ارتكزت الفلسفة السياسية التي تجسدت في أداء حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على أسس ومفاهيم اتخذت عناوين واضحة لا لبس فيها، والتي كان هو نفسه أفضل من يشخصها ويسن قوانينها ويضع أطرها لتكون نبراسًا لكل من ينشد السلام النفسي والاجتماعي في وقت واحد، وهي ثنائية تبدو عزيزة على الكثيرين ممن ينشدونها دون أن تكون لديهم آلية الوصول والوعي بدخائل التجربة ومكابدتها على المستوى الشخصي للحاكم.
هذه الفلسفة تتبدى اليوم في أروع صورها وأنقى تجلياتها ـ رغم أنها لم تبح بعد بكامل أسرار عبقريتها وأسباب تفرد تجربتها الإنسانية ـ مُوالِيةً تقديم أعظم الدروس في عبقرية القيادة وبناء الدول العصرية، لتضرب موعدًا جديدًا مع التاريخ والإنسانية والحضارة وفي حياة الشعوب.
ولعل غيضًا من فيض تجليات أسرار العبقرية، أن الدولة العصرية التي شيدها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ أيده الله ـ ورسخ أركانها وقواعدها، إنما ترتكز على حشد كل طاقات الوطن التي تشمل الإنسان والموارد، وترسيخ أواصر الوحدة الوطنية بكل ما تعنيه من قوة وتماسك وتعاضد وترابط بين أبناء هذه الأرض الطيبة، وتحقيق الشعور العميق بالأمن والأمان في كل ربوع الوطن، والتمتع بالمساواة والعدالة الاجتماعية، لذلك انطلق الإنسان العماني إلى عمليات الإسهام في التنمية والبناء بكل طاقاته وقدراته مطمئنًّا على حاضره ومستقبل أبنائه.
ولم تقتصر هذه الصور المشرقة للسياسة العمانية البناءة والواضحة على الداخل فحسب، بل تعدتها إلى الخارج بالوتيرة نفسها، حيث ارتكزت على النهج الحكيم القائم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وجعل أسلوب الحوار والتفاهم خيارًا في حل قضايا العالم، والحرص على بناء جسور متينة من العلاقات مع دول العالم وفق هذا النهج وتبادل المصالح المشتركة، ونصرة القضايا العادلة للشعوب، والتمسك بمفاهيم التسامح والتفاهم وتعزيز آلية الحوار السلمي، ما أعطاها المكانة التي تستحقها وجعلها تحظى بالاحترام والتقدير، فقد كانت إسهامات جلالته ـ أعزه الله ـ واضحة للجميع، سواء كانت في المجالات الثقافية والأكاديمية؛ فكراسي جلالة السلطان خير مثال، أو في مجال البيئة فجائزة السلطان قابوس لصون البيئة أكبر دليل، أو في جهود الأمن والسلم الدوليين فإجماع ثلاث وثلاثين جامعة ومركز أبحاث ومنظمة أميركية على منح جلالة السلطان المعظم جـائزة السلام الدولية، وكذلك جائزة السلام من الجمعية الدولية الروسية أبرز تكريم، وذلك تثمينًا وتقديرًا لدور جلالته في مجال خدمة الأمن والسلم، وفعل الخير على المستوى الدولي، فضلًا عن المنح والإسهامات الداعمة وجهود التقريب بين وجهات النظر بين الأفرقاء، كما هو حال الملف النووي الإيراني وملف الأزمة الليبية والسورية واليمنية، والتوجيهات السامية بتسيير المساعدات الإنسانية لضحايا الحروب والكوارث الطبيعية، وطبعًا كل ذلك مثالًا وليس حصرًا.
ويأتي منح حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ جائزة الإنسان العربي الدولية لعام 2016 من المركز العربي ـ الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدَّولي، الذي يتَّخذ من العاصمة النرويجية (أوسلو) مقرًّا له، والتي تسلمها نيابة عن جلالته صاحب السمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد، تقديرًا لجهود جلالته العظيمة، وإسهاماته النبيلة في مجال حماية ودعم وتعزيز حقوق الإنسان محليًّا وعربيًّا ودوليًّا، ولتضيف رصيدًا جديدًا إلى أرصدة جلالته ـ أبقاه الله ـ من الجوائز وشهادات التقدير؛ فمثل هذه الجوائز ليست بغريبة على شخص جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي كرس جهوده المخلصة لبناء دولة عصرية، وتوفير سبل العيش الكريم لأبناء شعبه الذين أكد أن مصلحتهم فوق كل اعتبار، وجعل أسلوب الحكمة والحوار خيارًا ثابتًا، والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين ونصرة القضايا العادلة سبيلًا واضحًا.
إن منح جلالته ـ أيده الله ـ هذه الجائزة يمثل لحظة تاريخية مستحقة لرجل أحق بها، وليؤكد كيف أن الزعماء التاريخيين يحجزون عروشهم الوثيرة في صفحات كتاب العظمة الإنسانية، ولتثبت التجربة العمانية أن الساعين إلى الاستقرار والباحثين عن السلام الدائم والعادل والشامل يجب أن يتحلوا بقيم التسامح والتفاهم والحوار في إقامة العلاقات بين الدول.