بالتعاون مع اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان
نظمت جمعية الصحفيين العمانية بالتعاون مع اللجنة الوطنية لحقوق الانسان محاضرة حول "حرية التعبير الواقع والقانون" في مقر الجمعية قدمها المحامي خليفة بن سيف الهنائي، حضرها عدد كبير من الصحفيين والمهتمين بقضايا الصحافة وحرية التعبير.
تناولت المحاضرة التي استمرت زهاء ساعتين العديد من المحاور المتوازنة بين حقوق وواجبات الصحفيين، وممارسة دورهم المنوط بهم في إظهار الحقيقة. قائلاً: أن الصحفي يجب أن يبحث عن الحقيقة في المقام الأول، ولا يكون ناقلا للخبر أو المعلومة، وإنما دوره يتجاوز ذلك إلى باحث عن الحقيقة المقرونة بالدلائل والاستدلالات القاطعة التي توصله إلى القناعة بالموضوع ولا يعتمد على قناعته الشخصية التي يفرضها على القارىء والمجتمع، وعليه أيضاً أن يبتعد عن التحزبات، ويتجرد من كل ميوله واتجاهاته الشخصية في ممارسة العمل الإعلامي، ويتحلى بالمهنية العالية التي تساعده على التماشي مع رسالته المهنية السامية بعيدا عن التجاذبات والأفكار التي تبعده عن النزاهة والحيادية في العمل حتى مع الجهات والأفراد الذين قد يختلف معهم، كما يجب عليه أيضاً أن يترفع عن أي سلوك يؤثر على مهنيته ويغالب أفكاره وآراءه الشخصية في العمل الإعلامي الذي يعد رسالة مهمة يؤديها الصحفي بكل أمانة وإخلاص بعيدا عن التكيف الشخصي.
مشيراً كذلك إلى أن لكل فرد منا ميولا واتجاهات سواء كانت فكرية مع أو ضد شخص أو جهة أو مؤسسة، إلا أنه عندما يلج العمل الصحفي يرمي كل ذلك وراءه، وينطلق إلى التعامل مع الأمور بموضوعية وحيادية تبعده عن الشبهات التي قد تزعزع أمانته في العمل.
مبيناً أن هنالك مسؤوليات أخلاقية للصحفي في تعامله مع الوقائع بدقة متناهية، ومع الأمور بموضوعية عالية بعيدا عن الإثارة المجردة التي تشتاق إليها النفس الإنسانية وتتوق لها، موضحا أن عنصر الإثارة يجب أن لا يكون طاغيا على الموضوعية والدقة في عرض الموضوع.
متسائلا، هل الصحفي يقوم بدوره كاملا؟ بل هل يستطيع أن يقوم بدوره كاملا؟ وهل تسهم الجهات في أن تمكّنه من الوصول إلى الحقيقة، منوها أن هناك بعض الجوانب لا يمكن أن يسعى إلى البحث فيها كقضايا الأمن القومي والاتفاقيات بين الدول التي تدخل فيها السرية في التعامل إلى غير ذلك من الموضوعات التي يجب على الصحفي أن لا يفتح ملفاتها، باعتبار صفة السرية التي تسري عليها لدواع كثيرة أمنية ووطنية وسياسية.
وانتقد خليفة الهنائي سياسة النشر الصحفي لمحاكمات المتهمين التي تعرف بقضايا الفساد قبل أن تعلن الأحكام القضائية النهائية العادلة فيها بحيث لا يصبح هنالك مجالاً للطعن أو النقض واستنفذت درجات التقاضي التي حددها القانون، وأشار إلى أن الصحافة أصدرت أحكاما مسبقة على متهمين قد يكونون أبرياء، موضحا أن القانون يقول إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وعندما نبلور رأيا عاما أن المتهمين مجرمون نكون قد وقعنا في أخطاء جسيمة في حق هؤلاء ونصوّرهم بشكل غير لائق، وقال: إن الإجراء الذي اتخذ بعدم نشر وقائع المحاكمات جاء بعد أن طفح الكيل بهذه الممارسات غير المتوائمة مع الإجراءات القضائية التي لا تتسق مع روح القوانين وتشير إلى أن المتهم بري حتى تثبت إدانته.
