[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” يعاني القطاع السياحي في عمان من نقص كبير في الخدمات وضعف في الاستثمار سواء أكان حكوميا أم قطاع خاص، فالطرق المؤدية إلى المواقع السياحية ما زال الكثير منها غير معبد أو أنها أنشئت لخدمة المواطن ووفق خطط آنية دون رؤية مستقبلية تحقق أهداف وغايات السياحة ودرء المخاطر، كأن يكون مزدوجا أو سهل الصعود بالنسبة للجبال أو يحتوي على خدمات الوقوف والاستراحات أو منافذ إلى الأودية والمواقع السياحية والاستراحات الطبيعية، ”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السابع عشر : النتائج والخلاصات
على ضوء الزيارات التي استعرضتها تباعا في هذه السلسلة من المقالات على سبيل المثال لا الحصر، وإلا فإنني قد زرت وتتبعت معظم إن لم يكن كل مناطق السلطنة ومعالمها السياحية، وما تضمنه العنوان الأخير من تجارب الدول السياحية في العالم في استثمار وتوظيف المقومات بما في ذلك الطبيعة الخلابة والآثار التاريخية والثقافة، يمكن استخلاص جملة من النتائج والملاحظات استعرضها على النحو التالي :
• تتمتع السلطنة بتنوع سياحي ثري وبمواقع طبيعية آسرة وبيئة غنية بمقومات تستحق استثمارا سخيا في هذا القطاع الحيوي، تجمع بين الجبل والسهل والصحراء والكثبان الرملية والشواطئ الساحرة، وأودية لا ينضب فيها الماء طوال السنة وواحات خضراء خلابة، ومدن قديمة ومعالم وحارات أثرية وفي كل المواقع تقريبا، هذا فضلا عما تتمتع به بعض المواقع من درجات حرارة منخفضة في أشهر الصيف، هذا التنوع يلبي دون شك جميع الأذواق والمتطلبات، ويمكن أن نجعل من عمان بلدا سياحيا بامتياز لو توفرت المشاريع والبنى التحتية الحديثة والخدمات المتطورة السهلة واكتملت عناصر الجذب بما فيها الخطط والبرامج التسويقية.
• يعاني القطاع السياحي في عمان من نقص كبير في الخدمات وضعف في الاستثمار سواء أكان حكوميا أم قطاع خاص، فالطرق المؤدية إلى المواقع السياحية ما زال الكثير منها غير معبد أو أنها أنشئت لخدمة المواطن ووفق خطط آنية دون رؤية مستقبلية تحقق أهداف وغايات السياحة ودرء المخاطر، كأن يكون مزدوجا أو سهل الصعود بالنسبة للجبال أو يحتوي على خدمات الوقوف والاستراحات أو منافذ إلى الأودية والمواقع السياحية والاستراحات الطبيعية، كما أن العديد من الطرق الرئيسية تتوقف فيها حركة السير وتتعطل مصالح الناس بسبب جريان الأودية هذا فضلا عن الإرهاق والتعب والوقوف والانتظار لساعات، كما أن شبكات الاتصال ضعيفة للغاية أو غير متوفرة في العديد من المناطق السياحية، هذا فضلا عن الاسعافات الاولية التي يفترض أن تكون متوفرة وقريبة ومعلومة لدى السياح ومرتادي هذه المواقع ...
• ما تزال خيارات المطاعم والمقاهي الراقية شبه معدومة في بعض المناطق السياحية أو محدودة للغاية في بعضها وحتى في مراكز المدن . وهو وجه من أوجه القصور كبير بالنسبة للسياحة.
• ما زالت العديد من الخدمات الضرورية كاللوحات الارشادية والمظلات وكراسي الجلوس والإنارة ودورات المياه واللمسات الجمالية والتشجير التي تحتاجها المواقع السياحية غير متوفرة .
• خلو الرؤية الاستثمارية الشاملة في قطاع السياحة فيما يتعلق بالاستثمار في بعض المناطق الهامة، على سبيل المثال (الجبل الأخضر) الذي لا يبعد عن محافظة مسقط أكثر من 100 كيلو، ودرجة حرارته دون الثلاثين في أشهر الصيف الحارق، لو تم استثمار هذا الموقع بإقامة مدينة للملاهي ومجمعا تجاريا في المرحلة الأولى وخدمات سياحية متنوعة لاستطاع هذا المكان جذب عشرات الآلاف من السياح من محافظة مسقط والمحافظات الأخرى ومثلهم من خارج السلطنة، مع العلم بأن السياحة في الجبل الأخضر تصلح في جميع أشهر السنة.
