[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” .. في شهر مايو الماضي التقى مجلس الشورى بوزيرة التربية والتعليم، وتجدد اللقاء في الشهر الفائت ديسمبر 2016م بوزيرة التعليم العالي، وقد تناول النقاش في جلسة مايو عددا من المحاور، من أهمها نسبة الانجاز في توسيع وتطوير منظومة التعليم التي تضمنتها الاستراتيجيات والخطط الخمسية، والجودة في التعليم والمناهج التعليمية، والتشريعات والسياسات المنظمة للتعليم، والتعليم المدرسي الخاص في السلطنة.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما تزال سياسات التعليم ومناهجه ووسائله وبرامجه وتخصصاته، وقياس قدرات المعلم ومكانته الوظيفية بين الوظائف الأخرى، ومستويات مخرجاته في المرحلتين (التعليم العام) و(العالي) تحدث نقاشا مجتمعيا واسعا، وما تزال جدلية سياسة (التعليم من أجل التعليم) أو (ربط التعليم بسوق العمل) قائمة منذ سنوات. نتائج تقييم مستوى مخرجات التعليم بمراحله المتعددة، وارتفاع عدد الباحثين عن عمل في مقابل ما يشهده السوق من تخمة في عدد اليد العاملة الوافدة في مختلف المجالات والتخصصات والمستويات، ونسبة العمانيين المتدنية في الوظائف القيادية والإشرافية والفنية في القطاع الخاص، ونقاشات مجلس الشورى مع وزيرة التربية والتعليم ووزيرة التعليم العالي، وما تتضمنه التقارير والمؤشرات العالمية حول تصنيف السلطنة في مستويات التعليم تقدما أو تراجعا، ومركزية التعليم وارتباطاته بكل شأن من شئون الوطن ... هي ما يدفع النقاش المحتدم والجدل المتواصل والنقد الحاد أحيانا إلى هذا الزخم المتجدد حول قطاع التعليم. ففي شهر مايو الماضي التقى مجلس الشورى بوزيرة التربية والتعليم، وتجدد اللقاء في الشهر الفائت ديسمبر 2016م بوزيرة التعليم العالي، وقد تناول النقاش في جلسة مايو عددا من المحاور، من أهمها نسبة الانجاز في توسيع وتطوير منظومة التعليم التي تضمنتها الاستراتيجيات والخطط الخمسية، والجودة في التعليم والمناهج التعليمية، والتشريعات والسياسات المنظمة للتعليم، والتعليم المدرسي الخاص في السلطنة. في كلمته الافتتاحية أكد رئيس مجلس الشورى على أن « قطاع التعليم من أهم القطاعات التي يجب على كل الشعوب أن تضعه في سلم أولوياتها، فإذا صلح التعليم صلحت كل قطاعات المجتمع، وبالعلم ترقى الشعوب وتسمو الأمم، وبه تشاد وتعمر الأوطان، ويقاس تقدمها»، ولا خلاف على ذلك. وتساءل عدد من الأعضاء عن أسباب تدني (مخرجات التعليم في السلطنة وفق ما جاء في بعض المؤشرات التربوية بالرغم من الإنفاق الحكومي الكبير على القطاع التعليمي والاستراتيجيات والخطط التي تبنتها الوزارة)؟. وأوضحت الوزيرة بأنه تم اتخاذ جملة من الخطوات لتجويد التعليم منها: اعداد وثيقة لتطوير سياسة التعليم، العمل على تدريب المعلمين وإعدادهم بما يخدم الحقل التعليمي، وقد تم تنفيذ 390 بعثة للتخصصات العلمية للمعلمين، وفي الاطار ذاته أشارت وزيرة التربية والتعليم إلى جملة من التحديات التي تواجهها مسيرة التطوير