يتغلغل التنين الصيني بهدوء في القارة السمراء عبر تبادل تجاري تجاوز حاجز الـ 200 مليار دولار العام الماضي ووعد بمضاعفته الى 400 مليار دولار بحلول العام 2020 في مقابل تطلع أميركي الى قارة آسيا وتحديدا في الحديقة الخلفية للعملاق الصيني سعيا لإحاطته باتفاق تجاري مع جيرانه فشل الرئيس الأميركي باراك اوباما في إبرامه خلال جولته الآسيوية الأخيرة.
فمن اثيوبيا التي بدأ منها رئيس الحكومة الصيني لي كي تشيانج جولة في القارة السمراء خلال خطاب في مقر الاتحاد الإفريقي الذي بنته بكين في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا، قال تشيانج ان إفريقيا "واحدة من المناطق الأسرع نموا في العالم، وهي بقعة ساطعة في الاقتصاد العالمي المتعثر تحت تأثير الازمات المالية العالمية".
واشار إلى أن بلاده تسعى لزيادة استثماراتها المباشرة في القارة الى مئة مليار دولار بحلول نهاية العقد الحالي، ووصف إفريقيا بـ"السوق الناشئة المهمة على الصعيد العالمي".
وزار لي اضافة الى اثيوبيا كلا من نيجيريا وانجولا وكينيا ضمن جولته الإفريقية التي تستمر أسبوعا كاملا.
وردا على الانتقادات التي تتهم الصين باستغلال إفريقيا، اكد لي ان بكين تريد علاقة "متساوية" مع هذه القارة. واضاف انه "على العالم ان ينتبه الى ما لدى إفريقيا لتقوله، ويجب ان تحترم الاطراف كافة دور إفريقيا".
وشكلت الموارد الطبيعية الإفريقية، ومن بينها النفط، وقودا للنمو الاقتصادي الصيني.
وتأمل الصين من هذه الجولة الإفريقية التعاون في مجالات الطرق والسكك الحديدية والموانيء والطيران والكهرباء والاتصال اضافة الى نقل الصناعات الصينية ذات العمالة الكثيفة مثل الصناعات التحويلية الى إفريقيا.
وكانت التجارة الصينية ـ الإفريقية قد توسعت لتصل الى 210.3 مليار دولار في 2013، وهي قفزة ملحوظة بالمقارنة بـ250 مليونا فقط في 1965، وتعد الصين اكبر شريك تجاري لإفريقيا لخمس سنوات على التوالي. وبلغ حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في إفريقيا 25 مليار دولار حتى نهاية 2013، وتقوم اكثر من 2500 شركة صينية بأعمال في إفريقيا تغطي مجالات المالية والاتصالات والطاقة والصناعة والزراعة.
كذلك باتت إفريقيا ثاني اكبر سوق للتعاقدات الخارجية للصين. وبحلول نهاية 2013، وصل اجمالي حجم المشروعات التي فازت الشركات الصينة بعقودها في إفريقيا، لما يقرب من 400 مليار دولار، وشيد الصينيون فى إفريقيا أكثر من 2200 كم من السكك الحديدية و3500 كم من الطرق. ومن خلال ذلك التعاون أحضرت الشركات الصينية رأس المال والتكنولوجيا لإفريقيا.. ودائما ما تؤكد الصين أن علاقتها مع القارة السمراء لا تسلك طريقا استعماريا.
وفي مقابل هذا التغلغل الصيني في القارة السمراء تسعى الولايات المتحدة الى تطبيق تغلغل مماثل ولكن في الحديقة الخلفية للتنين الصيني وذلك من خلال اتفاق الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي.
فقد عاد أوباما من جولته الآسيوية التي شملت اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وماليزيا بخفي حنين فيما يخص اتفاقية التجارة والشراكة عبر المحيط الهادئ.
فالولايات المتحدة تسعى الى التشارك التجاري مع 11 دولة أخرى هي: أستراليا وبروناي وكندا وتشيلي واليابان، وماليزيا والمكسيك، ونيوزيلندا، وبيرو، وسنغافورة، وفييتنام، وكل هؤلاء يشكلون 40% من التجارة الأميركية.
وستربط اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي هذه الاقتصادات بإزالة الحواجز التجارية ومواءمة اللوائح، في إطار الاتفاقية التي تغطي خمسي الاقتصاد العالمي وثلث التجارة العالمية.
فقد انتهت زيارة اوباما لليابان باستبعاد المسؤولين التوصل لاتفاق تجاري مع واشنطن في الأمد القريب.
وقال مسؤول ياباني كبير إن اليابان والولايات المتحدة وجدتا "أرضية مشتركة" لابرام اتفاقية تجارية ولكن ربما لا تستطيعان حل النقاط العالقة المتبقية في وقت مناسب قبل اجتماع كبار المفاوضين الساعين للتوصل لاتفاقية اقليمية واسعة.
وقال المسؤول الياباني الكبير "ما أسفرت عنه زيارة أوباما بعد مفاوضات كثيرة مطولة أرضية مشتركة يعتقد الجانبان أن بامكاننا استناداً إليها مواصلة العمل لايجاد حل مقبول للطرفين".
و أضاف إنه "غير متفائل" بتمكن واشنطن وطوكيو من تسوية القضايا المتبقية "خلال شهر أو شهرين".
وفي ماليزيا كما في اليابان قال رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق، إنه والرئيس أوباما اتفقا على رفع مستوى العلاقات بين البلدين، لكنه لمح إلى أن بلاده ليست مستعدة بعد لتوقيع اتفاق تجاري تقوده واشنطن بسبب "حسآسيات" داخلية.
ولم تحقق زيارة أوباما لكوريا الجنوبية نتائج مختلفة حيث انتهت على اتفاق لاوباما مع نظيرته الكورية باك جون هاي، على أن يعملا عن كثب للتوصل إلى الاتفاق تجاري
ومن المقرر أن يلتقي المفاوضون في فيتنام منتصف الشهر الجاري يعقبه مباشرة تجمع لوزراء تجارة آسيا والمحيط الهادي في الصين ومن المرجح أن يلتقي أوباما ورئيس وزراء اليابان شينزو آبي في المرة القادمة خلال اجتماع قمة لآسيا والمحيط الهادي في الصين في نوفمبر.
وعلى الرغم من الاستثمار التجاري العملاق بين الصين وأميركا الا أن الجولتين المتزامنتين للرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الصيني توحيان بأن المنافسة بين أكبر اقتصادين في العالم تحتدم حيث تتخذ الصين من استثماراتها المتنامية بإفريقيا طريقا للتربع على عرش الاقتصاد العالمي وفتح المزيد من الاسواق لمنتجاتها بالاضافة الى تيسير الحصول على المواد الخام.
وفي المقابل تسعى أميركا الى تطويق النفوذ الصيني المتصاعد عبر احاطة الصين بحزام من الاتفاقات التجارية مع جيرانها.