”تتأكد أهمية الدبلوماسية البرلمانية من خلال قوة وسلطة البرلمان في أغلب الأنظمة السياسية في تحديد توجهات الدولة حيث لا يتم تمرير قرارات وتشريعات الدولة إلا بموافقة البرلمان، من هذا المنطلق يبرز دور الدبلوماسية البرلمانية من خلال لقاءات البرلمانيين وقدرتهم من التأثير على قرارات الدول بطرح وجهات نظر الشعب والدولة لنظرائهم البرلمانيين من دول العالم الأخرى.”
ــــــــــــــــــ

”إننا نعمل دائما وفقا لهذه المبادئ، ونمد يد الصداقة والتعاون للجميع، كما نحرص على القيام بدور بناء على الساحة الدولية، وندعو باستمرار إلى حل جميع القضايا والمشكلات التي تنشأ بين الدول بالطرق السلمية”. من خطاب جلالته في العيد الوطني العشرين 18 نوفمبر1990م.
عند تتبعنا للمنبع والتاريخ الذي بدأ من خلاله تدرج ظهور ملامح الدبلوماسية البرلمانية، فإننا نجد أنها جاءت مع وجود البرلمانيين الذين توسعت احتياجاتهم ورغباتهم بضرورة الالتقاء والتواصل مع نظرائهم البرلمانيين من الشعوب الأخرى، للتشاور وتبادل وجهات النظر، الذي من خلاله تولدت الصورة الأولى لظهور مفهوم العلاقات الدولية البرلمانية، كما تأكدت وتعززت مكانتها وفرضت نفسها كواقع سياسي في ظل التقدم التقني وعولمة التبادلات التجارية وشمولية الاقتصاد وتزايد حلقات المصالح المشتركة بين الأمم، فكانت هي أحد العوامل التي أدت إلى الزوال التدريجي للحاجز الحديدي الذي تشكل بعد نهاية الحرب الباردة، حيث كان صدى هذا المفهوم الجديد واسع الانتشار لا سيما في البلدان المتقدمة وأوساط الحركات السلمية، لذلك ظهرت الحاجة إلى التخصص في العمل الدبلوماسي المتمثل في ظهور مسمى (الدبلوماسية البرلمانية).
وفي نهاية القرن التاسع عشر ظهرت عدد من المنظمات الدولية التي كانت النواة الرئيسية لتشكيل ونمو مفهوم الدبلوماسية البرلمانية، وتتمثل أبرزها في الاتحاد البرلماني الدولي (IPU) الذي تأسس عام 1889 باعتباره أول منظمة دولية للتفاوض التعددي، فتح بدوره الباب أمام البرلمانات لتوسيع دائرة تدخلها في السياسة الخارجية وتعزيز مساحة اهتمام البرلمانين في مجال الدبلوماسية الدولية.
وتأتي أهمية الدبلوماسية البرلمانية من طبيعة عمل البرلماني واتصاله بالقاعدة الشعبية بحيث يصبح رأيه الخارجي تعبيراً عن الواقع الشعبي في الدولة، وبحديثه مع نظيره البرلماني في دولة أخرى يعطى لرأيه كل اعتبار لأنه لا يعكس في حديثه ما تلقاه من تعليمات حكومية بل يتحدث معبرا عن فكره ورأي الشعب.
ويمكن تدليل ذلك بقول الدكتور أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب المصري سابقا: ”إن صندوق النقد الدولي عندما حضر ليتفق مع الحكومة المصرية، جاء رئيس هذا الصندوق وقابلني بوصفي رئيسا لمجلس الشعب ليعرف وجهة نظر المجلس، هذا الاتصال في حد ذاته يعتبر نموذجا لدبلوماسية برلمانية لخدمة الهدف السياسي للدولة, وهناك مثال آخر حدث في مؤتمر الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي وفي حفل استقبال قابلت رئيس لجنة العلاقات الخارجية مبعوثا للرئيس الفرنسي شيراك تحدث معنا نحن الاثنين عن الدور الأوروبي المطلوب في حل مشكلة السلام قبل أن تتقرر زيارة شيراك للشرق الأوسط، وبذلك تحدثنا عن ضرورة وأهمية الدور الأوروبي في حل هذه المشكلة، وهو نموذج آخر للدبلوماسية البرلمانية”.
كذلك من خلال الدبلوماسية البرلمانية تستطيع الحكومات التخلص من بعض الضغوطات السياسية التي تتعرض لها على الساحة الدولية بحيث تكون الدبلوماسية البرلمانية هي صوت الحكومة الذي لا تستطيع التعبير عنه بصراحة، في ظل الصراعات التي تمر بها المنطقة، حفاظا على التوازنات الدولية والمصالح المتبادلة.
ومن جانب آخر تتأكد أهمية الدبلوماسية البرلمانية من خلال قوة وسلطة البرلمان في أغلب الأنظمة السياسية في تحديد توجهات الدولة حيث لا يتم تمرير قرارات وتشريعات الدولة إلا بموافقة البرلمان، من هذا المنطلق يبرز دور الدبلوماسية البرلمانية من خلال لقاءات البرلمانيين وقدرتهم من التأثير على قرارات الدول بطرح وجهات نظر الشعب والدولة لنظرائهم البرلمانيين من دول العالم الأخرى.
وبشكل عام ترجع أهمية الدبلوماسية البرلمانية لعدد من الأسباب, وهي تمتع البرلمانيين بتفويض أدبي وقانوني وثقة من قبل شعوبهم, وقدرة البرلمانيين للاضطلاع بدور مهم في تحقيق أهداف السياسة الخارجية, وكذلك قدرتهم على التأثير على مراكز صنع القرار المعنية برسم السياسة الخارجية، وهذا التأثير يتفاوت من بلد لآخر وفقا لما تتمتع به البرلمانات من سلطات, بالإضافة إلى القدرة على تفعيل جوانب التعاون بين البرلمانات لحل بعض القضايا الدولية، والقضايا الثنائية بين البلدان عن طريق الزيارات الثنائية واللقاءات في المحافل الدولية وتشكيل مجموعات صداقة برلمانية وتبادل الخبرات, والعمل على حل المنازعات الدولية من خلال لجان الوساطة المؤثرة للتقريب من وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة, وأخيرا قدرة البرلمانيين على الدعم والدفاع عن قضايا بلدانهم وشرح مواقف حكوماتهم من القضايا المطروحة.
لذلك أصبح يتحتم على البرلمانيين من كافة الدول أن يؤسسوا فيما بينهم حوارا وطنيا، وأن يؤكدوا حرصهم على استمراريته وفعاليته بما يكفل تشكيل الرأي العام العالمي المؤثر في الإرادة السياسية الدولية، وبما يضمن محتوى الاتفاقيات الدولية التي تؤثر على تشريعات الدول، وهو الأمر الذي يبرز لنا أهمية الدبلوماسية البرلمانية، والوضع العالمي الحالي الذي تمر به كافة الدول يؤكد على أهميتها بشكلٍ أوسع... يتبع.

ميساء بنت خميس الشبلية
باحثة علاقات دولية مجلس الشورى
[email protected]