التربوي في تحقيق الجودة المنشودة من أبرزها: (تنامي أعداد المواليد مع ارتفاع كلفة تشييد المباني المدرسية وتأخر استلامها، قلة أعداد المخرجات التربوية من العمانيين في بعض التخصصات العلمية، الارتقاء بالمستويات التحصيلية للطلبة والطالبات، بالإضافة إلى التحديات التي تفرضها ظروف الموازنة الراهنة، وذلك على الرغم من الجهود المبذولة في إدارة النظام التعليمي وتطوير العملية التعليمية في السلطنة وتجويدها) . فلماذا لا نزال نعاني من هذه التحديات خاصة في مجال (قلة أعداد المخرجات التربوية في بعض التخصصات العلمية) بعد مضي أكثر من أربعة عقود ونصف من انطلاق مسيرة التعليم في السلطنة، أفلا يؤكد ذلك على أن خللا يصاحب خططنا وبرامجنا وسياساتنا التعليمية؟ . يظل تجويد التعليم وتطوير مناهجه وبرامجه وأدواته وضمان كفاءة مخرجاته وتنمية طاقاتها العقلية إلى أقصى مدى، وتناسب تخصصاته خاصة الدقيقة منها مع متطلبات السوق وتطور العصر، تحديا كبيرا نظرا لما يتطلبه قطاع التعليم من خبرات عالية المستوى وموارد مالية ضخمة، وهو ما يفترض أن تعالجه الخطط التعليمية، ولأن العملية (التعليمية قضية استراتيجية نظرا لأثرها في بناء الأجيال ودورها في التنمية الشاملة)، فالعلم (هو العنصر الوحيد من بين جميع العناصر الحضارية الذي يتقدم بمعنى أن يجيء حاضره أصح من ماضيه، وذلك لأنه هو العنصر الوحيد الذي يتراكم وينمو والخطوة اللاحقة منه تصحح أخطاء الخطوة السابقة) . وبدون تحقيق نهضة تعليمية فلن نستطيع أن نصنع تنمية ولا أن نبني اقتصادا قويا نضمن إزاءه مستقبلا مشرقا يمكننا من اللحاق بالركب الحضاري الأممي الذي تشهده المرحلة التاريخية الدقيقة.
مما لا شك فيه أن جلسات مجلس الشورى مع الوزراء تكتسب أهمية بالغة من حيث إنها تمكن المجتمع من الاطلاع على فحوى المناقشات وما يتخللها من أسئلة واجابات تدور حول سياسات التعليم والتنويع الاقتصادي وتعزيز البنية التحتية وتطوير الجهاز الاداري وتجويد الخدمات وتيسير الاجراءات ... ويستعرض الوزراء سياسات الحكومة وخططها وبرامجها لتنمية وتطوير تلك القطاعات وتحسين الخدمات والمرافق، وتشترك الصحافة والكتاب والمهتمين والمختصين في إثراء الحوارات والاسهام في تقديم الرؤى والأفكار التي من شأنها معالجة الاخفاقات والاشكاليات وتشكل مادة خصبة ونشاطا مجتمعيا واسعا في وسائل التواصل، وتعزز العلاقة وتعمق صور التعاون بين مؤسسات الدولة والمجتمع، وهي خطوة مطلوبة بشدة ومن الأهمية تقييمها وتطوير آلياتها بشكل متواصل لتحقيق نهضة علمية ونمو اقتصادي وتنمية مستدامة يشرك فيها المجتمع في صناعة القرار. لقد تضمنت محاور بيان وزيرة التعليم العالي أمام مجلس الشورى في ديسمبر الماضي جملة من المحاور من أهمها : سياسات القبول للدراسات الجامعية الأولى والدراسات العليا، آثار انخفاض أسعار النفط على خطط وبرامج التعليم، مخرجات التعليم العالي واحتياجات سوق العمل، بالإضافة إلى واقع التعليم العالي الخاص وضمان الجودة فيه ومعايير الترخيص لإنشاء مؤسسات تعليم عال خاصة ... وقد أشارت معالي الوزيرة في بيانها أمام الشورى إلى إشراف الوزارة