مضيفاً: إن الصحافة والإعلام بشكل عام ليس دوره إصدار أحكام، وإنما يكون سببا في إصدارها، فالسلطات المعروفة ثلاث: تشريعية وقضائية وتنفيذية، أما القول بأن الصحافة سلطة رابعة فهو ليس دقيقا على الواقع الذي نعيشه لأنها لا تمتلك مقومات السلطة كالقانون والأداوت التي تساعدها أن تكون سلطة، كما أن أصحابها عليهم أن يؤمنوا بهذه السلطة الرابعة وأن يتمسكوا بها ويرفعون من وتيرة إحساسهم بها والعمل على تجسيدها بكل قوةٍ بما يخدم توجهاتها النبيلة.
وشخّص الهنائي العديد من الجوانب الصحفية ومدى تكيّفها القانوني والممارسات الصحفية ومدى اختلافها عن الواقع، والفرق بين الصحفي المحقّق في الموضوع والقضايا والمشكلات، وقال: إن الصحفي محقّق أو شبيه بالمحقق الذي يبحث عن الحقيقة أيا كانت.
مؤكداً على أن الصحفي الفعلي يجب أن يحدد بوضوح ما هي أهدافه من العمل الصحفي وكيف يمكن تحقيقها متسلحا بالمهنية العالية، مستدلّا بالأدلّة التي توصله إلى الحقيقة الناصعة وإلى كشف مواطن الخلل.
منوهاً أنه كلما تمكن الإنسان من الحصول على المعلومات والمعرفة أصبح أكثر قدرة على تطوير حياته، وتكون قراراته أكثر دقة، ومساهمته في بناء المجتمع أكثر كفاءة، معللاً أنه كلما كانت الأرضية مهيأة للصحافة للعمل سوف نجني ثمارها ونفعّل مساهمتها في المسيرة والعكس صحيح.
وقال: إن عمل الصحفي ليس بسيطا كما يتوقع البعض، وإنما هو معقد كتعقيد عمل القاضي والمحقق اللذين يبحثان عن الحقيقة، والصحفي يبحث في القضايا والمشكلات للوصول إلى حقائق تدلّه على كشف التجاوزات ولكن بدون سلطةٍ داعمة بالقوة كغيره من المحققين والقضاة، الأمر الذي يتطلب توافر أمور عدة منها حماية الصحفي مما قد يتعرض له من مضايقات وإيذاء وإغراءات وغيرها من الجوانب التي تحدّه عن ممارسة واجبه ودوره، وتمكينه بالوسائل التي تسانده لإنجاز مهامه.
وأضاف: من الأهمية وجود تشريع يعمل على حماية الصحفيين وعدم معاملتهم معاملة الجناة في قضايا النشر وحرية التعبير، لأن المقصد دائما يكون مصلحة الوطن أو بالأحرى يكون سليما، ومثلهم في ذلك مثل الأطباء في محاسبتهم عن الأخطاء الطبية عبر مجلس الأخطاء الطبية. ونوه قائلا: مع ذلك إذا توافرت الأدلة التي تشير إلى ما يثبت عكس ذلك، فإن الجرم قد يكون ثابتا ويحاسب وفق القانون، مذكرا أن هناك من التشريعات والأطر في السلطنة ما يجرم الصحفي كغيره من المتهمين في قضايا مثل التشهير والسبّ وغيرها ويحاسب بمواد قانونية تشير إلى العقوبات، كما أنه لا يمكن أن تترك الدولة المجال مفتوحا للصحفي أو غيره ولا تمنحه الحرية المطلقة في التمادي في إيذاء الآخرين، فهذه جوانب مهمة يجب الأخذ بها بحيث تكون لدى الصحفي مسؤولية كغيره من البشر، يعمل وفق الأنظمة التي تتيح له ممارسة حريته بعيدا عن الوقوع في الخطأ الذي يعاقب عليه القانون.
وأشار إلى أن الصحفي يتعرض إلى الرقابة من العديد من الأطراف، من بينها المجتمع الذي يراقب عمله ومدى مهنيته ودوره في عرض الحقائق، وهنا يمكن أن ينعت الصحفي بنعوت مثل عدم الأمانة والمصداقية إذا أخلّ بعمله، كما تراقب الجهات العمل الصحفي وتبلور أفكارا حولها.
