[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” .. هذه بدعة قانونية تقدم عكاكيز دستورية للمرأة كأنما هي معاقة عن الحركة عاجزة عن إقناع الناس بمواهبها وجدارتها ولا تستطيع فرض كفاءتها على الناخب ولا تقدر على إقناعه بأهليتها لتحمل الأمانة التشريعية فيأتي هذا القانون ليكفيها تعب النضال الحقيقي ووجع رأس الكفاح وليمكنها بالقانون من حق لم تحصل عليه بكفاءتها !”
ــــــــــــــــــــ
نطق المجلس التأسيسي التونسي يوم الخميس الماضي بفرض قانون سموه بقانون التناصف والمقصود هو إجبار الأحزاب السياسية التونسية بقوة القانون لا بفضيلة العدل على تقديم قائمات انتخابية للبرلمان القادم مشكلة من 50% رجال و50% نساء وهي بدعة تونسية لا يمكن شرحها سوى بالمزايدة الديماغوجية بين الأحزاب من أجل الفوز بشهائد استحسان الدول الغربية وإعلامها والحصول على زغاريد جمعية النساء المزغردات منذ عهد "سيدات" القصر لبورقيبة وبن علي أولئك النسوة اللواتي خرجن عن كل التقاليد والأعراف وينادين بما يسمينه (النمط التونسي للمجتمع) كأنما لبلادنا إسلام غير إسلام الناس وشريعة لا تعترف بشرائع السماء وهن يتجاهلن نمط 14 قرن من تاريخنا ويقصدن النمط المستحدث سنة 1956 على ايدي الزعيم الذي انفرد بالحكم وفرض النمط الأتاتركي بلا معارضة ولا صوت مختلف ما عدا المظاهرة التي خرجت في القيروان يوم 17 يناير (جانفي) سنة 1961 للمناداة بعدم نفي شيخنا الجليل وإمامنا ومعلمنا عبد الرحمن خليف ـ رحمة الله عليه ـ واستشهد في ذلك اليوم المهول والرائد خمسة من رجال ونساء القيروان كانوا أول شهداء الهوية في تاريخ الإستقلال وكتب الله لي أن أشارك فيها وأنا تلميذ في المدرسة الثانوية الزيتونية أنذاك. وقرر بورقيبة السجون والمنافي لشيوخنا الأفاضل إخمادا لوهج الهوية إلى حين.
وأنا أعتقد أن قانون التناصف تجاوز أخرق وساطع لمبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور الذي كتبه وتوافق عليه هؤلاء النواب أنفسهم وأن المدافعين عن هذا التناصف وقعوا في مقولة الحق الذي يراد به باطل بل هذا القانون هو أسوأ هدية مسمومة تقدمها النخب العلمانية والماركسية والتغريبية لنساء تونس. نساء تونس في التاريخ كن بطلات ومنهن فاطمة الفهرية القيروانية التي أسست جامعة القرويين بمدينة فاس سنة 245 هجري 859 ميلادي وهي أقدم جامعة علمية تدرس إلى اليوم ومنهن الأميرة العزيزة عثمانة (1606م-1669م) التي أنشأت أول مستشفى أهلي في مدينة تونس وجسدت العمل الخيري ونشرته في المغرب الإسلامي وبالطبع ليس لمجلة الأحوال الشخصية التي ابتدعها الزعيم بورقيبة أي فضل على هذين السيدتين فلم تعيشا عصرنا الغريب وعاشتا في كنف تعاليم الشريعة السمحاء وكان الإسلام هو الملهم وهو الهادي وهو السراج المنير. ذلك هو النمط التونسي الحقيقي الذي رافق شعبنا ونظم حياته العائلية على مدى أربعة عشر قرنا وفق تعاليم حكيمة من قرآن وسنة رفعت من شأن المرأة واعترفت لها بحقوق لم يبلغها أي دين آخر وأي قانون وضعي ويأتي زمن على بلادنا أصبحنا نسمع عن نمط تونسي مختلف تتشبث به بعض الأحزاب وهو نمط هلامي ضبابي مطاط لكل حزب رؤيته وتفسيره له وهو ليس النمط التونسي الطبيعي بل هو النمط البورقيبي لا غير جلبه الزعيم من فرنسا أم الكنيسة حين تزوج السيدة ماتيلد وتأثر كما قال ابنه الحبيب الابن في مذكراته بعائلة زوجته ومنهم كثير من القساوسة ورجال الكنيسة فأولع بورقيبة بالطهرانية (PURITANISME) كما أفادني المناضل الوطني رفيق كفاحه حسين التريكي رحمة الله عليه وأصبح بورقيبة يعتبر الجنس دنسا مثل رجال الكنيسة التي لا يتزوج فيها البابا ولا البطريق ولا القس البسيط بينما الإسلام يعتبر الجنس في كنف الحلال فطرة فطر الله الناس عليها بل إن ممارستها في ظل الزواج الشرعي هي طهارة للنفس ومناعة ضد الانحراف والحرام وحفظ للنسل والعرض والصحة.
