لنذهب أبعد بالتفصيلات فحينها سنجد أن قائمة الذين تربوا في ثقافة الإهمال لا حدود لعددهم، من إهمال سيدة البيت لصنبور المياه المنزلية مفتوحا وهي تمضي في رحلة الحوار الساذج المتخلف مع أخريات؟ وماذا نقول لموظفين يهملون واجباتهم الإدارية في ضياعات لوقت الدولة وأوقات المواطنين؟

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]

أيًّا كان حجم تهمة الإهمال التي وجهت إلى الفرنسية كرستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي في محاكم بلادها، فإن هذه التهمة لا يمكن أن تمثل جرما مشهودا في عدد من بلداننا العربية لشخصية بهذا المستوى، وفي مقدمتها العراق إذا أخذنا بمعايير الاهتمام الذي يعني بالضد من الإهمال على وفق مقياس الخدمة، وهكذا أنك لا تستطيع أن تنظم جداول بعدد الذين تطبعوا على سلوك الإهمال في مسؤولياتهم وإلا فستجد مئات بل آلاف الشخصيات السياسية والاقتصادية والعلمية والخدمية الذين يمكن أن توجه لهم تهم الإهمال، وأشد أنواعه خطرا تلك التهمة التي شخصها غاندي بالقول (قليلون حول الوطن كثيرون حول السلطة)، ثم ماذا نقول عن معارضين عرب أهملوا شرفهم السياسي وتنكروا له، وأصبحوا أدوات بيد هذه الجهة الإقليمية أو تلك بالضد من بلدانهم ذات الخزين الحضاري الكبير، والوعود المستقبلية المفتوحة على آمال حقيقية.
كم هم عدد السياسيين العراقيين الذين أهملوا وحدة بلدهم، وتاجروا بالفرعيات ضمن منهج المحاصصة الطائفية والمناطقية والاثنية, ولنذهب أبعد بالتفصيلات فحينها سنجد أن قائمة الذين تربوا في ثقافة الإهمال لا حدود لعددهم، من إهمال سيدة البيت لصنبور المياه المنزلية مفتوحا وهي تمضي في رحلة الحوار الساذج المتخلف مع أخريات؟ وماذا نقول لموظفين يهملون واجباتهم الإدارية في ضياعات لوقت الدولة وأوقات المواطنين؟ وكيف لنا أن لا نضع أكثر من علامة استفهام على طاولة جامعة الدول العربية التي أهملت ميثاقها، فلم تتوقف عند مسؤوليتها لإصلاح العلاقات العربية ـ العربية؟ وأي إهمال أكثر من إهمال مسؤوليتها في تقديم ولو مشروعا واحدا يعيد الاعتبار ليوم واحد فقط من التبصر بعد الهزائم المتكررة التي أصابت العرب سياسيا وأمنيا واقتصاديا؟ وأي إهمال للتنمية أكثر من الإهمال المتمثل بالوقوف عاجزين عن الزحف الصحراوي وقضم الأراضي الصالحة للزراعة؟ وأين نحن من لحظة صحو قاضٍ فرنسي أهمل صيحة استغاثة دون أن يلبيها وهو يمر بسيارته من على أحد جسور باريس فذهب وقدم استقالته؛ لأنه شعر بالذنب بسبب إهمال واجبه في إنقاذ صاحب تلك الاستغاثة؟ وماذا نقول عن الراحلة تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية الأسبق التي عادت بسيارتها مسرعة من بيتها إلى مقر عملها؛ لأنها أهملت مصباح مكتبها مفتوحا فاضطرت للعودة إلى المكتب من أجل إطفائه ثم توجهت إلى البيت مجددا بعد أن عالجت الإهمال الذي وقعت به.
بالمقابل، أرى أن هناك من سيتضامن معي في الترويج للإهمال الذي ينبغي للرأي العام العربي أن يتدرب عليه في عزل ما تضخه بعض الفضائيات العربية من بضائع إعلامية تتمثل في إشاعة ثقافة الكراهية والقتل والترهيب والتحريض العدواني، ومحاولات الإيحاء أن لا حلول يمكن الالتقاء عليها إلا باستخدام السلاح، كما يحصل من طروحات بعض شخوص المعارضة السورية.
الخلاصة، أقول إن الإهمال في بعض النسخ التي أشرت إليها صناعة عربية بحق وإن تباينت من بلد إلى آخر، وإذا كان منصب رئيس صندوق النقل الدولي الذي تتبوأه لاجارد لم يمنع من سوقها إلى القضاء في بلادها، فإن مسؤولين عربا ربما يجدون في هذه التهمه بطرًا قانونيًّا، مع ملاحظة لا بد منها أن سياسة التحسب والفطنة والمثابرة تعرضت وتتعرض للضياع كثيرًا في بعض بلداننا العربية.