[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]

الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة عبر خارجيتيهما بشأن الأزمة السورية والوضع في مدينة حلب، ليست نتيجة طارئة أو جديدة أو حتى مفاجئة لهذه المفاوضات، وإنما هي نتيجة طبيعية وغدت من السمات الثابتة لسياسة إدارة الرئيس باراك أوباما خاصة فيما يتعلق بملف الأزمة السورية، لكون هذه المفاوضات لم تكن يومًا تعبيرًا أميركيًّا صادقًا عن إرادة الحل السياسي للأزمة، بل هي تكتيك يلجأ إليه الأميركي لإعطاء نفسه هامش المناورة والمراوغة حين تضيق به السبل، ويشعر أنه ومن معه من الأتباع والأدوات والتنظيمات الإرهابية قد حشروا في زاوية ضيقة، لكي يتمكن من إعادة التوازن في الميدان، وإعادة تنظيم صفوف التنظيمات الإرهابية، وإعطائها فرصة التقاط الأنفاس، ودعمها بما تحتاجه من عتاد عسكري ومؤن غذائية ودوائية.
لذلك تظل المفاوضات الروسية ـ الأميركية نسخة مكررة من المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية العبثية، من حيث المرامي والأهداف، فمثلما كانت المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية من العقم بمكان وملهاة للجانب الفلسطيني والعربي، واستثمارًا ضخمًا للاحتلال الإسرائيلي في تغيير الوقائع على الأرض بنهب وتهويد قطاع عريض من الأراضي الفلسطينية، كانت ولاتزال المفاوضات الروسية ـ الأميركية حيلة أميركية مناسبة في ظل العجز الميداني وفشل الخيارات لعرقلة تقدم الجيش العربي السوري نحو ملاحقة فلول الإرهاب وتطهير المدن والأرياف والقرى السورية.
المحتلون الإسرائيليون عبر خدعة المفاوضات استطاعوا أن ينهبوا أكثر من نصف مساحة الضفة الغربية، ويمارسوا القضم المتدحرج للقدس الشرقية والاقتراب كثيرًا من المسجد الأقصى للمساس به وبأساساته، وكلما حاولت جهة ما التقدم بمبادرة سلام أو حتى مجرد طرح فكرة عقد مؤتمر للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كانت الشماعة الإسرائيلية هي أن السلام وقضايا الحل النهائي لا يمكن أن تناقش إلا في إطار المفاوضات الثنائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين للتملص من الموقف وتدارك أي نتائج لا تخدم الاحتلال. كذلك الحال بالنسبة للولايات المتحدة في محاولتها إدارة ملف الأزمة السورية، فلا تلجأ إلى المفاوضات مع الجانب الروسي إلا حين ترى أن التنظيمات الإرهابية باتت محشورة في زاوية ضيقة، والجيش العربي السوري على مشارف تحقيق نصر مؤزر بتطهير مدينة ما، كما هو الحال الآن مع مدينة حلب الشهباء، حيث عقدت واشنطن سلسلة من المفاوضات حول الوضع في المدينة قبل اتخاذ الدولة السورية قرار تحريرها وتطهيرها من رجس الإرهاب، وأثناء انطلاق العملية العسكرية، علها تتمكن من تثبيت ركائز إرهاب القاعدة في حلب المتمثل في ما يسمى "تنظيم جبهة النصرة" ومن معه من التنظيمات الإرهابية التي تراهن عليها الولايات المتحدة ومعسكرها التآمري على إرهابها في تقسيم سوريا بإحكام قبضته على حلب التي سيكون سقوطها بيد الإرهاب بداية نجاح مخطط التقسيم. ولا غرو في أن نشاهد استنساخ واشنطن المفاوضات الإسرائيلية في تفاوضها مع الجانب الروسي ما دام الطرف الأصيل في الأزمة السورية هو كيان الاحتلال الصهيوني، وهو المحرك الأساسي والصانع لخيوط المخطط التآمري واللاعب الأبرز بالأصالة وبالوكالة، وهو المخصوص بمشروع تدمير المنطقة وإعادة رسم جغرافيتها من جديد، والذي لاتزال خزائن البترودولار ـ رغم الأزمة المالية وانهيار أسعار النفط وارتفاع مستوى البطالة والتبرم ومشاعر القلق على لقمة العيش والحياة الكريمة ـ تقدم فروض الولاء والطاعة، وتتسابق نحو ذلك بدفع فواتير صفقات السلاح ورواتب التنظيمات الإرهابية لكي يصحو المحتل الصهيوني غدًا فيرى سوريا فتاتًا، والعراق أشتاتًا، ومصر مزقًا، وغزة ابتلعها البحر.
واللافت أيضًا وإزاء الطروحات والضغوطات الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني لإجباره على الاعتراف بما يسمى "يهودية الدولة"، من قبيل إعطاء الفلسطينيين الإدارة الذاتية في الضفة الغربية، أو القبول بمبدأ حل الدولتين، أو الضغط والابتزاز بقطع عائدات الضرائب الفلسطينية والتضييق الاقتصادي، أو تسريع وتيرة الاستيطان الاستعماري، نجد الأميركي يتبع الأسلوب والنهج ذاتهما مع الجانب الروسي، فيعرض تسليم الأحياء الخاضعة لسيطرة "جبهة النصرة" ومن معها لمجلس عسكري وإدارتها ذاتيًّا خارج سلطة الدولة السورية مقابل خروج الإرهابيين منها، ولما فشل في ذلك لجأ إلى أسلوب الضغط والتعويض بالإيعاز إلى صنيعته تنظيم "داعش" الإرهابي بعد تعزيزه بالعتاد العسكري والعناصر لدخول مدينة تدمر.
الدولة السورية بخبراتها السياسية والميدانية المتراكمة تدرك حجم الغيظ والكراهية والحقد الذي تكتنزه قلوب معشر المتآمرين، وأن تفاوض الأميركي ليس خيارًا لأجل الحل وسواد عيون الشعب السوري، وإنما وسيلة لإنقاذ التنظيمات الإرهابية لكي تواصل العبث بالدم السوري، وتدمير ما تبقى من بنى أساسية، ما يحقق مخطط تدمير سوريا وتقسيمها؛ بدليل الاستثمار الواضح في إرهاب "داعش" بتحريك جحافله نحو مدينة تدمر لمحاولة التعويض عن الهزيمة الماحقة في حلب وجبر المعنويات المنكسرة، ما يؤكد حقيقة المخطط ضد سوريا.