• إن الاستثمار في السياحة في مرحلته الأولى ينبغي أن يعتمد على الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص نظرا لما يحتاجه هذا القطاع من موارد مالية ضخمة وإمكانات كبيرة وسنوات من الجهد إلى أن يتمكن من تحقيق عوائد مجزية تساهم في الاقتصاد الوطني.
• يهدر سكان هذه المناطق السياحية الكثير من الفرص خاصة الشباب منهم والباحثون عن عمل لتفويتهم استثمار المكان الذي يسكنون فيه، وضعف المبادرات الخاصة بالقيام بتنفيذ بعض المشاريع الخدمية والترفيهية البسيطة للسياح الذين يزورون هذه المواقع بشكل يومي، وبالأخص في الاجازات الأسبوعية والأعياد والمناسبات الأخرى. على سبيل المثال (مقهى يحمل لمسات جمالية وتراثية يقدم المشروبات والوجبات الخفيفة - تحويل بيت قديم نموذجي إلى مزار تعرض فيه الأثريات ومنتجات الحرف القديمة وعرضها للبيع - تخصيص وسائل نقل سياحية لصعود الجبال وعبور الأودية والتنزه في الواحة مثلا : حمار - حصان - جمل - قارب - عربة ... كل في المكان الذي يصلح فيه لنقل السياح في جولات ترفيهية قصيرة ومحببة، وهي وإن كانت موجودة في بعض المواقع إلا أنها محدودة للغاية.
• تمثل الجبال والأودية والقرى والسهول والافلاج والمعالم الأثرية والبيوتات والمناطق السكنية القديمة ... قيمة سياحية كبيرة لا تقدر بثمن وتعد ضمن المقومات الكبيرة في عمان
... لذا فإنها تتطلب الكثير من الدراسات والأبحاث والتسجيل والتوثيق والتحقق من تاريخها وقيمتها السياحية والحضارية وتوضيح المقصد والمبتغى من أسمائها ... الخ لكي توظف لأغراض عديدة ومنها الترويج السياحي وتقديم المعلومات الصحيحة والمثيرة للسائح والتي يشكل بعضها ملاحم شعبية وتاريخية تحفز السياحة .
• ما زالت العديد من المعالم الأثرية والبيوت والمناطق السكنية القديمة تتعرض للاندثار والضياع والخراب بفعل عوامل الزمن والأمطار وغياب مشاريع الترميم ... وأخرى لم يتم استثمارها واستغلالها لخدمة السياح فما زالت مهملة وغير مهيأة لاستقبال الزوار والهواة وعشاق هذه المواقع رغم ما تتمتع به من قيمة تاريخية وجمالية.
• العديد من القرى والواحات الجميلة المتناثرة في الجبال والأودية وتمثل قيمة سياحية كبيرة معرضة للإخلاء والاندثار والموت المتدرج بفعل الإهمال والجفاف والهجرة إلى المدن وبناء مناطق سكنية خارجها ولأن الانشغال بالقطاع الزراعي لم يعد مجد اقتصاديا ... الخ لذا فإنه من الاهمية العمل على تشجيع سكان هذه القرى على البقاء وتوفير الحياة العصرية لهم من طرق واتصالات وغيرها وتشجيع المنتجات الزراعية والحرفية وكل ما من شأنه الحفاظ على هذه القرى الجميلة .
• أهمية تشجيع الشباب للعمل في خدمة وإحياء الأفلاج التي توقفت عن الجريان خلال فترات الجفاف، والإقدام على زراعة الأراضي البوار وإعادة الحياة وإعمار الواحات والبساتين والحقول التي أصابها الجفاف بهدف ربط هذه العناصر الجمالية الثقافية والسياحية والاقتصادية والزراعية بحياة الإنسان العماني واستثمارها في توفير وظائف للشباب من ناحية، ومن ناحية أخرى تعزيز العمل التطوعي المجتمعي وتشجيع السياحة.
