[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
تظل تجربة انتخابات المجالس البلدية ـ مع حداثتها ـ تجربة وليدة يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة تتكامل فيها الصورة الحقيقية لدولة المؤسسات من خلال الشراكة الفاعلة في قيادة معزوفة بناء الوطن، بعيدًا عن تلك الصورة النمطية الشاذة المتسمة بالفردية وتداخل الصلاحيات، لدرجة يصل فيها الأمر إلى حد التنازع بين المؤسسات المعنية، وهو الأمر الذي لايزال أحد أشكال البيروقراطية التي تتسم بالبطء في التنفيذ، ما يؤدي إلى عرقلة السير الطبيعي لشؤون المواطنين، ومن العقبات التي تعترض تطبيق المشاريع.
ومن بين أبرز صور حداثة التجربة العمانية في انتخابات المجالس البلدية، توزع مسؤولية الإشراف على هذه المجالس على أكثر من جهة، وهو ما أثار امتعاض الأعضاء المنتخبين في الفترة الأولى لهذه المجالس، فضلًا عن تحول هذه المجالس إلى ما يشبه البطالة وخاصة في السنوات الأولى على بداية انطلاق التجربة، فكانت مجرد واجهة لغياب الصلاحيات، وعدم وضوح المسؤوليات، وتباين الرؤى والمواقف والقرارات لدى الجهات المتعددة المسؤولة عن عمل هذه المجالس.
ومن واقع عمل المجالس البلدية في بعض الدول المتقدمة نجد أنها تتمتع بصلاحيات لا بأس بها تخولها المشاركة في رسم خطط التنمية، والتدخل في قضايا مهمة كالتعليم والصحة والشأن الاجتماعي والاقتصادي والأمني، لذلك الاستفادة من الخبرة المتراكمة لهذه المجالس البلدية ونقل تجاربها ـ بعد اختيار الأصلح وما يناسب طبيعة مجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا وعقيدتنا ـ من شأنها أن تثري هذه التجربة الوليدة، شريطة عدم القفز على التدرج المطلوب في تقديم جرعات الصلاحية، وتوسيع دائرة المسؤوليات، لاسيما وأن نتائج الانتخابات للفترة الثانية التي أعلنت يوم أمس الأول بصورة رسمية ونهائية، تظهر عدم سيطرة العنصر الشبابي، وهذا بالتأكيد راجع إلى طبيعة عمل هذه المجالس ومحدودية الصلاحيات والمسؤوليات والمهام المناطة، وفي المقابل يعني قلة أو ندرة المؤهلات العلمية لدى من حالفهم الحظ في الفوز، وبالتالي يمكن مشاهدة الحالة الطردية مع توسيع الصلاحيات والمسؤوليات، بحيث يمكن ملاحظة تنامي العنصر الشبابي مع كل جرعة صلاحية تقدمها الحكومة لصالح المجالس البلدية.
على أن هذا لا يقلل من قيمة ودور المجالس البلدية المنتخبة في فترتها الثانية، بل على العكس من ذلك، فهناك مجالات عمل واسعة وقضايا متعددة تشغل اهتمام المواطنين وأبناء الولاية بصورة خاصة وأبناء المحافظة بصورة عامة، تضع المجلس البلدي أمام مسؤولياته تجاهها، والتعدد هذا من شأنه أن يثري خصوبة التفكير نحو اجتراح الحلول والابتكارات التي يمكن أن يرفد المجلس بها دور الحكومة. لذلك يجب أن تتجه إرادة الحكومة حيال هذه المجالس البلدية بإعطائها الثقة المطلوبة، وتقديم الدعم المادي والصلاحية المتناسبة مع هذه المرحلة والفترة، ورفع المستوى التمثيلي لأعضائها إلى مستوى أعضاء مجلس الشورى باعتبارهم يلعبون دورًا تكامليًّا أو على الأقل مساواتهم من حيث المكافأة.
لا أحد اليوم ـ تتوقَّد لديه جذوة الوطنية والانتماء ـ يترفع عن خدمة وطنه ومجتمعه، بل يتوق إلى أن يعبِّر عن مشاعره تجاه وطنه ومجتمعه بجهود ملموسة وترجمتها على أرض الواقع، والأعضاء المنتخبون ـ الذين قبلوا تحمل أمانة مسؤولية تمثيل ناخبيهم في المجالس البلدية ـ أمامهم قضايا تمثل حلحلتها طموح هؤلاء الناخبين، لاسيما وأن تحضُّر الولاية والمحافظة وتقدُّمهما وتطوُّرهما يعد من أولويات الطموحات التي يدغدغ تحققها أبناءهما الناخبين، مع عدم اغفال القضايا الاجتماعية والمعيشية لكثير من الشباب والأسر المعوزة، التي تحتاج إلى جلسات عصف ذهني لابتكار الحلول لها. فهناك ولايات ومحافظات بحاجة إلى التطوير وإضفاء لمسات جمالية عليها، سواء من حيث توسيع الطرق ورصفها، أو من حيث شبكات المياه والكهرباء والهاتف والإنترنت والصرف الصحي، والمواقع السياحية والتراثية والتاريخية، أو من حيث المشاريع الريعية التي يمكن أن توظف عائداتها لصالح تطوير الولاية أو المحافظة، ولإعانة الأسر المعوزة أو الأيتام أو الإنفاق على قضايا التعليم والصحة والزواج وغير ذلك. وفي هذا الصدد يمكن إنشاء صناديق بحيث يفرض كل مجلس بلدي ضريبة معينة على التجار والشركات والمؤسسات، ونسبة معينة على كل صندوق خيري خاص بكل ولاية، وكذلك عائدات الوقف، وتصرف عائدات هذه الصناديق لمشاريع المصلحة العامة، وللأسر المحتاجة بعد دراسة حالتها والتأكد من أحقيتها للإعانة. وفيما يخص قضايا الشباب والإسكان من ذوي الدخل المحدود، يمكن للمجلس البلدي أن ينسق مع وزارة الإسكان والجهات الأخرى المعنية باستحداث مخططات أو إعادة تخطيط مخططات قائمة وايصال خدمات البنية الأساسية إليها، ومنح هذه الأراضي للمستحقين فعلًا، كما يمكن أن تقع على عاتق المجالس البلدية محاربة نظام الإقطاعيات والحيازات غير القانونية والذي حرم السواد الأعظم من الشباب والأسر من الحصول على حق من حقوقهم الطبيعية، وغير ذلك من القضايا ذات الأولوية.

[email protected]