” تحتاج التربية الذاتية إلى قوة الإرادة فهي مهمة صعبة وتتطلب عوامل حتى تنضج تلك الذات وتصبح في مستوى عالٍ من التربية والرقي بل هي من أصعب المهام رغم تعلقها بالذات, فهي منه وإليه. يترقبها وهي تنمو, يلحظها في حال تغيرها, يسعى لإصلاح مسارها عند بدء انحرافه إنها تحتاج إلى صبر وتأن ومثابرة، فالاستعجال ليس من الحكمة في شىءٍ،”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منذ القدم والتطور هو الشغل الشاغل لتفكير البشر في كافة مناحي الحياة اليومية, وأهميته لا تقل أهمية عن آلية الارتقاء الداخلي أو الذاتي كما يسميه البعض، فأول مسؤوليات الفرد هي مسؤوليته عن نفسه، والأحرى به أن يعنى بتربيتها وإصلاحها، لذا كان لابد من الحديث عن التربية الذاتية التي كلما تطرقت لها يتبادر إلى الأذهان معنى يختلف عن الآخر باختلاف الإتجاهات والقيم والمبادئ, وعند ذكر كلمة تربية يمر امام شريط الأذهان دوماً تربية الآباء للأبناء, وإن لم يكن كذلك فبالمقام الأول، وأما كلمة ذات فقد أسهب فيها العلماء, ولا سيما علماء النفس وكل تعريف يختلف عن الآخر وإن لم يكن كلياً فببعض أجزائه.
أجمع علماء النفس والسلوك الاجتماعي على أن الفرد يبدأ في التطور منذ الولادة، حيث أنّ الأسرة تقوم بتربيته وتعليمه، والمدرسة أيضاً إلى مرحلة عمرية ما, وبعدها يأتي التطور الذاتي وهو التطوّر الحقيقي, إن إصلاح النفس وتربية الذات التربية المثالية, مصدر أساسي للتفوق والنجاح. حيث اكتساب السلوكيات الإيجابية بالنفس وتعزيزها مع مرور الوقت رغبة بالتميّز والإنفراد، فتطوير الأفكار والقدرات والمهارات من أهم سبل تحقيق الأهداف القريبة والبعيدة المدى وكل فرد مسؤول عن نفسه مسؤولية فردية ذاتية ولا يمكن أن يستفيد مما يقدَّم له من خير ما لم يكن منه مبادرة ذاتية.
إن اكتشاف الشخص لقصوره من أوائل خطوات تربية النفس, فمعرفته لقصوره تدعو إلى تربيته لنفسه، ومن توفيق الله للعبد سعيَه للتغير والتطوير كما قال تعالى: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
أولى خطوات تربية النفس تبدأ بالإستعداد والتهيؤ لذلك من جميع الجوانب سواء كانت تربوية أو نفسية او إجتماعية أو غير ذلك, واجتناب مفسدات القلوب من كثرة الكلام والطعام والنوم ومخالطة البشر في جميع الأوقات وتضييع الوقت مع الملهيات وإنما تخصيص وقت للنفس ومحاسبتها وإعطاء فرصة للعقل للتفكير والتدبر في العلوم, ومن وسائل تربية النفس قراءة الكتب النافعة والمثرية للعقل, التفاعل مع البرامج التربوية كالدروس والمحاضرات, والعمل دائماً على اكتساب مهارات جديدة ومفيدة، واختيار الصحبة الصالحة والأصدقاء ممن يميلون لطلب العلم، ويقضون أوقاتهم في التحصيل.
إذا شاء الفرد الارتقاء درجة في سلم الكمال عليه أن يخلع عن نفسه آراء وأخلاقاً وعادات كانت مألوفة له معتاداً بها، لأنَّه كلما انخلع عنه صورة ناقصة تلبس بما هو أعلى منزلة وأجود من الأولى.
وقد أكد أفلاطون أنّ إدارة الشّخص وتربيته لنفسه لها وقعها في النّفس أكثر بكثير من تربية الآخرين له، وأيّد عملية إكساب النفس سلوكيّات جديدة فكل شخص أعلم بنفسه، وأعلم بجوانب الضعف والقصور فيها، لذا فهو الأقدر على التعامل مع نفسه، والأقدر من غيره على علاج جوانب القصور فيها.
تحتاج التربية الذاتية إلى قوة الإرادة فهي مهمة صعبة وتتطلب عوامل حتى تنضج تلك الذات وتصبح في مستوى عالٍ من التربية والرقي بل هي من أصعب المهام رغم تعلقها بالذات, فهي منه وإليه. يترقبها وهي تنمو, يلحظها في حال تغيرها, يسعى لإصلاح مسارها عند بدء انحرافه إنها تحتاج إلى صبر وتأن ومثابرة، فالإستعجال ليس من الحكمة في شىءٍ، وليس موافقًا لقانون الحياة فكل شىءٍ في الكون يمر بالقانون الكوني للمادة والأشياء إنها مهمة مستمرة دائمة لا تتوقف عند حد ولا ترتبط بعمر محدد.
إن التربية الذاتية جزء من حياة الفرد وإهماله لها قد ينتج عنه مجتمعات متقهقرة, فأي تطوير للذات هو ارتقاء المحيط والمجتمع, لذا وجب على كل فرد الإعتناء بتربية وتطوير الذات للسمو به ويصبح الجميع عنصراً فعالاً في أسرهم ومجتمعاتهم
وعالمهم. فلا يمكن أن يستقيم وضع الأسر والمجتمعات ما لم يكن تطوير الفرد لذاته فعال ومستمر .

سهيله غلوم حسين
كاتبة كويتية
[email protected] انستغرام suhaila.g.h تويتر suhailagh1