نحن أمام برنامجين، برنامج قديم (يعتبر البعض من القوى والفصائل والشخصيات الوطنية برنامجًا مُتقادمًا)، تم الاتكاء عليه للولوج إلى مسارات عملية التسوية السياسية منذ العام 1974 عندما طُرحت فكرة مؤتمر جنيف بعد حرب تشرين أول/أكتوبر 1973، ومشروع آخر يدعو لنسف "النقاط العشرة القديمة" بــ"نقاط عشرة جديدة"، ويدعو لتجاوز عملية التسوية والعودة لمربع المقاومة وحدها دون تسوية سياسية، اعتقادًا بأن طريق التسوية مُغلق ولا أفق له...

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]

انتهت أعمال المؤتمر العام السابع لحركة فتح في رام الله بفلسطين بنجاحٍ جيد نسبيًّا، وقد عَبَرَت حركة فتح خلاله ممراتٍ صعبة، واستحقاقاتٍ كانت موضوعة على الطاولة بعد بروز ما أطُلِقَ عليه بـ"المبادرة الرباعية العربية" التي حاولت الدخول إلى المُربع الفتحاوي الداخلي من خلال عدة مطالب كانت أطراف المبادرة قد طالبت بتحقيقها، وعلى رأسها إعادة عدد من المفصولين للحركة وفي مقدمتهم محمد دحلان، العضو السابق في اللجنة المركزية، والذي سبق وأن تم فصله...
البارز هنا، أن أعمال المؤتمر العام السابع لحركة فتح، ترافقت مع إطلاق حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين لمبادرتها المعنونة بـ"النقاط العشرة"، وهي مشروع رؤية سياسية لإنقاذ الحالة الفلسطينية من التفكك والانقسام على حد تعبير قائد الحركة الدكتور رمضان عبدالله، وقد أطلقها من دمشق وعبر مخاطبته هاتفيًّا، المهرجان السياسي الذي أقامته حركة الجهاد في قطاع غزة.
وبالطبع، تُشكَر الحركة على اجتهادها، بإطلاقها المبادرة السياسية، للخروج من الواقع الفلسطيني المُتردي في مُختلف المجالات، وخاصة الناحية السياسية لأجل الوصول إلى رؤية قادرة على الخروج من تلك الانقسامات والأزمات التي تُهدد مستقبل الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى.
إن الاجتهاد في تقديم رؤية للحلول من أجل الخروج من حالة الركود والانقسام، تفترض من الجميع في الساحة الفلسطينية، من قوى وفصائل، المُساهمة بالعمل لإنضاج تلك الرؤى والحلول المُقترحة، للوصول إلى توافقات وطنية فلسطينية، على طريق بناء برنامج الإجماع الوطني الفلسطيني وإنضاجه طبقًا لما جرى من حوارات فلسطينية داخلية خلال السنوات الماضية في القاهرة وغيرها. فالمهم والرئيسي في مبادرة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أنها تفتح فضاءات البحث لإعمال العقل من أجل الوصول إلى حلول وطنية للأزمات التي تقف عندها الحالة الفلسطينية منذ سنواتٍ طويلة.
في مبادرة حركة الجهاد الإسلامي، تعود بنا الأمور لمفارقات صارخة، ولافتة في الحياة السياسية الفلسطينية، فالمشروع المعنون بـ"البرنامج المرحلي" الذي تبنته منظمة التحرير الفلسطينية في الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني التي انعقدت في أيار/مايو عام 1974 بالقاهرة، والذي حَمَلَ مُسمى برنامج "النقاط العشرة"، يُعاد الآن طرح مُسماه فقط دون مضمونه، بل بمضمون آخر مُختلف كليًّا، من قبل الدكتور رمضان عبدالله الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، وتحت عنوان "برنامج النقاط العشرة" أيضًا.
برنامج "النقاط العشرة القديم" للعام 1974 والذي طرحته كلًا من (حركة فتح + الجبهة الديمقراطية + منظمة الصاعقة) في حينها، وعارضته في البداية ما كانت تُعرَف بفصائل جبهة الرفض الفلسطينية (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين + الجبهة الشعبية القيادة العامة + جبهة النضال الشعبي الفلسطيني + جبهة التحرير العربية)، يختلف كليًّا عن برنامج النقاط العشرة المُقدم من زعيم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين كمشروع للحل في الساحة الفلسطينية.
فالبرنامج الأول والذي تحوّل إلى برنامج لمنظمة التحرير الفلسطينية بموافقة جميع فصائلها، بما فيها فصائل جبهة الرفض ــ بعد حينٍ من الزمن ــ يدعو لعملية تسوية سياسية تقوم على أساس قرارات الشرعية الدولية والتوافق معها بإقامة دولة فلسطينية مُستقلة فوق الأرض المحتلة عام 1967 وحق اللاجئين بالعودة. بينما يدعو برنامج "النقاط العشرة الجديدة" لزعيم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين إلى القَطعِ والبتر مع طريق المفاوضات والتسوية والخروج من اتفاق أوسلو واستنساخاته.
