مع مرور الأيام وتوالي السنين يرتفع نهج سياسة الاحتلال الاستيطاني في أرض فلسطين، ويرتفع معه مستوى الإحباط الفلسطيني حول تضاؤل فرص السلام، وتغيب الترجمة الفعلية والحقيقية للمبادرات المطروحة لحلحلة ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ولو حتى مبادرة واحدة، ذلك أن الأيادي الخفية وغير الخفية تقف وراء خفوت ألق القضية الفلسطينية، وإنزالها من قائمة الصدارة والاهتمام في أجندة العمل العربي المشترك، مُحاوِلةً وضع ملفات قضايا أخرى مكانها خدمة لمشاريع وأغراض باتت مكشوفة ومفضوحة.
في استطلاع حديث للرأي أظهر أن ثلثي الفلسطينيين يعتقدون أن التوصل إلى "حل الدولتين" لإنهاء الصراع القائم مع كيان الاحتلال الإسرائيلي لم يعد ممكنًا، وحسب المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أن نسبة أولئك الذين فقدوا الثقة في هذا الاتفاق ارتفعت من 56% في سبتمبر إلى 65% حاليًّا، مرجحًا أن سبب ذلك تسارع النشاط الاستيطاني.
من المؤكد أن هذه النتيجة مرشحة للارتفاع بالنظر إلى الواقع السياسي والأمني والاجتماعي والمعيشي في الضفة الغربية والقدس المحتلتين وقطاع غزة المحاصر، مع ما يصاحب هذا الواقع من انتهاكات إسرائيلية ضد الإنسانية، وإعدامات ميدانية، وهضم وقضم للأراضي، ارتفعت وتيرتها بصورة لافتة، وخاصة مع طرح أي مبادرة لحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، حيث تأتي الترجمة الإسرائيلية في صورة رد فعل. فحين أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش "الصغير" عن خطة خريطة الطريق، شرع كيان الاحتلال الإسرائيلي في الاستعمار الاستيطاني، بل إن الاستيطان انطلق بصورة سريعة في ظل خطة خريطة الطريق التي بدت أنها مظلة أميركية لسياسة الاحتلال الاستيطاني دللت عليها رسالة الضمانات التي بعث بها الرئيس بوش إلى أرييل شارون رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي آنذاك، لتعقبها رؤية الرئيس باراك أوباما المتمثلة في صيغة "حل الدولتين" التي لم تحافظ على وتيرة الاستيطان فحسب، وإنما زادتها سرعة بشكل لافت على النحو المشاهد حاليًّا لتطول سياسة التهويد والاستيطان القدس المحتلة والمسجد الأقصى. وها هو أوباما يحزم أمتعته استعدادًا لمغادرة البيت الأبيض، وترك المشهد الفلسطيني ـ الإسرائيلي على ما هو عليه دون أن يعطي دليلًا واحدًا على مصداقية توجهه في رؤيته "حل الدولتين"، بل إن الأنكى والأمر عمل أوباما وعرَّاب الاحتلال جون كيري وزير الخارجية الأميركي على الالتفاف على حدود عام 1967م. كما أن مع قيام حكومة الاحتلال الإسرائيلي بإقرار مشاريع قوانين لمصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية وتشريع المستعمرات، ومع الأطروحات الإسرائيلية مثل "الوطن البديل" للفلسطينيين، و"الإدارة الذاتية" في الضفة الغربية، والقدس عاصمة أبدية لدولة الاحتلال الإسرائيلي وغير ذلك من الطروحات، يتلاشى مع كل ذلك فرص "حل الدولتين" والسلام، وبالتالي ما عبَّر عنه الفلسطينيون في استطلاع الرأي يوافق الحقيقة ويدعمه الواقع بكل تفاصيله ودقائقه.
إن الصراع الإقليمي العربي ـ الإسرائيلي سيبقى بالمحصلة عديم الجدوى ما لم تكن هناك إرادة حقيقية دولية وعربية وفلسطينية، واستعداد إسرائيلي صادق للوفاء باستحقاقات السلام، والاعتراف بالحقوق الفلسطينية وإعادتها إلى أصحابها الحقيقيين والشرعيين.