تطرق الهنائي كذلك إلى حقوق الصحفي كغيره من المهنيين مثله مثل أهل الهندسة والطب وغيرها من المهن التي لها مختصون، وأن هذه المهنة متخصصة لا يفهمها إلا أهلها والمتخصصون فيها، وعلينا أن نعيدها إلى أصحابها، مع تشكيل لجنة من الخبراء الصحفيين تكون قانونية ولها مرجعيتها لدى الجهات القضائية.
مطالباً بكفالة الصحفي في الحصول على المعلومة من مصادرها ووضمانة وصوله إليها قانونيا في الجهات المختصة مما يتيح للصحفي أن يحصل على البيانات والمعلومات كحق من حقوقه، وأشار إلى أن ذلك لا يعني أن الصحفي لا يسعى وينتظر المعلومات تأتي إليه على طبق من ذهب وإنما يسعى لها، فالمعلومات والبيانات لدى الناس والجهات لا يمكن أن نقدمها بالطرق السهلة وإنما من خلال المتابعة والتقصي والعمل الدؤوب الهادف الرامي إلى إظهار الحقيقة.
تناول الهنائي أيضا أهمية إيجاد كوادر قانونية متخصصة لدى الادعاء العام للتحقيق في القضايا قبل إحالتها للمحاكم لمعرفة مقتضيات القضايا من كافة جوانبها والعمل على وضع التكيف القانوني لها بحيث تأخذ في الاعتبار كل الإشكاليات التي ترافق العمل الصحفي.
سبر بعدها أغوار مسؤوليات الصحفي في ممارسة عمله التي تكفل له النزاهة والحيادية والعمل بكفاءة عالية وتعزز المصداقية التي يجب أن تتوفر فيه والتثبت من كل ما ينشر ويبث، موضحا أن الإثارة في الكثير من الأحيان تضر العمل الصحفي أكثر مما تخدمه، فالنفس الإنسانية مجبولة على حب الإثارة، ولكن يجب التمهل في النشر بطرق دقيقة ومتأنية غير متسرعة.
محذراً من المتاجرة بالصحافة، وتطرق الصحفي للقضايا والمشكلات مقابل ابتزازه بالأموال مثلا أو الهدايا لثنيه عن نشر بعض القضايا أو ما قد يحصل عليه من معلومات أو غيرها من أمور، فالصحفي يجب أن لا يتاجر بالمهنة، وإذا وقع في ذلك فقد أخل بالمهنية والأمانة الصحفية التي تقتضي أن يحملها الصحفي ويضعها نصب عينيه.
وأشار إلى أهمية الحيادية في العمل الصحفي باعتبارها صفة تميزه عن غيره مما يتحيزون إلى الأحزاب والاتجاهات الفكرية وغيرها، فالحياد مطلوب في نقل الوقائع وذكرها ويجب أن يلتزم به الصحفي، ولا يتبنّى وجهات نظر شخصية أو يميل مع طرف دون آخر أو يدخل في صراع مع أطراف لكونه يختلف معهم في التوجهات، مدللا أن الصحفي مثل القاضي الذي يحكم، لا يمكن أن يتأثر بالأجواء المحيطة به ولا يتبنى وجهات نظر أي طرف وإنما يمارس عمله بما يمليه عليه ضميره وبالأدلة التي تتوفر له حتى يحكم بها حكما دقيقا.
مشدداًرعلى ضرورة أن يكون الصحفي دقيقاً في صياغة الخبر خاصة بعض الجمل التي قد تفسر بغير معناها، كما عليه احترام الحياة الخاصة للأفراد وعدم الخوض فيها، وهذه الجوانب من المحظورات قانونا.
رد المحامي خليفة الهنائي في ختام المحاضرة على أسئلة الحضور التي تناولت بعض حقوق وواجبات الصحفيين وكيفية التعاطي مع الوقائع بالأدلّة الثابتة والأطر القانونية التي يجب أن تهيئ البيئة المناسبة للصحفي أن يعمل بتحرر وارتياحٍ وانطلاقة.