[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” انعطاف النخب السياسية نحو اليمين في أوروبا وأميركا يطمس التاريخ ويمسح الذاكرة من أجل مكاسب سياسية انتخابية لأننا لو أخذنا فقط مثال المساهمة المغاربية في تحرير فرنسا ذاتها من الاحتلال النازي الألماني لأدرك الفرنسيون الشباب بأن أجداد جيرانهم المغاربيين ساهموا في الحرب الأخيرة ضد المحتلين الهتلريين لبلادهم”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جاء انتخاب دونالد ترامب يوم 8 نوفمبر الماضي على رأس الإدارة الأميركية مؤذنا بانعطاف عديد الدول الغربية نحو اليمين لا أقول المتطرف بل المنفلت أو الصفيق أو المدلس للتاريخ أو المغرر بالجماهير أو الكذاب على الناس. ومنذ عقود قال أكبر علمائهم عالم الأنتروبولوجيا (كلود ليفي ستراوس) بأن العنصرية لا يعتنقها سوى الجهلة محدودي المعرفة فيتوهمون أنهم ينتمون إلى حضارة أرقى بينما ليس هناك حضارة أرقى من حضارة وكل ما في الأمر أن الأمم تهتدي الى أجوبة مختلفة على الأسئلة الأبدية المطروحة على الإنسان أينما كان كالموت والدين وطلاسم الكون. وهذا الانعطاف الخطير لليمين العنصري الذي يشهده الغرب بجناحيه الأميركي والأوروبي لا يبشر بخير للسلام العالمي ولا يخدم مصالح هذا الغرب نفسه. لماذا إذن انعطف بعض النخب الطامحة للحكم نحو هذه المسالك الوعرة التي تؤذن بتدمير الجسور الباقية بين الأمم وتشييد جدران العار الجديدة بين الحضارات؟. وأنا بصراحة فوجئت وصدمت من تنامي الخطاب الشعبوي الأوروبي كما يمثله رئيس الحكومة المجري (فكتور أوربان) وأيضا حين سمعت المرشح اليميني الفرنسي للرئاسة (فرنسوا فيون) يقول في اجتماع عام بمناصريه: لا يحق لكم أن تشعروا بأنكم مذنبون أو متهمون حين استعمرتم شعوبا أخرى لأنكم فقط تقاسمتم ثقافتكم مع تلك الشعوب في المشرق العربي وشمال إفريقيا وآسيا وإفريقيا !! نعم هكذا وصف الفرنسي فيون مغامرة الاستعمار (مجرد تقاسم الثقافة...الله يكثر خيرهم) أي في رأيه لم يكن الاستعمار سوى تفضل ومكرمة من الثقافة الفرنسية التي سمحت لأممنا المستضعفة بأن تتقاسمها مع أصحابها الأصليين حتى تصبح هذه الأمم المستعبدة متمدنة متقدمة (مثقفة). لكن ليس هذا رأينا نحن أبناء الشعوب التي عانت ويلات الاستعمار ولا ما ترسخ في ذاكرة أجيالنا عن مرحلة الاستعمار! فالمغرب الإسلامي بدأ يرزح تحت نير الاحتلال منذ 1830 وبعد الاحتلال فرضت فرنسا على الجزائريين قانون الأهالي. كان من نتائج الهجمة الاستعمارية الشرسة التي تعرضت لها المؤسسات التعليمية والوقفية والدينية، نضوب ميزانية التعليم وغلق المدارس وانقطاع التلاميذ عن الدراسة وهجرة العلماء. وبذلك فإن رسالة فرنسا في الجزائر كانت هي التجهيل وليس التعليم، مما يمكن الفرنسيين من جعل الجزائر، أسهل انقيادا وأكثر قابلية لتقبل مبادئ الحضارة الغربية. ولا تختلف السياسة التعليمة الفرنسية في الجزائر عبر مختلف مراحل الوجود الفرنسي عسكريا كان أو مدنيا، لأنها كانت أهدافا واحدة وإن اختلفت التسميات ثم بدأت ممارسات القتل الجماعي مثلما فعل الجنرال (بيليسييه) حين أمر بإحراق قبيلة بني رياح كاملة بكل أفرادها الألف حين هربوا للمغارات الجبلية فأمر