”انتصرت الإرادة الدولية للحق الفلسطيني، في خطوة إيجابية على الطريق الطويل من أجل نيل الفلسطينيين وفوزهم بحقهم فوق تراب وطنهم التاريخي، فجاء القرار مُزكَّى أمميًّا، ومُتملصًا من ضغوط واشنطن، بعد أن نال تأييدًا دوليًّا مهمًّا من خلال تصويت (14) دولة مع القرار، وامتناع الولايات المتحدة الأميركية.. ”

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]

انتصرت الإرادة الدولية هذه المرة على مسعى الولايات المتحدة لتعطيل عرض القرار الخاص بوقف الاستيطان "الإسرائيلي" الجائر على التصويت في مجلس الأمن الدولي. وانتصرت معها إرادات الدول التي رفضت هذا المرة القبول بمنطق الضغوط والابتزاز السياسي الذي طالما مارسته واشنطن في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، تجاه العديد من القضايا والأزمات الدولية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
انتصرت الإرادة الدولية للحق الفلسطيني، في خطوة إيجابية على الطريق الطويل من أجل نيل الفلسطينيين وفوزهم بحقهم فوق تراب وطنهم التاريخي، فجاء القرار مُزكَّى أمميًّا، ومُتملصًا من ضغوط واشنطن، بعد أن نال تأييدًا دوليًّا مهمًّا من خلال تصويت (14) دولة مع القرار، وامتناع الولايات المتحدة الأميركية، وبعد أن أجّلت مصر تقديمه للتصويت عليه قبيل سويعات من البت فيه بعد الضغط والإلحاح الأميركي، حيث قَبِلَت مصر بوقف طرح مشروع القرار على مجلس الأمن تحت عنوان "أهمية إتاحة الفرصة للإدارة الأميركية الجديدة للتعامل بشكلٍ مُتكامل مع ملف القضية الفلسطينية"، وبعد أن تواصلت "إسرائيل" مع الفريق الانتقالي للرئيس الجديد دونالد ترامب لكي يتدخل في الموضوع. وبالفعل أعلن دونالد ترامب عن اعتراضه على القرار، وقال في البيان الذي أصدره في هذا الشأن "إن السلام بين إسرائيل والفلسطينيين سيتحقق فقط عبر المفاوضات المباشرة بين الطرفين، وليس عن طريق فرض شروط من جانب الأمم المتحدة". وأن مثل هذا القرار "سيضع إسرائيل في موقف تفاوضي ضعيف للغاية، وهو غير عادل بالمرة بالنسبة لكل الإسرائيليين" ...!
لقد تم عرض مشروع القرار على مجلس الأمن للتصويت عليه، بطلب من عدد من الدول غير العربية المناصرة للقضية الفلسطينية (السنغال + نيوزيلندا + فنزويلا + ماليزيا) فنَجَحَ القرار ونال الأصوات الكلية، مع امتناع الولايات المتحدة، فكان انتصار القرار نداءً عالميًّا بوقف الاستيطان والتهويد في فلسطين، وضرورة منح الشعب العربي الفلسطيني حقوقه الوطنية على أرض وطنه التاريخي فلسطين.
إن الأمر الإيجابي والجيد في القرار الأممي الأخير، والداعي لوقف الاستيطان، واعتبار كل المُستعمرات المُقامة فوق الأرض المحتلة عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية غير شرعية على الإطلاق وفق القانون الدولي، أنه يَفّتَح الطريق حال تكاتفت الجهود العربية والإسلامية والدولية الصديقة، أمام إلزام "إسرائيل" بقوة القانون الدولي ومن خلال مجلس الأمن وتحت البند السابع، لوقف الاستيطان ونهب الأرض، والانسحاب من الأراضي التي احتلتها وسيطرت عليها بالضفة المحتلة، فأي قرار غير ملزم يأتي مكسبًا سياسيًّا مهمًّا فقط، حيث تُعد قرارات الشرعية الدولية إحدى الأدوات الدبلوماسية في الصراع مع الاحتلال.
