[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
تقود إدارة باراك أوباما لعبة التقاط الأنفاس في الأمتار الأخيرة من عمرها المتبقي لترمي آخر خراطيشها في الأزمة السورية؛ لتترك الجرح السوري نازفًا بعد أن أوجعتها الصفعة القوية التي وجهها لها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في حلب الشهباء، مؤكدة الثابت عنها بأنها الإدارة الأميركية التي لعبت بامتياز دور العرَّاب للإرهاب والفتن الطائفية والاحتلال الاستيطاني.
وقبل الرحيل تعمل إدارة أوباما على تعميد مسيرتها هذه طوال ثماني سنوات بدماء شعوب المنطقة لتضم نفسها في قائمة التاريخ الأسود للإمبريالية الأميركية بجوار شقيقتها السابقة إدارة جورج بوش "الصغير"، رغم أن الانطباع بُعيْدَ ولادة إدارة أوباما كان يغرق في تفاصيل الإتيان برجل ملوَّن ليقود الولايات المتحدة نحو مرحلة التصالح مع الذات، وتحسين الصورة القبيحة التي رسمتها إدارة بوش؛ ليبدو المشهد على راهنه أن لا فرق بين الإدارتين الجمهورية والديمقراطية في السياسة الخارجية بالنظر إلى النتائج الكارثية التي ألحقتها هاتان الإدارتان بحق شعوب المنطقة خاصة وشعوب العالم عامة. فالجمهورية تبنت خيار القوة العسكرية الغاشمة لتأكيد الهيمنة الأميركية على العالم، وتدمير الدول المناوئة لكيان الاحتلال الصهيوني (كما هو حال العراق)، والديمقراطية تبنت خيار الإرهاب والفتن الطائفية لاستكمال مشروع تدمير الدول الموضوعة على قائمة الاستهداف (ليبيا وسوريا واليمن) والمناوئة لكيان الاحتلال الصهيوني والداعمة لمقاومة احتلاله، وكلتا الإدارتين لقيت العون والنصير من الخونة والعملاء في المنطقة لإنجاز المشروع الصهيو ـ أميركي بإعادة رسم خرائط جغرافية المنطقة تكون فيها الدول التي حملت لواء شرف مقاومة الاحتلال الصهيوني مندرسة الرسم، وعبارة عن كانتونات طائفية متناحرة.
فلم تتأخر كثيرًا الترجمة العملية لتهديدات إدارة أوباما التي جاءت على لسان جون كيري وزير الخارجية الأميركي بأن "سقوط حلب لن يعني انتهاء الحرب"، عبر تنظيم "داعش" لتثبت علاقة الأمومة والأبوة بين هذه الإدارة والتنظيم الإرهابي الذي أوعزت إليه بفتح جبهة تدمر مجددًا، في محاولة لخلط الأوراق والتشويش على الانتصار الكبير في مدينة حلب الذي يتهيأ للاحتفال به الشعب السوري عامة وأهالي المدينة خاصة مع جيشهم الباسل، ولعرقلة الجيش العربي السوري عن إنجاز تطهير ما تبقى من أحياء حلب الشرقية وتشتيت جهوده من جهة، ومن جهة أخرى لتأخيره ومشاغلته عن التوجه نحو مدينة الباب الاستراتيجية حيث الحلم العثماني لا يزال يعشش في عقل وفكر حكومة العدالة والتنمية التركية الساعية إلى إعادة الإرث الاستعماري وتجديده في المنطقة، وكذلك لمشاغلته وتأخيره عن التقدم نحو مدينة الرقة حيث يواصل الكاوبوي المتأبط للإرهاب مضاعفة عديده في المدينة لدعم التنظيمات الإرهابية والمتمردة بالإعلان عن إرسال مئتي جندي أميركي بذريعة محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي وطرده منها، في الوقت الذي أوعز فيه إلى التنظيم الإرهابي بعد دعمه بالعتاد العسكري والإحداثيات بفتح جبهة مدينة تدمر، في مفارقة شاذة وصادمة وتبعث على السخرية في الوقت ذاته، وتبين مستوى الانحطاط الأميركي والانحدار الأخلاقي في المتاجرة بحقوق الشعب السوري والعبث بدمائه من ناحية، وحقيقة النيات الاستعمارية المبيتة ضد سوريا خدمة لمشروع الاحتلال الصهيوني في المنطقة من ناحية أخرى، وكيف يتم توظيف "داعش" الإرهابي في تمرير مشاريع الاستعمار والتدمير والتخريب الصهيو ـ أميركية في المنطقة، فضلًا عن أن هذا التنظيم الإرهابي وبقية التنظيمات الإرهابية الأخرى مثل ما يسمى " تنظيم جبهة النصرة" أداة صهيو ـ أميركية. فكيف يعقل بتنظيم إرهابي مثل "داعش" أن تكون له هذه الفاعلية والسرعة في الانتشار والتزود بالعتاد العسكري ليفتح جبهات داخل سوريا، في الوقت الذي يفترض فيه أنه في النزع الأخير، بعد محاصرته في الموصل، وفي الرقة حسب الرواية الأميركية؟ أليس هذا ترجمة عملية وحرفية لتهديدات كيري عرَّاب الإرهاب ويؤكد علاقة الأمومة والأبوة بين إدارة أوباما والتنظيم؟
إن الأمر المقزز الذي لا يليق بوزير خارجية دولة تدَّعي محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، أن يتحول إلى عرَّاب للإرهاب ومدافع عنه وعن تنظيماته، كما هو حال العجوز جون كيري، منطبقًا عليه المثل عندنا "شايب وعايب"وذلك في معرض مطالبته بوقف إطلاق النار في مدينة حلب، حيث قال "المقاتلون لا يثقون في أنهم إذا وافقوا على الرحيل لمحاولة إنقاذ حلب فإن هذا سينقذ حلب ولن يمسهم سوء". وتابع: "الخيار بالنسبة للكثير منهم كما يفكرون فيه اليوم هو إما الموت في حلب أو الموت في إدلب لكنه موت". فكيري هنا يبدو أنه يبعث برسالة إلى التنظيمات الإرهابية في حلب بالبقاء ومواصلة الأعمال الإرهابية ما دام الموت واحدًا داخل حلب أو خارجها، مُوحيًا إلى التنظيمات الإرهابية بمغالطة واضحة بأن رحيلها لا يعني إنقاذ حلب، مع أن رحيلها عن كل شبر من سوريا يعني سلامته واستقراره واطمئنانه.

[email protected]