[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
يبدو أن الهستيريا الغربية الناتجة عن الضربة الموجعة التي وجهها الجيش العربي السوري وحلفاؤه لمخطط تقسيم سوريا انطلاقًا من مدينة حلب، في طريقها إلى الخفوت والهدوء قليلًا بعد أن أوكلت مهمة المباشرة حيال ذلك إلى فرنسا ـ في إطار تبادلية الأدوار ـ ونجاح باريس في تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي الذي تبناه أمس بالإجماع.
اللافت أن القرار الأممي الجديد الذي أخذ رقم (2328) اتخذ العنوان العريض وهو "توفير الحماية لعملية إجلاء المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية"، وهو عنوان إنساني له وقعه في النفس لتعلقه بقضايا حقوق الإنسان، وهو العنوان ذاته الذي بُني عليه مخطط تدمير سوريا وتفتيتها؛ فمنذ أول طلقة مزدوجة أطلقتها يد الغدر والتآمر على صدر الشعب السوري والجيش السوري كانت أسطوانة التآمر والعدوان والغدر تدور حول الوضع الإنساني، متدثرة بهذا الثوب الفضفاض لتخفي المخطط التآمري الخبيث، حيث مع كل مرحلة من مراحل المخطط كانت عبارات "مساعدة الشعب السوري" و"حماية المدنيين" و"حماية حقوق الإنسان السوري" أيقونة ثابتة، لِتُتَرْجَمَ تلك العبارات على أرض الواقع ترجمة بعيدة كل البُعد عن جوهرها ومظهرها؛ بدليل توجيه تنظيم القاعدة الإرهابي ومشتقاته إلى سوريا مع طلقة الغدر والتآمر الأولى، والمجاهرة الوقحة تارة بدعم هذا الإرهاب بالأسلحة النوعية بما فيها الأسلحة الكاسرة للتفوق الجوي، وتارة أخرى بدخول الأطراف الأصيلة والوكيلة على خط الدعم المباشر للإرهاب العابر للحدود الموجه إلى نحر الشعب السوري، حيث كانت الهجمات الإرهابية التي شنها الطيران الحربي الصهيوني على دمشق وريفها، وعلى الجولان والقلمون، وغيرها، وكذلك الطيران الأميركي على دير الزور مستهدفًا الجيش العربي السوري في جبل الثردة، والمدنيين في منبج والحسكة والرقة، وأيضًا الطيران الحربي الداعم والشريك في بروباجاندا محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، بالإضافة إلى جرائم تمكين الإرهابيين من استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين وعناصر الجيش العربي السوري، وارتكاب المجازر بحق المدنيين. وهذه الجرائم كلها ليست تعبيرًا عن مدى الحقد والكراهية التي تتملك معشر المتآمرين على (سوريا شعبًا وجيشًا وقيادةً) فحسب، وإنما تعبير عن الهستيريا والجنون جراء الانكسارات والانهيارات والهزائم المتوالية للتنظيمات الإرهابية. كما لم يكن رفض الأميركي فصل ما يسميها "المعارضة المعتدلة" عن ما يسمى "تنظيم جبهة النصرة" للبرهنة على بدعته هذه "المعارضة المعتدلة" إلا دليلًا إضافيًّا، وسعيه كذلك مع أتباعه إلى تعويم إرهاب هذا التنظيم بالإيعاز إليه بتغيير لون جلده من "جبهة النصرة" إلى "جبهة فتح الشام".
عند مراجعة كل مواقف الولايات المتحدة ومعسكرها تجاه سوريا وشعبها وجيشها وقيادتها يتبين أنها مواقف عدوانية؛ لأن واشنطن لو كانت صادقة ومن يشاركها في نياتها وفيما تعلنه من تصريحات ومواقف لكانت دللت عليه بالسياسة وليس بالإرهاب، ولما قفزت على الحل السياسي إلى الوسائل الخشنة المتمثلة في استيلاد تنظيمات إرهابية من رحم تنظيم القاعدة الإرهابي، ودعمها والدفاع عنها وتشريع إرهابها وجرائمها؛ فكل أفعال ومواقف الولايات المتحدة ومعسكرها لا تشير من قريب أو بعيد إلى أن هدفها مساعدة الشعب السوري وحماية حقوقه والوقوف إلى جانبه حتى تلبية تطلعاته؛ فمن يسعى إلى احتلال محافظات ومدن سورية ليفصلها عن وطنها الأم، وينفذ حملات تطهير عرقي بالإبادة أو بالتهجير القسري لا يمكنه أن يقنع عاقلًا بأنه بفعله هذا يهدف إلى مساعدة الشعب السوري.