لقد أسقطت مسيرة التسوية المأزومة أصلًا، مرجعية العديد من القرارات الدولية المهمة وذات الشأن، فخضعت تلك العملية السياسية التفاوضية طوال عقدين ونيف من الزمن، لتوازن القوى وانحياز الموقف الأميركي وتبني واشنطن لسياسات الاحتلال أو التغطية عليها في أحسن الأحوال، فجرى الانتقال من الشرعية الدولية إلى ما يُمكن تسميته بـ"الشرعية التفاوضية"، في ظل غياب العدل والإنصاف، وغياب الأمم المتحدة عن الرعاية السياسية وترك العملية تحت الرعاية الأحادية المُنحازة، وهو ما دفع "إسرائيل" للاستمرار في التنصل من التزاماتها والإفلات من العقاب. فـ"إسرائيل" تعمل دومًا على التفلت من قرارات وإرادة الشرعية الدولية والمجتمع الدولي منذ قيامها على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني، بوصفها دولة خارج القانون، فممارساتها تجعلها في مصاف الدول الاستعمارية، كما بوصفها دولة تمارس نظام الفصل العنصري عمليًّا بحق الشعب الفلسطيني صاحب الصاحب الأصلي للأرض (الأبارتهايد)، وبوصفها دولة ذات سجل إجرامي. فما قاله ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء لـ"إسرائيل" ومنذ أكثر من نصف قرن، يُلَخص ما ذهبنا، حين قال "إن صراعنا مع الفلسطينيين واضح البساطة، نحن وهم نتنازع على قطعة الأرض ذاتها، والفرق بيننا وبينهم أننا سنكسب إما بالحرب وإما بالسياسة وإما بالخديعة".
وعليه، إن الذي حَدَثَ في مجلس الأمن هو نصر سياسي دون شك، لكن هذا النصر السياسي يجب أن يتواصل للمراكمة عليه باتجاه قرارات نوعية جديدة، وباتجاه انتزاع قراري دولي عادل تحت البند السابع، وحتى لا يكون مصير القرار كسابقه من القرارات السابقة، التي لم تَتعدَّ الشجب والإدانة، ومنها القرارات التالية التي صدرت بشأن الموضوع ذاته، وبصورة خاصة بالقرارات 237 (1967) المؤرخ في 14 حزيران/يونيو 1967، و252 (1968) المؤرخ 21 أيار/مايو 1968، و267 (1969) المؤرخ في 3 تموز/يوليو 1969، و271 (1969) المؤرخ في 15 أيلول/سبتمبر 1969، و298 (1971) المؤرخ في 25 أيلول/سبتمبر 1971، (3) وكذلك بالبيان الإجماعي لرئيس مجلس الأمن المؤرخ في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1976.
لقد سَعَت حكومة نتنياهو مؤخرًا، ومن خلال ما أسمته زورًا وبهتانًا، "شرعنة" وجود المستعمرات، لإضفاء نوع من الشرعية على المستوطنات في الضفة الغربية، وذلك تحسبًا لأي قرارٍ أممي ضد الاستيطان كما تَعتَقِد، فقد صوّت الكنيست "الإسرائيلي" مؤخرًا على اقتراع تمهيدي، لصالح مشروع قانون مُثير للجدل، من شأنه إضفاء "الشرعية" على نحو 4 آلاف منزل استيطاني استعماري، شُيِّد فوق أملاك فلسطينية خاصة في الضفة الغربية المحتلة.
في هذا السياق، إن الموقف السياسي المُعلَن للإدارة الجديدة القادمة، فاقع وصارخ لجهة انحيازه لصالح سياسات "إسرائيل"، فالمقدمات التي بَدَت من خلال إرهاصاتها الأولى تتضح الآن، في إدانة الرئيس القادم للبيت البيض دونالد ترامب لقرار مجلس الأمن الأخير إياه، وفي اختياره للمُتشدد الأميركي اليهودي ديفيد فريدمان لكي يكون سفيرًا لواشنطن في تل أبيب. ومن المعلوم أن فريدمان معروف بتأييده الأعمى لحكومة بنيامين نتنياهو العنصرية المُتطرفة، ودعمه المُطلق لدولة الاحتلال وسياساتها الاستيطانية الاستفزازية غير الشرعية، كما ويعارض أي ضغط من قبل الولايات المتحدة الأميركية على "إسرائيل" لوقف أنشطتها التوسعية، ويؤيد نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، التي يصفها بـ"العاصمة الموحدة والأبدية لدولة إسرائيل".
خلاصة القول، إن القرار الدولي الأخير بإدانة ورفض سياسات التوسع والاستيطان في فلسطين، وإدانة سياسات "إسرائيل" جيد وإيجابي، ولكنه يحتاج لمراكمة الجهود من أجل تطوير الدور الأممي باتجاه إنقاذ الشعب الفلسطيني من براثن الاحتلال بقوة الإرادة الدولية.