إن عدم سياسة الكيل بمكيالين، والتعاطي مع حقوق المواطن وحاجاته المشروعة بالأمن والاستقرار، والحياة الحرة الكريمة، وتكريس ثروة العراق لسعادته، هي من تنقذ العراق من الخانق الذي يتخبط به منذ أكثر من 13 عاما وحتى الآن، وإن أي صيغة ترقيعية لتأجيل مواجهة هذه الاستحقاقات ستزيد من مأزق أزمة الحكم لتضيف إلى أزماته تحديات خطيرة...

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]

لم نفاجأ بردة الفعل الغاضبة من التحالف الوطني الحاكم في العراق على حركة الاحتجاجات الشعبية التي قوبل بها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي خلال زيارته إلى مدن الناصرية والعمارة والبصرة جنوب العراق،
وهي احتجاجات حملت المالكي مسؤولية سقوط الموصل وضياع ثروة العراق وتفشي الفساد خلال ولايتيه.
وما يثير الاستغراب أن ردة الفعل على موجة الاحتجاجات تزامنت مع تهديد واضح وصريح لقمع أي ظاهرة مماثلة إلى حد التلويح إلى (جولة فرسان جديدة) وهي المعركة التي خاضها المالكي ضد التيار الصدري خلال ولايته الأولى.
ومنذ تولي رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي رئاسة الحكومة والمالكي يتحين الفرص للإيقاع به، وإظهاره أمام الجمهور بأنه ضعيف وغير قادر على إدارة دفة الحكم، ومواجهة التحديات التي تعصف بالعراق، وأيضا بالتحالف الذي يعتبر حزب الدعوة أحد أركانه الرئيسيين.
وهنا نتساءل: هل حق التظاهر والاحتجاجات الشعبية السلمية هو حق كفله الدستور المختلف عليه؟ أم أنه خروج عن القانون، كما يجري التعامل مع مظاهره في حادثة المالكي في جنوب العراق؟
ونزيد: إن الطبقة السياسية التي تحكم العراق منذ احتلاله وحتى الآن فشلت في تسويق نفسها حتى إلى جمهورها، الأمر الذي وضعها في دائرة المساءلة القانونية في ضياع ثروة العراق وتفشي الفساد في مؤسسات الدولة، إلى حد فشلها في محاسبة أي سارق في وضح النهار وجلبه إلى ساحة القضاء.
وإذا قارنا بين ثلاثة مظاهر في الاحتجاجات الشعبية التي حدثت في العراق، وهي الاعتصامات في المحافظات السنية وتظاهرات التيار الصدري إلى حد اقتحام المنطقة الخضراء واحتجاجات مدن الجنوب ضد زيارة المالكي، نستطيع القول إن التعاطي مع الظواهر الثلاث كان بانتقائية وبمعايير مزدوجة، ناهيك عن نكران حق التظاهر والمطالبة بالحقوق التي تكفلها جميع القوانين.
إن أزمة الحكم في العراق تزداد اتساعا مع اتساع الفشل وفقدان الأمن وتغول الفساد، يضاف إلى ذلك الاستئثار بالقرار السياسي ونكران حق الآخرين بالمشاركة في إدارة الدولة من خلال سياسة الإقصاء والتهميش، فضلا عن الظلم الذي أصاب قطاعات كبيرة من العراقيين، وأوقع بأبنائهم أفدح الخسائر، وحول محافظاتهم إلى خراب بعد استعادتها من "داعش".
إن عدم سياسة الكيل بمكيالين، والتعاطي مع حقوق المواطن وحاجاته المشروعة بالأمن والاستقرار، والحياة الحرة الكريمة، وتكريس ثروة العراق لسعادته، هي من تنقذ العراق من الخانق الذي يتخبط به منذ أكثر من 13 عاما وحتى الآن، وإن أي صيغة ترقيعية لتأجيل مواجهة هذه الاستحقاقات ستزيد من مأزق أزمة الحكم لتضيف إلى أزماته تحديات خطيرة سيكون المواطن هو من يدفع ثمنها بعد أن تمترست الطبقة السياسية بنظام المحاصصة الطائفية الذي حماها من المساءلة والإخفاقات السياسية وهدر المال العام.
ونختم بالقول: إن ردة الفعل الغاضبة ضد المالكي في مدن الجنوب العراقي وقبلها حركة الاعتصامات الشعبية المطالبة بالحقوق، وذروتها في تظاهرات التيار الصدري، تشير إلى أن العراقيين قد ضاقوا ذرعا بالطبقة السياسية التي تحكم العراق التي وضعت العراق على حافة الانهيار، وأن قابل الأيام سنشهد مظاهر مماثلة ستكون أعنف ضد ساسة أفقروا العراق وقسموا الشعب إلى طوائف ومكونات لكي يمارسوا تسلطهم وتسويق بضاعتهم