[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” ..إن الأخطر في المشهد السوري هو أن جسر الاتفاق المؤقت بين واشنطن وموسكو انقطع وانعدمت شبه الثقة المصلحية العابرة التي نشأت بين العملاقين لتحل محلها اتهامات وتصادمات لعل سببها الأول اغتنام بوتين للحالة الانتخابية المعقدة التي تمر بها الولايات المتحدة وميل الرئيس المنتخب ترامب الى اعتبار الروس أصدقاء وحلفاء ما داموا كما قال هو يقتلون جنود داعش. ”
ـــــــــــــــــ
تميز الأسبوع الماضي بالتحولات الكبرى التي تطرأ على حياة الأمم الغربية فتغيرها وتدعوها بنداء التاريخ الى قراءة الأحداث بعيون مختلفة كما أنها أحداث تزلزل شعوبنا نحن ونادرا ما نتأملها ونعتبر بها وكان الأسبوع كذلك هزة عاتية للقوى العالمية بقوة سبعة من ميزان ريختر الحضاري، بدأ العقلاء في الأمم الطاغية يفكون ألغازها. هذا المنعرج الأخطر الذي يهدد مصيرنا بالانفلات وشعوبنا بفقدان البوصلة، دون أن نكون تهيأنا نحن ضحاياه لتحمل النتائج ومعالجة التداعيات.
والمؤشرات على هذه العواصف الغربية التي تهب على المجتمعات العربية كثيرة لعل أهمها تصويت الكونجرس الأميركي يوم الأربعاء الماضي على التمديد عشر سنوات في فرض العقوبات المسلطة على إيران تمهيدا لرئاسة دونالد ترامب الذي وعد بإلغاء اتفاق 14 يوليو 2015 الموقع بين إيران والحلفاء مؤذنا بالزمن الجديد القادم على الأمة فيما يسمى الشرق الأوسط. مع العلم أن الاتفاق المذكور ليس شأنا أميركيا داخليا بل وقعته ست دول وصادقت عليه منظمة الأمم المتحدة ولكن يبدو أن هذه البنود من القانون الدولي تتعامل معها الإدارة الأميركي كتفاصيل ليست ذات قيمة !! فالمتوقع هو ما أعلن عنه المرشد الأعلى للثورة من مواصلة طهران لبرنامجها النووي بدون أية رقابة وتداعيات هذا المنعرج المفاجئ على دول الجوار. والمؤشر الثاني للعاصفة هو انزلاق الأزمة السورية إلى مربع المجهول.
فلم يعد المتحاربون على أرض سوريا من عرب وأغراب يدركون لماذا ومن يحاربون لأن ساحات الوغى المتعددة لم تعد واضحة ولا يعرف فيها من الحليف ومن العدو ومن البريء ومن المذنب بل لم يعد لدى الجميع تعريف متفق عليه لما يسمى الإرهاب وتحديد من الذي يقوم بمقاومة الإرهاب. ثم إن الأخطر في المشهد السوري هو أن جسر الاتفاق المؤقت بين واشنطن وموسكو انقطع وانعدمت شبه الثقة المصلحية العابرة التي نشأت بين العملاقين لتحل محلها اتهامات وتصادمات لعل سببها الأول اغتنام بوتين للحالة الإنتخابية المعقدة التي تمر بها الولايات المتحدة وميل الرئيس المنتخب ترامب الى اعتبار الروس أصدقاء وحلفاء ما داموا كما قال هو يقتلون جنود داعش.

من جهة أخرى صدر هذه الأيام ملف نشرته (نيويورك تايمز) كتبه (سكوت أندرسون) بعنوان: Fractured lands: how the Arab world came apart?
(الأرض المجزأة: كيف تشتت العالم العربي؟)
ويؤرخ كاتب الملف بداية انفجار العالم العربي الى دويلات ومقاطعات عرقية وطائفية وسياسية بمحطة احتلال العراق (9أبريل 2003) حين أخطأت الولايات المتحدة وعوض أن تحطم النظام كما زعمت وأعلنت قامت بتحطيم العراق كدولة ومؤسسات وحضارة وأبرز خطيئة كانت هي قرار حل (بريمر) للجيش العراقي فكانت النتيجة الطبيعية أن يعيد هذا الجيش تشكله في الإطار الوحيد المتوفر وهو إطار العمل السري المسلح وتحت غطاء عقائدي ديني لأنه هو المتاح ومن هنا تكون جنين الحركات العنيفة في رحم الأخطاء والخيارات الأميركية ونشأ المولود في شكل متطور تحت تسمية (داعش). وشكل في الحقيقة صرخة فزع انفجرت بسببه الأزمة العراقية العميقة وأصل الداء جاء من تخبط الادارة الأميركية التي لم تخطط قبل التاسع من أبريل 2003 لما بعدها من المراحل، فكانت مهمة (بريمر) اسقاط النظام البعثي ثم أصبحت بالرغم عنه تدمير دولة العراق، وبالفعل لم يبق شيء يذكر من الدولة ولا من الجيش ولا من البنية التحتية ولا من المجتمع العراقي ولا من التعليم ولا من التكنولوجيا ولا من المتاحف والمصانع وبالطبع لم يبق شيء من التماسك الطائفي الذي صمد في العراق حتى في أدق المراحل وأحلك الظروف. وهذه الحقائق المريرة كان عددها جامس بيكر في تقريره الشهير منذ عشر سنوات بالضبط (ديسمبر 2006) حين أكد العمى السياسي للإدارة الأميركية وفتح أبواب الجحيم في الشرق الأوسط. فالتقرير الذي وضعه بيكر لم يأت بأمور خارقة أو اكتشافات مبتكرة بل انه نقل الواقع بأمانة لا من أجل عيون العراقيين بل من أجل حماية مصالح الولايات المتحدة الأميركية المهددة بشكل جدي من تعفن الوضع وتفاقم الأزمة في العراق كما نراها اليوم بين السنة والشيعة والأكراد والحيص بيص الواقع فيما يسمى اختزالا بتحرير الموصل. أما في فلسطين فالبهتان الدولي متواصل بل الجهود الشريرة متضافرة لادخال الخناس الوسواس في معابر الضفة والقطاع ودق اسفين الفتنة والفوضى بين أبناء الشعب كما ظهر في الانتخابات الأخيرة.
هذا هو المشهد العربي اليوم ويخشى أن تبقى المنطقة كلها على كف لا عفريت واحد بل مجموعة عفاريت. والعفريت الأشرس هوالعفريت الداخلي أي الانقسام والفرقة والعداوات المتفاقمة والحسابات الأنانية والمصالح الانفرادية والقضايا الهامشية، في حين يخطط أعداء الأمة في الظلام لضرب جميع العرب بلا استثناء مهما اعتقد البعض منا بأنه في مأمن وهو في الحقيقة المستهدف الأول وعلى مرمى قريب من النارالعدوة.
فاجتمعوا على كلمة سواء يرحمكم الله، قبل أن ينفخ في الصور!