[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
وسط شكوك واسعة حول التموضع التركي الجديد بعد الانقلاب الفاشل وتمسك الولايات المتحدة بالورقة الكردية في سوريا، جاء اتفاق بغداد وأنقرة على سحب القوات التركية من بعشيقة ليضيف مزيدًا من الشكوك في مصداقية إعلان الموافقة التركي والوفاء به، ذلك أن هذا الإعلان مربوط بشرط يكون تحققه موجِبًا بقيام أنقرة بسحب قواتها من شمال العراق (معسكر بعشيقة) وهو بعد تحرير مدينة الموصل من أيدي تنظيم "داعش" الإرهابي، في الوقت الذي يؤكد فيه المسؤولون الغربيون والأميركيون ـ وهم العالمون بالأمور وخفاياها ـ أن معركة تحرير الموصل لا تزال طويلة.
إن اللعب التركي بالنار بات على مسافة واضحة ومتاخمة لحدود المصالح الأميركية والروسية، فكيف لا يكون متاخمًا وماسًّا بمصالح دول الجوار كالعراق وسوريا، وخاصة وأن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد أعلن صراحة مطالبته بإعادة العمل بمعاهدة لوزان الموقعة في عام 1923م، وأنه بموجب هذه المعاهدة يحق لأنقرة التدخل في الشؤون الداخلية للعراق وسوريا، وانتهاكها سيادتيهما، وإذا كان اللعب التركي محكومًا أميركيًّا ومسيطرًا عليه ولا يخرج عن بيت الطاعة الأميركي، بل يدور في فلكه ووفق توجيهاته، فإنه بالنسبة للعراق وسوريا ليس كذلك، وإنما يعد في هذه الحالة تقويضًا للأمن القومي وعبثًا بالسيادة والاستقلال لهاتين الدولتين العربيتين.
والسؤال الذي يطرح ذاته هنا هو: لماذا لا تسحب تركيا قواتها من معسكر "زليكان" (الواقع في أطراف جبال ناحية بعشيقة، 42 كلم شمال شرق الموصل) الآن؟ ولماذا تشترط سحبها بعد تحرير الموصل؟
في الحقيقة إنه لطالما كان اغتصاب الموصل من العراق وحلب من سوريا حلمًا يداعب النزعة العثمانية الجديدة لحكومة حزب العدالة والتنمية، فإن آكام الشكوك حول الاتفاق ستبقى ومرشحة للكثير منها، لا سيما وأن ثمة عوامل كثيرة تجعل الحكومة التركية تصر على مواصلة سياستها العدائية ضد كل من سوريا والعراق، سواء العامل العربي المشجع حينًا والمشترك أحيانًا في العبث بالدم العراقي وبالدم السوري، ودعم التنظيمات الإرهابية تحت عنوانه العريض المخادع "دعم المعارضة" و"دعم أهل السنة"، أو عامل النظرة التركية إلى أن العراق لم يعد العراق القوي الذي يحسب له ألف حساب، ولم تعد سوريا كما كانت قبل عام 2011م عام تفجير "الحريق العربي"، أو العامل الصهيو ـ غربي ـ الأميركي المؤيد والداعم للدور التركي، لكون تركيا عضوًا في حلف شمال الأطلسي، وما تفعله هو نيابة عن الحلف وخاصة في سوريا، حيث جني الأرباح لن يكون لطرف واحد. ولذلك ما أعاد إردوغان تأكيده من أن أمن تركيا يبدأ من حلب، يعبِّر عن حقيقة الدور والمطامع والمخططات المعتملة في عقول وفكر معشر المتآمرين، حيث تجويف أرض محور المقاومة وعزل قواه هدف مشترك تلتقي حياله جهود المتآمرين، فاغتصاب الموصل وحلب تركيًّا يلتقي مع السيطرة على الشريط الممتد من القامشلي والحسكة والرقة وحتى دير الزور أميركيًّا، حيث تخطط واشنطن من السيطرة على هذا الشريط تقطيع أواصر محور المقاومة، واستعماره بنهب ثرواته الطبيعية المتمثلة في النفط والغاز وموارده الزراعية.
ولذلك محاولة التذرع التركي بأن الهدف من إبقاء القوات التركية في بعشيقة إلى ما بعد تحرير الموصل، ثم سحبها بعد إنجازه، هو لمحاربة الإرهاب ومنع دخول عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي من دخول تركيا، هي محاولة لا تستقيم مع حقائق الواقع القائلة بأن الأرض التركية لا تزال تشكل بيئة حاضنة للتنظيم الإرهابي الذي يرتبط بعلاقة وطيدة وداعمة مع الاستخبارات التركية، وما إفراج تنظيم "داعش" الإرهابي عن خمسة وأربعين دبلوماسيًّا تركيًّا احتجزهم عناصر التنظيم في القنصلية التركية بالموصل بعيد سيطرته على المدينة دون أن يمس شعرة منهم، إلا أحد الأدلة، وكذلك عملية التسليم والتسلم التي تمت بين القوات التركية والتنظيمات الإرهابية المحمولة على الدبابات والمدرعات التركية وبين تنظيم "داعش" الإرهابي في مدينة منبج السورية.
إذًا، حقائق الزمان والمكان والتي باتت حدثًا من أحداث تاريخ "الحريق العربي"تنفي الأهداف التركية المعلنة من إدخال قوات تركية إلى العراق دون موافقة حكومته، فضلًا عن أنها في الوضع القانوني تعد قوة احتلال.

خميس بن حبيب التوبي
[email protected]