هذا الجنرال أن تسد كل منافذ المغارات وتوقد النيران وكان يقول لجنوده حسب رواية المؤرخ الفرنسي (أوغستان برنار): "اقتلوهم مخنوقين بالدخان مثل الثعالب وصغار الثعالب في جحورها " وتبعت تلك المذابح فظائع أخرى والتي بلغت مستوى الإبادة كما وقع في مذبحة سطيف يوم 8 مايو 1945 حيث بلغ عدد الشهداء 45000 و مجزرة نهر السين في باريس يوم 17 اكتوبر 1961 حيث قتل حوالي الف جزائري بالرصاص او غرقا في النهر ثم تواصلت حرب الإبادة العرقية سنوات الجمر أثناء الحرب التحريرية باعتراف الجنرالات الفرنسيين بممارسة التعذيب والاغتصاب والقتل (كتبهم منشورة اكثرها صراحة كتاب الجنرال (أسوراس) الذي اعترف بقتل المقاومين تحت التعذيب عام 1957 أثناء حرب التحرير) . ما يزال جرح الاستعمار نازفا ولعل آخر ممارسات التسلط الفرنسية تجريب القنبلة الذرية الفرنسية في صحراء الجزائر واعتبار المواطنين المسلمين القاطنين في ضواحي الانفجارات الذرية فئران تجارب. نفس السيناريوهات الرهيبة تكررت في تونس والمغرب وبلدان جنوب الصحراء الإفريقية وفي فيتنام الذي انتصر على الاستعمار الفرنسي في موقعة (ديان بيان فو) في 7 مايو 1954 وانتصر على الاستعمار الأميركي بتحرير (سايجون) في 30 أبريل 1975 وهي عاصمة جمهورية فيتنام الحالية باسم (هو شي منه ) على اسم الزعيم البطل في الحربين ضد الأمبراطوريتين الفرنسية والأميركية.
انعطاف النخب السياسية نحو اليمين في أوروبا وأميركا يطمس التاريخ ويمسح الذاكرة من أجل مكاسب سياسية انتخابية لأننا لو أخذنا فقط مثال المساهمة المغاربية في تحرير فرنسا ذاتها من الاحتلال النازي الألماني لأدرك الفرنسيون الشباب بأن أجداد جيرانهم المغاربيين ساهموا في الحرب الأخيرة ضد المحتلين الهتلريين لبلادهم حينما كلف الجنرال ديجول زعيم المقاومة الشعبية الفرنسية رفيقه الجنرال (لوكلارك) بتجهيز جيش من شباب التوانسة والجزائريين والمغاربة والسنغال في مايو 1944 والإبحار من السواحل المغاربية نحو مدينة (تولون) والشروع في تحرير جنوب فرنسا الى بلوغ العاصمة باريس (وهو ما يعرف باسم كتائب لوكلارك) كما قاتل العرب المجندون في الجيش الفرنسي منذ 1914 و 1939 و مات مئات الآلاف منهم في ساحات وغى مستعمرهم وفي حروب دموية لا ناقة لهم فيها ولا جمل دون أي اعتراف بفضلهم كما مات الآلاف من جيل ابائنا وهم عمال بناء في صقيع فرنسا ليشيدوا طرقاتها السريعة ويحفروا أنفاق المترو...منذ الهجرات الشرعية الأولى في الخمسينات والستينات. وبالطبع لم يخرج المستعمرون من بلادنا إلا بعد تنصيب وكلائهم الذين التزموا بمواصلة غسيل عقول شعوبهم وتغريبها ومحو هوياتها.
في دول أوروبية عديدة يتصاعد اليمين المتطرف كنتيجة نتفهمها لعمليات إرهابية ندينها ونستنكرها رفعت شعارات دينية ولكن ضحاياها كانوا ايضا من المواطنين مسلمي أوروبا المسالمين مما يؤكد أن الإرهاب الأعمى يضرب بلا تمييز وما هو سوى نتاج الإستبداد الذي حكم شعوبنا منذ ما يسمى استقلالا ونتاج ما سنته الدول الغربية من سياسات ترهيب الشعوب منذ 11 سبتمبر 2001 الى اليوم و ترك الحبل على غارب اليمين الإسرائيلي بقتل الفلسطينيين في قطاع غزة واشاعة القنوط من أوهام العدل العالمي والقانون الدولي.