وبالعودة إلى القرار الأممي (2328) نجد أنه لا يضفي مصداقية على جملة ما صدر من مواقف وتصريحات غربية، وجوهره لا يهدف إلى تحقيق ما وضعه من عناوين إنسانية براقة، ويمكن استنتاج حقيقة ذلك عبر ما يلي:
أولًا: المُنتِجون والمُشغِّلون للتنظيمات الإرهابية في سوريا والمقدمون لمشروع القرار إلى مجلس الأمن هم ذاتهم الذين يلوثون الفضاء الدولي بنفاقهم المفضوح حول خشيتهم على الوضع الإنساني للمدنيين، وهم شركاء بل أطراف أساسية ولاعبة في مفاقمة وضع المدنيين السوريين في الأحياء الشرقية من مدينة حلب، وهم من أوعزوا إلى تنظيماتهم الإرهابية باتخاذ المدنيين دروعًا بشرية، وبالتالي لو كانت لديهم أدنى مصداقية لأوعزوا إلى تنظيماتهم الإرهابية بمغادرة الأحياء الشرقية وترك المدنيين وشأنهم لتتمكن الدولة السورية من إيصال المساعدات إليهم، أو لطلبوا من تنظيماتهم عدم منع أو استهداف المدنيين الساعين إلى الفرار من جحيم إرهاب تلك التنظيمات.
ثانيًا: الأنباء الواردة من سوريا عن أن هناك عملاء استخبارات وضباطًا عسكريين هم يخططون ويقودون حملات الإرهاب ضد الدولة السورية والجيش العربي السوري، أكدت حكوماتهم وجودهم في الأحياء الشرقية من مدينة حلب، وبالتالي هؤلاء أصبحوا ورقة بيد الدولة السورية، فمصيرهم إما تصفيتهم مع عناصر التنظيمات الإرهابية أو الاعتقال الذي يعني اعترافات تفضح المتاجرين بحقوق الشعب السوريين والمدَّعين أنهم حريصون على حياة المدنيين في شرق حلب؛ لذا كان لا بد من عمل المستحيل وافتعال حرب إعلامية وتنفيذ حملات تضليل وتشويه وتشويش وتحريض ضد الحكومة السورية والجيش العربي السوري وحلفاء سوريا، لتجنب المصير المحتوم لهؤلاء العملاء والضباط بالتصفية أو الاعتقال والفضيحة، وليس ثمة مدخل مناسب لتدارك ذلك إلا توظيف الجانب الإنساني بادعاء توفير الحماية للمدنيين عند إجلائهم، وإيصال المساعدات الإنسانية إليهم، وعبر مجلس الأمن الدولي، ما يعني أن دور المراقبين سيتمحور حول تأمين خروج عملاء الاستخبارات والضباط.
ثالثًا: تفاصيل تشكيل فريق مراقبين دوليين وزمنه لا تزال مؤجلة، ما قد يؤثر على الوضع الميداني الحالي ومشاهدة تحول ما يقلب ما استتب للدولة السورية في مدينة حلب، فضلًا عن أن هوية المراقبين غير معروفة، والتأخير في عملية تشكيل المراقبين يشي بإعطاء الفرصة الكافية للحراك وراء الكواليس لمعشر المتآمرين لمحاولة ضم جواسيس في صفوف هؤلاء المراقبين أو على الأقل غير محايدين فيقدمون معلومات مغلوطة ومشوهة تعمدًا لتضمينها في التقرير الذي يفترض أن يقدمه الأمين العام للأمم المتحدة لمجلس الأمن حول مهمة المراقبين وسير عملية الإجلاء وإيصال المساعدات الإنسانية؛ أي احتمال إعادة استنساخ مهمة المراقبين العرب ثم المراقبين الدوليين في السابق.
صحيح أن التصويت الروسي على القرار لأجل إخراس المحرضين والمشوهين والدجالين، ووضعهم في حقيقة المشهد السوري بصورة مباشرة، مع اشتراط التنسيق مع الحكومة السورية، إلا أن المتآمر غدار والإرهابي لا أمان من ورائه.