة الرادعة للعدوان.. وأن قوة العدو لن تدوم إلى الأبد، فالحياة حركة، وعلينا أن نحسن العمل، لكي يحملنا قانون الحركة إلى حيث الوعي، والقوة، والسيادة، والقيادة، للدفاع عن الوجود، والوطن، والشعب.. وعن الدين الحق، والحرية الحقة، وعن الإنسان في أجلى صوره، وأفضل تجليات حياته.
4- أن ما نملكه من إمكانيات، ومواد أولية، وثروات طبيعية، وطاقة بشرية، وأموال، وعقيدة، وقيم روحية وخلقية، وإيمان بالله وبالحق والمستقبل، وبحقنا في حياة كريمة.. كل ذلك كفيل بأن يؤكد حقيقة أن المستقبل لنا.. وليس لمن يحتل أرضنا، ويحاول أن يشوه صورتنا، ويعمق خلافاتنا، ويلحق بنا دونية هي في طبعه وتكوينه، ويعمل على أن يجعلنا مِللًا متقاتلَة، وأقوامًا وجماعات يضعِفُ بعضها بعضًا ويذهب ريحُها، وأسواقًا مفتوحة للاستهلاك، وحقول تجارب لأسلحته، وتبعيّات متواكلة متآكِلَة.
إنّ من المهم جدًّا أن نعرف أن المواجهة المجدية جبهاتها هنا، وليس ضد بعضنا بعضًا، وأن لا تنهزم مِنّا الإرادة، وألا تنهزم مِنّا الأعماق، قبل المواجهة الحتمية مع العدو الصهيوني.. وأن نُعِدَّ للأمر عُدته، وأن نُعِدَّ أنفسنا الإعداد الملائم لذلك، وللتعامل مع تحديات العصر، واستحقاقات الحياة. ومن المفروغ منه، أن لكل اختيار ثمنًا، وأن من يطلب أمرًا، بمثل أمر النهضة والتحرير ومقاوَمة قوى الفساد، والطغيان، والاستبداد، والاستغلال في العالم.. ويريد تحرير وطنه، وامتلاك حريته، واستعادة المكانة والدور الحضاري، والمجد الذي كان.. عليه أن يستعدَّ لدفع ثمن باهظ، وتقديم تضحيات كبرى.

وإذا كانت النفوسُ كبارًا تعبت في مُرادِها الأَجسام