• إن جميع الأودية وبمختلف درجاتها ومستوياتها السياحية وحجم استقطابها للسياح وبما تحتويه من سمات ومميزات خلابة وباعتبارها خاصة أيام الأمطار متنفسا طبيعيا، هي خالية تماما من أي جهد حكومي فيما يتعلق بتوفير وتقديم الخدمات وتوظيف واستثمار المقومات حتى في أبسط الجوانب وأقلها مثل : مخارج ومداخل صالحة للسيارات تصل هذه الأودية بالشوارع الرئيسية المارة بقربها، مواقف مناسبة لوقوف السيارات، منتزهات واستراحات وأشجار مزروعة على ضفافهــا يستظل بها الزائـر من حر الشمس، لوحات إرشادية واضحة ومريحة، استصلاح وتهيئة أماكن أكثر راحة للجلوس، وهو ما أدى إلى تكدس السيارات وإلى اضطراب وفوضى في حركة السير بالقرب من هذه الأودية وإلى إحباط وإرهاق كل من توجه إلى هذه المواقع استجماما وتنزها ... فقد يرى الزائر موقعا جميلا وشجرة وارفة الظلال وبقربها المياه تجري ولكن لا مجال للوصول إليها عن طريق السيارة، أو قد يسير بضعة كيلومترات ويرى المياه تجري ويرغب بالتوقف والاستراحة بقرب المياه ولكنه لا يجد الموقف المناسب ولا يحصل على مدخل للوادي ولا حتى مظلة أو جملة أشجار تحميه من حر الشمس، وهو سبب رئيسي للازدحام وإرباك حركة السير في الشوارع القريبة من الأودية، ومما يؤسف له أن نروج للسياحة وأن نخصص أموالا كبيرة لهذا الترويج، وأن نطالب المواطن بتشجيع السياحة الداخلية والاستعاضة بها عن السياحة الخارجية، ونحن نفتقر إلى أبسط الخدمات السياحية كالتي تمت الإشارة إليها، فالترويج والتسويق في واد والواقع في واد آخر.
• إن الأودية والمواقع السياحية، وبالنظر إلى أنها مواقع عامة من حق جميع المواطنين أن يستفيدوا من مقوماتها السياحية، وأن يستمتعوا بأجوائها الجميلة، ومن منطلق المسئولية التي ينبغي أن نستشعرها ونتحمل تبعاتها جميعا كمواطنين تجاه كل جزء ينتمي إلى هذا الوطن، وحرصا على الظهور بمظهر حضاري في سلوكياتنا وأعمالنا ومساهماتنا فعلينا جميعا واجب المحافظة على نظافة وجمال هذه المواقع، والحرص على إعادة المكان بعد مغادرته كما كان عليه قبل الزيارة نظافة وجمالا، وأن نهيئه لاستضافة آخرين، أؤكد على ذلك بعد مشاهداتي المتكررة للأكياس المتناثرة ومخلفات الأكل والأوعية البلاستيكية وغيرها مما يتركها من يغادر المكان على حالها دون مبالاة أو حرص على نظافة المكان .
• أهمية إعداد البرامج وتوظيف الوسائل والأدوات والقنوات الاعلامية لرفع مستوى الوعي والإدراك كنتيجة للانفتاح على الثقافات والتجارب والتعرف على موروثات وتاريخ الآخر المتولدة عن الحركة السياحية، وتعلي كذلك من قيم التفاهم والحوار والفهم والتأثر الإيجابي بالتطور الذي تشهده دول ومجتمعات أخرى، وتسهم في بناء جسور العلاقات والتعاون بين الأمم والمجتمعات .
يتطلب هذا القطاع الكثير من الدراسات والجهد والمشاريع والخدمات ليتمكن من تبوؤ مكانته ضمن القطاعات الاقتصادية ويسهم في مصادر الدخل الأخرى في وقت تشهد فيه أسعار النفط تراجعا مستمرا، فهل سيحد هذا القطاع الحيوي اهتماما حقيقيا وانجازات ملموسة تحقق الأهداف المرجوة، والانتقال به من مرحلة الشعارات والدراسات والاستراتيجيات والبرامج والوعود إلى العمل الحقيقي والمشاريع المنفذة، أم ستبقى نسبة مساهمته في الدخل القومي على ما هي عليه متواضعة وخجولة ؟ هذا ما ستفصح عنه الأيام القادمة وهو مما يشكل اختبارا حقيقا للبرنامج الوطني ”تنفيذ”.

[email protected]