إذًا، نحن أمام برنامجين، برنامج قديم (يعتبر البعض من القوى والفصائل والشخصيات الوطنية برنامجًا مُتقادمًا)، تم الاتكاء عليه للولوج إلى مسارات عملية التسوية السياسية منذ العام 1974 عندما طُرحت فكرة مؤتمر جنيف بعد حرب تشرين أول/أكتوبر 1973، ومشروع آخر يدعو لنسف "النقاط العشرة القديمة" بــ"نقاط عشرة جديدة"، ويدعو لتجاوز عملية التسوية والعودة لمربع المقاومة وحدها دون تسوية سياسية، اعتقادًا بأن طريق التسوية مُغلق ولا أفق له، مع الاحتلال ودولة الاحتلال، التي باتت تغرق أكثر فأكثر في مُستنقع التطرف والفاشية.
أغلب الظن أن الأمور في الساحة الفلسطينية، ليست بالسهولة بمكان ليتم الأخذ بمبادرة رئيس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ومشروعه المُقترح للحل تحت عنوان "النقاط العشرة الجديدة" كحزمة واحدة ومتكاملة، حتى وإن أيدها عدد من القوى الفلسطينية، ورحبت بها. فالحالة الفلسطينية متلاصقة مع المناخ الإقليمي، وتعقيداته، وبالتالي فإن عملية الخروج من الأزمة العامة التي تُحيط بعملية التسوية يتطلب ويحتاج لمقاربات فلسطينية من قبل الجميع، مقاربات لا تنسف كل شيء وعلى ـــ قاعدة التجريب المُدمرة التي عانت وما زالت تعاني منها الساحة الفلسطينية ــ بل تَعمَل على اجتراح حلولٍ مُناسبة، تقوم على التقريب بين مواقف ورؤى وتقديرات مُختلف الأطراف الفلسطينية، خاصةً النافذة، وذات الوزن والحضور على الأرض، وعلى رأسها حركتي فتح وحماس، والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والوصول إلى توافق برنامجي، سياسيًّا، وتنظيميًّا، على مستوى منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية.
وعلى سبيل المثال، إن السلطة الوطنية الفلسطينية ومعها منظمة التحرير الفلسطينية ــ بعجرها وبجرها ــ لكل القوى والفصائل والشعب في الداخل والشتات، وهي الإطار الواحد والموحّد لحركة الشعب الفلسطيني الوطنية التحررية، وقد ترتب على وجودها (أي السلطة الوطنية الفلسطينية) مجموعة من المؤسسات الوطنية التي أصبحت حقيقة، وخاصة عندما نتحدث عن تواجد السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، فأصبح للفلسطينيين مكانة وهوية مُعترف بها من قبل المجتمع الدولي بأسره تقريبًا، رغم المحاولات "الإسرائيلية" والتي قامت بها الحكومات الصهيونية المُتعاقبة، لطمس حقيقة فوز الشعب الفلسطيني بمكانة دولية بفعل كفاحه المستديم والمتواصل منذ ما قبل نكبته الكبرى عام 1948، تمثّلت بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وانضمام فلسطين للعديد من المعاهدات والاتفاقيات والمنظمات الدولية، وإسقاط الرواية "الإسرائيلية" التي طالما ضللت بها دولة الاحتلال الرأي العالم الدولي، بأن أرض فلسطين بلا شعب، وأنه لا يوجد هناك ما يُسمى بفلسطين أو الشعب الفلسطيني.
على كل حال، المسألة هنا تعود للناس أيضًا، للفصل والخيار بين برنامج النقاط العشرة القديم، ومشروع النقاط العشرة الجديد المطروح من قبل زعيم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور رمضان عبدالله، وبين مشروع التوافقات الوطنية تحت سقف برنامج الإجماع الوطني المنشود. وحتى تتمكن الأغلبية من فرض برنامجها ديمقراطيًّا، تأتي أهمية اللجوء إلى صناديق الاقتراع، بانتخابات فلسطينية يُشارك فيها الشعب الفلسطيني كله في الداخل والخارج لانتخاب أعضاء مجلس وطني جديد، يقود لبناء برنامج إجماع وطني توافقي، لا تتحكم بصياغته وقيادته الكوتة الخاصة بالفصائل كما درجت العادة في الساحة الفلسطينية تاريخيًّا منذ دخول الفصائل والقوى لعضوية منظمة التحرير الفلسطينية أوائل العام 1968.