نخطو اليوم صوب عام ميلادي جديد حيث تختلط المشاعر بين التفاؤل والتشاؤم، وبين رؤية آمال تتحقق وأحلام تتبدد، بعد حصيلة العام 2016م الذي ودعناه أمس، والتي كانت استنساخًا أو صورة مكررة لما قبلها، لكونها امتدادًا لـ»الحريق العربي» الذي لا يزال يقذف حممه الحارقة باتجاه دول المنطقة، وهي حصيلة مخيبة للشعوب العربية عامة، وأشد خيبة لشعوب الدول العربية المكتوية بحمم «الحريق العربي».

لقد مر العام الماضي محملًا بالكثير من الآلام والمتاعب الاقتصادية والعسكرية التي لم تعد تقيم وزنًا للظروف الإنسانية، رغم كل الجهود المبذولة من قبل بعض القوى الدولية التي تحترم حقوق الإنسان، وتحمي الأمن والسلم الدوليين، لمراعاة هذه الظروف الإنسانية في المعالجات المطلوبة للملفات الساخنة والمتفجرة جراء «الحريق العربي»، وأهمية إيقاف نزيف الجروح المفتحة، ووقف عمليات التدمير والتهجير. فالأسباب والأهداف والمشاريع التخريبية والتدميرية لقوى الشر والحروب والظلام والاستعمار لا تزال قائمة، وتتصدر أولوياتها ويستمر نزيف الدماء وإزهاق الأنفس البريئة مع الإصرار على تحقيقها رغم إرادة الشعوب والدول، ورغم الخرق الفاضح للقانون الدولي ولسيادة الدول.
ووسط هذا الركام الهائل من التخريب والتدمير والإرهاب والعنف، والمشاعر المختلطة بين انقشاع الركام ورؤية الضوء في نهاية النفق، وبين ارتفاع آكام الركام، يواصل كيان الاحتلال الإسرائيلي تنمره على الحقوق الفلسطينية، ويمعن في انتهاكاته وجرائمه ضد الإنسانية، ويستمر في تمرده على الشرعية الدولية والقانون الدولي، فيلحق الأذى الجسدي والنفسي بالشعب الفلسطيني، عبر الإعدامات الميدانية والاعتقال والتهجير القسري وهدم المنازل، وبمواصلة سياسة النهب للأراضي الفلسطينية عبر سرطان الاستيطان الاستعماري والإيغال في المساس بالمقدسات الإسلامية، وفرض سياسة الحصار والتجويع على قطاع، وإدارة ظهره عن دعوات التفاوض وعن المبادرات والمؤتمرات المتعلقة بعملية السلام وحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، سعيا منه إلى كسر شوكة المقاومة وتأسيس معادلة جديدة لا يكون للمقاومة أي دور فيها، وحتى يرتع هو ويلعب في كل منتدى دولي يعالج الصراع العربي ـ الإسرائيلي معالجة سياسية لا تفضي إلى أي مضمون.
أما سوريا والعراق وليبيا ولبنان وغيرها لم تكن شعوبها بأحسن حال من الشعب الفلسطينيين، فلا تزال ترزح تحت طائلة الإرهاب المتستر ظلمًا وعدوانًا وزورًا برداء الإسلام، والإسلام منه براء، ولا غرو في ذلك، فهذه الدول شكلت ولا تزال سندًا وقوة دعم ونضال للقضية الفلسطينية، وشوكة في حلق الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك تأتي عملية استهدافها بنيران «الحريق العربي» ضمن حالة الارتباط القائمة بين هذه الدول وفلسطين المحتلة وشعبها الفلسطيني المنكوب، واعتبار هذه الدول القضية الفلسطينية أنها قضية العرب الأولى وهي الهم الأول الذي يجب أن يسترعي انتباه كل الشعوب العربية والإسلامية، وأن استقرار المنطقة وتطورها ورخاءها وتنميتها لا يتحقق إلا بعودة الحقوق الفلسطينية المغتصبة، واعتراف كيان الاحتلال الإسرائيلي بها، واحترام كافة القرارات والمعاهدات الدولية ذات العلاقة.
كم هو مؤلم ومؤسف، أن تمر المناسبات والذكريات والأعوام، ويصر العابثون بالدماء وبالحقوق الإنسانية وبالسلم والأمن الدوليين، على تعميدها بالدماء، وتكديرها وصبغها باللون الأحمر، ومفاقمتها بالأزمات المالية والاقتصادية، وتنغيص مظاهر العيش الكريم والحياة الكريمة والحرية.
رحم الله كل من وقع ضحية للإرهاب الغادر من الفلسطينيين والسوريين والعراقيين والمصريين وغيرهم الذين لم يكتب لهم القدر أن يجتازوا معنا بوابات العام الجديد 2017م، وصعدت أرواحهم إلى بارئها تشكو ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وانغماس الأغنياء من أفراد ومؤسسات وأنظمة للبحث في تعزيز مكتسباتهم المادية وإضافة أسباب جديدة لمعاناة الفقراء، ثم تأتي مغامرات فردية لتصنع أزمة مالية طاحنة تطيح بالأغنياء والفقراء على السواء، في متوالية صناعة الأسباب لتسكين العالم في حيز الفوضى، وتجاهل أسس السلام العالمي وضرب عرض الحائط بقوانين ومعاهدات حقوق الإنسان، حقوقه الأساسية في العيش بسلام والحماية وقت الحرب والحصول على الغذاء والدواء وليس على النار والدمار.
فليكن العام الجديد بعون الله أحسن حالا مما سبقه، تزول فيه المحن والفتن ومظاهر الاستخفاف بالبشرية.