على البرنامج الوطني للدراسات العليا في ضوء التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - في 2010 بتوفير 1000 بعثة خارجية للدراسات العليا التخصصية في المجالات التي تحتاج إليها الدولة، للمساهمة في رفد الاقتصاد الوطني بكوادر وطنية متخصصة ذات تأهيل عالٍ، بواقع 200 بعثة سنويًا، والذي سيتواصل عبر الخطة الخمسية التاسعة (2016-2020) رغم الانخفاض الحاد في أسعار النفط وتأثيراته على الموازنة العامة للدولة، وهو ما نتمناه ونطالب به بأن يظل قطاع التعليم بعيدا عن هذه التأثيرات، لأهميته ودوره في انجاح الخطط والبرامج التنموية وتعزيز مصادر الدخل . وحول المحور الأهم المرتبط بمخرجات التعليم العالي واحتياجات سوق العمل، أكدت معاليها على إخفاق سوق العمل بتركيبته الحالية في استيعاب مخرجات نظام التعليم والتدريب الحالي، وقد أوضحت الدراسة الخاصة بمسح خريجي التعليم العالي للعام 2015، بأنّ (نسب التوظيف لدى الإناث هي أقل من النسبة لدى الذكور في أغلب التخصصات) وبالتالي فإن (انخفاض نسب التوظيف في بعض التخصصات لا يعود إلى عدم حاجة سوق العمل له بل إلى ارتفاع عدد الإناث في تلك التخصصات، إلى جانب عامل امتلاك الخريجين لمهارات القرن 21)، كما أوضحت نتائج مسوح خريجي التعليم العالي أنَّ مخرجاته (تعاني من عجز في عدد من المهارات منها مهارات التواصل بنسبة (31%) والإبداع بنسبة (%37) والقدرة على حل المشكلات بنسبة (%38) . وفي الاطار ذاته أكدت معالي الوزيرة على أن (عدم توفر قاعدة بيانات رصينة وحديثة وخاضعة للتحديث المستمر حول احتياجات سوق العمل من التخصصات المختلفة، وافتقار كثير من مؤسسات سوق العمل وجهات التوظيف لرؤية بعيدة المدى حول طبيعة التخصصات والمخرجات المطلوب توفيرها لمواكبة التطور الذي يشهده قطاع سوق العمل على المدى القصير والمتوسط والبعيد) هو ما وضع (مؤسسات التعليم العالي والجهات المشرفة عليها أمام تحدٍ كبير في توجيه التخصصات في سبيل مواكبة الاحتياجات المستقبلية لسوق العمل)، وهو ما يضعنا أمام عشرات الأسئلة المرتبطة بمدى نجاح سياسات التعليم ووضوحها وارتباطها بسوق العمل وجودة المخرجات ... ولمعالجة هذه التحديات فقد تم إنشاء دائرة لمسح الخريجين، ومراكز للتوجيه الوظيفي، وتدريس مُقرر ريادة الأعمال وفقا لإجابات الوزيرة فهل تكفي هذه المعالجات للتغلب على المشاكل المتعثرة ؟ . إن التعليم هو (المنطلق الرئيسي لصياغة المستقبل، وبناء عالم منتج مستقر يتيح لقطانه الفرص لتحقيق ذواتهم إلى أقصى ما تسمح به مواهبهم ... ) . ومن إصلاح التعليم وتجويد مخرجاته علينا أن ننطلق لتحقيق تطلعات المجتمع في التقدم والنمو والازدهار والاستقرار . كما ينبغي استثمار هذه النقاشات الهامة التي تحتضنها قاعة
البرلمان وما يطرح فيها من ملاحظات دقيقة وأفكار ورؤى قيمة في اصلاح وتطوير التعليم بمختلف قطاعاته ومراحله وتخصصاته .

Saud [email protected]