واليوم فإن هذه بدعة قانونية تقدم عكاكيز دستورية للمرأة كأنما هي معاقة عن الحركة عاجزة عن إقناع الناس بمواهبها وجدارتها ولا تستطيع فرض كفاءتها على الناخب ولا تقدر على إقناعه بأهليتها لتحمل الأمانة التشريعية فيأتي هذا القانون ليكفيها تعب النضال الحقيقي ووجع رأس الكفاح وليمكنها بالقانون من حق لم تحصل عليه بكفاءتها ! وأغرب من كل التبريرات هي البراهين التي لجأ إليها النواب والنائبات المدافعين عن القانون، حيث أجمعوا وأجمعن على .....أن الشعب التونسي شعب متخلف ورجعي ولهذا السبب يجب على نوابنا ونائباتنا أن يعوضوه ويحلوا محله في اختيار ما يصلح له كأنه شعب جاهل ولا إرادة له! سبحان الله أن ينعت هؤلاء شعبهم الذي انتخبهم بالتخلف والغباء وهي حجة مردودة عليهم لأنهم هم أنفسهم ما كانوا يحتلون مقاعد المجلس يوم 23 أكتوبر 2011 لولا أصوات هذا الشعب!
إن هذا القانون يبلغ فيه مستوى الديماغوجيا النساوية (وليس النسائية حاشا نساؤنا الحرائر من هذه اللوثة) درجة فرض المرأة بالقانون على الناخب والناخبة والخطر ليس هنا و ليس في أفكار هذه القلة من أيتام الحضارة الذين يتاجرون بما يسمونه حرية المرأة و حقوقها منذ 13 (أغسطس) 1956 بل في كون السلطة التشريعية القادمة سوف تكون أنثوية الأهواء والمصالح وستزيد طينة الانحراف بلة إضافة إلى ما في تونس من انخرام التوازن القانوني والقضائي بين الرجل والمرأة مما خرب الأسرة وجعل في أغلب العائلات حربا أهلية صامتة ظهرت بعض مؤشراتها في برامج (التوك شو) و(عندي ما نقلك) التي فضحت سوءاتنا وكشفت عوراتنا و شاهد التوانسة فيها ومنها معضلات تفوق الخيال ! أخرها اعترافات فتاة بمعاشرة شقيقها و كذلك جرائم قتل واغتصاب واعتداءات محارم يندى لها الجبين! وما نزال غافلين عن أن إصلاح شؤون الأسرة التونسية هو أولوية مطلقة حتى نشرع في كل الإصلاحات الأخرى فلا تقدم ولا أمن و لا انطلاقة صحيحة إلا حين نستعيد المودة و الرحمة وقد عوضتهما اليوم المحكمة والمحامي في فوضى اجتماعية غير خلاقة عجزت عن مواجهتها كل مؤسسات الدولة والمجتمع بدءا من محاكمنا المكتظة إلى شوارعنا التي لا ترحم.