عزة الحسينية
طيّارة ورق:

كان يصنع الطائرات الورقية .. يصعد إلى سطح المنزل يلوح بيديه وتُفلت من يديه يصفق ويستمر بالتلويح .. والضحك ..
ذات مرة نسي أن يربط طائرته الورقية بخيط رفيع كما كان يفعل وإلى الآن لم يعد إلى المنزل.

ليلى:

لم أسأل أمي يومًا عن اسمها في طفولتي، عرفته بالصدفة، وحتى ذلك الوقت كنت أناديها في سري كما يناديها أبي يا "حبيبتي" وتنعتها جدتي بصغيرتي، وسمعت بعض جاراتها يطلقن عليها "بنت الكرام" ، وحين كبرت قليلا إخترت أن أناديها جهرًا أمي وسرا بأمي .. وبعد أن مات أبي صار الجميع يناديها "ليلى" إنها المرة الأولى التي أتفق فيها الجميع على اسمٍ واحد ..يتكرر في كل مرة ..منذ ذلك الحين وأنا لا أعرف شيئا عن أمي سوى اسمها .

تفاحة:

كانت هناك تفاحة واحدة
يقطعها أبي لسبع قطع بعددنا جميعًا .

كانت هناك تفاحة واحدة
تقسمها أمي لست قطع حين غاب أبي.

كانت هناك تفاحة واحدة
تقطعها أختي الكبرى لخمس قطع
حين ضلت أمي طريق العودة

كانت هناك تفاحة واحدة
يقطعها أخي لأربع قطع
يقسمها بيننا
وينسى أن يسد جوع الغياب

كانت هناك تفاحة واحدة
يقطعها التوأمان لقطعتين فقط

كانت هناك تفاحة واحدة
حين نسي الجميع
أنني لا أحب هذه الفاكهة .

بواب :

قيل أنه لو لم يكن بوابًا لمدرستنا فإنه كان سيصبح لصًا، لكنه صار بوابًا للمدرسة التي إلتحقت بها، لا أحفظ شكله جيدا كنت أنصرف بالنظر إلى أطرافه، تسقط البراغي كلما مد ذراعيه عاليا ويهرع الأولاد نحوه لالتقاط ما يسقط منه لبيعها لاحقا لراعي شاحنة المعدن، إنها ثقيلة، لقد شاركتهم بجمعها، ولم يأبه للأمر، لكنني أردت أن أدق تلك البراغي في بابنا القديم، وحين أمتلكنا بابًا جيدا لمنزلنا أتانا خبر وفاته، لم أحزن، وقيل أن ظل قبره أخذ شكل المفتاح، ومنذ ذلك الوقت كل الأبواب ممددة على الطرقات إلا باب منزلنا الذي كان ينقصه المفتاح.

ثمة واشٍ بيننا:

لا أدري من نقل وشاية لأمي بأني أصبحت سمكة .. ما إن عدت إلى المنزل وجدتها قد تحولت إلى بحر.. وكان الآخرون اليابسة .

لم تكن هذه الوشاية الأولى تناقلت الجارات وشاية أخرى بعد مضي زمن بأنني صرت طائرًا يملك جانحين هائلين أُحلق بعيدًا ، كانت أمي سعيدة بهذا الخبر إلا أن أبي أصبح غاضبًا جدًا وعندما فردت جناحيّ آخر مرة تحول إلى قفص أفترس به تحليقي قبل أن يبدأ.

وددت مرة لو أنني أصبح زيتًا لقنديل قديم حين تنطفئ الكهرباء كعادتها في بلدتي النائية، لكن الظلمة نقلت وشاية للرشيد بأنني سأفلت من بين أيديهم ما أن أتحول إلى زيت وسيصعب عليهم مطاردتي، وأصبحت البلدة تعرف "بحلة الظلام ".

كانت هناك فرصة وحيدة بأن أتحول إلى هاتف عمومي لأسترق السمع إلى كل الوشايات وأنقلها كما يفعل الجميع .

سلامة:

تقول "ماه سلامة " كان الرجال يسافرون إلى بلادٍ بعيدة، يطلبون الرزق، لم يكن يعود أحد منهم ولكن إن طال غياب أحدهم،يولد جبل جديد على مرمى أبصارنا، كان يصبح شاهقًا كلما طالت مدة غيابه دون أن تبكي زوجته وأمه لفقده، أبي ذهب أيضًا لكسب "غيابه" ولكنه كان متقينا أنه لن يعود لذا أسماني "سلامة " ،لم تنتظره أمي أبدًا ، حتى صرنا فجأة نسكن في أعلى قمةٍ جبلية.