[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
يبدو أن السياسة حيال ملف الأزمة السورية لن تكون قادرة على أن تنفذ من متاريس الأكاذيب الملحقة بها دائمًا، أو أن تتخلص مما علق بها خلال الأيام الماضية من فبركات ووسائل تشويش وتحريض وتشويه، ومن انحطاط أخلاقي مريع، ذلك أن قوى الشر والإرهاب لاتزال تتمترس عند مخططها التآمري الخبيث ضد سوريا وشعبها وجيشها وقيادتها، ولا تريد أن تجري استدارة ولو بسيطة رغم المخاطر الجمة التي بدت تطفو على رقعة شطرنج المنطقة والعالم، والتي تتمثل في الاستنساخ المقصود لظاهرة ما عرف بـ"المجاهدين العرب" في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي السابق، لكنها ظاهرة هذه المرة ستكون أشد بالمقارنة إلى العدد الضخم من الإرهابيين الذين ينضوون تحت مسميات كبيرة ما أنزل بها من سلطان، وجمعها مختلف صنوف الإرهاب والتكفير والسوابق من جرائم القتل والسرقة والمخدرات والاغتصاب وغير ذلك، وما باتت تمتلكه عناصر هذه التنظيمات الإرهابية من خبرات متراكمة في هذا الجانب، وبالتالي من الصعوبة بمكان على الأجهزة الأمنية والاستخبارية في الدول التي ستشهد عودة فلول الإرهاب في منع وصولها أو منع جرائمها الإرهابية والسيطرة عليها.
لذلك لا غرو أن تعلن بيادق ما يسمى بـ"المعارضات" عن تجميد كل المحادثات المتعلقة بمفاوضات السلام المرتقبة مع الحكومة السورية في أستانا عاصمة كازاخستان، متذرعة بأنه رد على ما أسمتها "الخروقات الكبيرة" لوقف إطلاق النار من قبل الحكومة السورية. فالموقف هذا ليس جديدًا من بيادق "المعارضات" لطالما كانت وظيفتها هذه، فهي لا تملك من الأمر شيئًا سوى تلقِّي الأوامر من أسيادها لكونها الديكور الورقي لهم، وتتحرك وفقًا لما يريده هؤلاء الأسياد، وليس وفق ما تريده هذه "المعارضات"؛ لأنها لو كانت تملك ذرة من المصداقية والموضوعية والعقلانية، وذرة من الكرامة والوطنية والحرية لأدركت خطورة وظيفتها ووضاعة قبولها أن تكون ألسنة المتآمرين على بلادها وأداة في أياديهم، وقبولها احتضان الإرهاب القاعدي ومشتقاته وتقديمه أمام الشعب السوري والعالم على أنه "معارضة" و"ثورة"، والدفاع عنه رغم الكوارث والمجازر التي يرتكبها بحق الشعب السوري. فأي عاقل سليم العقل والفطرة يمكنه أن يصف المقابر الجماعية للمدنيين والمجازر المروعة التي ارتكبتها بحقهم التنظيمات الإرهابية في الأحياء الشرقية من مدينة حلب بأنها "ثورة"، ويصف مرتكبيها بأنهم "معارضة"؟ وكذلك الحال حيال جريمتهم بتلويث مياه الشرب وتسميمها في حلب ودمشق.
على أن الموقف الجديد هذا لما يسمى بـ"المعارضات" هو نسخة مكررة لمواقفها التي سبقت محادثات مؤتمرات جنيف، ولم يكن الهدف منها سوى الابتزاز والتعطيل، وكسب الوقت لتذخير ترسانة الإرهاب ضد الشعب السوري والجيش العربي السوري، واشتراط إخراج مجاميع إرهابية تقودها عناصر استخبارات وعسكرية تابعة لدول التآمر والإرهاب، بهدف إنقاذ هذه العناصر وعدم فضح حكوماتها، وكذلك إيصال المساعدات الغذائية والدوائية للتنظيمات الإرهابية التي يحاصرها الجيش العربي السوري، وإيهام الرأي العام السوري والعالمي بأن هذه "المعارضات" حريصة على الشعب السوري بالتمسك بإيصال المساعدات الإنسانية رغم أن هذه المساعدات لم تتوقف الحكومة السورية وحلفاؤها عن إيصالها. والمحاولة الجديدة لتعطيل محادثات أستانا تأتي في ظل معطيات تؤكد أن الهدف منها لا يخرج عن جملة ما سبق من محاولات ومواقف، ومن بين هذه المعطيات:
الأول: إن وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه موسكو وأنقرة ووافقت عليه دمشق، لم تكن واشنطن شريكة فيه، وهو ما أثار حفيظة إدارة الرئيس باراك أوباما وحنقها على استبعادها من صورة الاتفاق تمامًا، وبالتالي من الوارد جدًّا أن تحاول إدارة أوباما أن تقول لموسكو وأنقرة إنها لاتزال حاضرة وفاعلة في السياسة كما في الميدان، وبإمكانها التعطيل والتشويش عبر مجموعة الدمى والبيادق التي ربَّتها "سي آي إيه" لتكون وكيلها في المشهد السوري لجهة اعتبارها أنها "معارضة سورية"، خاصة وأن إدارة أوباما ـ قبل زوالها ـ تحاول أن تلحق أكبر قدر من الأذى والانتقام، سواء تجاه سوريا أو روسيا.
الثاني: إن وقف إطلاق النار من شأنه توفير الوقت والجهد للجيش العربي السوري لمتابعة تقدمه في الميدان وتطهير ما تبقى من المدن والأرياف السورية، سواء في تدمر أو إدلب أو دير الزور أو الرقة، حيث من المحتمل أن يتجه الجيش نحو تدمر أو إدلب، وبالتالي فإنه بتطهير هذه المدن يستكمل الجيش العربي السوري ملحمة انتصاراته والدفاع عن سيادة سوريا واستقلالها وينسف مخطط تقسيمها، وهذا ما يقلق معشر المتآمرين؛ لذا خرق وقف إطلاق النارمن قبل التنظيمات الإرهابية والكذب بأن الخرق حصل من قبل الحكومة السورية يبقى وسيلة مناسبة لتعطيل المحادثات في أستانا، وإفشال اتفاق وقفإطلاق النار لاستمرار عملية التدمير والقتل والتهجير.
الثالث: تشير الأنباء إلى بدء مجاميع إرهابية بالعودة إلى منبعها، وهو ما بدأ يرفع منسوب الخطر لدى دول المنبع، فقد أوضحت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية نقلًا عن مصادرها أن الكوسوفي ـ وهو ألباني اسمه الحقيقي لافدريمموهسكري ـ عاد إلى البلقان من سوريا مع 300-400 من مقاتليه الأكثر ولاء، على خلفية خسائر كبيرة تكبدها تنظيم "داعش".. لذلك ـ في تقديري ـ أن دول المنبع تفضل بقاء إرهابييها في سوريا والمنطقة ليواصلوا القتل والتدمير من ناحية، وليلاقوا مصيرهم المحتوم من ناحية أخرى.
وعليه إذا ما صحت هذه القراءة والاستنتاجات فإن محادثات أستانا تبقى على محك الإرادات والظروف الميدانية والسياسية التي تواكبها، فإما إلى نجاح وإما إلى إفشال جديد لجهود الحل السياسي.