يطلق على مهنة الصحافة بأنها مهنة "البحث عن المتاعب" وذلك لما يلاقيه الصحفي من صعوبة ومخاطر أثناء تغطيته لحدث ما قد يكون ساخنا فيعرضه للأذى ولعل عدد الصحفيين الذين فقدوا حياتهم في سبيل تغطية بعض الأحداث الدموية حول العالم يدل على ذلك .. أو قد يتعرض الصحفي لمصادرة رأيه من بعض الحكومات التي لا توفر للصحافة المساحة لتقول كلمتها بحرية فتضيق عليها الخناق وتجبرها على اتباع سياسة "التطبيل" لكل ما تقوم به.
ونظرا لأهمية هذه المهنة الشريفة باعتبارها مرآة الأمة وضميرها الذي يتحدث بلسانها ويكشف كل ما فيها من سلبيات وإيجابيات فقد خصص العالم يوما للاحتفال بصاحبة الجلالة وذلك تقديرا للدور التنويري الذي تلعبه في توعية المواطنين بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات وكذلك دورها الأساسي في تسليط الضوء على ما يدور داخل المجتمعات من قضايا تهم الرأي العام .. ويتم في هذا اليوم من كل عام إقامة الاحتفالات والندوات والمؤتمرات التي تحتفي بالصحفيين المتميزين الذين ناضلوا من أجل خدمة وطنهم ومجتمعهم والقيم الإنسانية النبيلة.
ومؤخرا احتفل المجتمع الدولي باليوم العالمي للصحافة والذي تجدد فيه العهود .. عهود الحكومات بإفساح المجال لتوافر بيئة إعلامية حرة وقائمة على التعددية والتعهد بضمان أمن الصحفي أثناء تأديته لمهام عمله .. وعهود الصحفيين بالالتزام بأخلاقيات المهنة والحيادية والشفافية والصدق ونقل الواقع كما هو دون تزييفه لاستمالة القراء تجاه تيار بعينه.
وهذا العام رفع الاحتفال باليوم العالمي للصحافة شعار "حرية الإعلام من أجل مستقبل أفضل" وركز فيه المحتفلون على ثلاثة محاور الأول أهمية وسائل الإعلام في التنمية والثاني سلامة الصحفيين وسيادة القانون والثالث استدامة ونزاهة الصحافة .. وهذه المحاور تظهر أهمية هذه المهنة الجليلة وضرورة تمتعها بالحرية حتى يتحقق مستقبل أفضل للبلاد خاصة في ظل تنامي مواقع التواصل الاجتماعي الذي لا يوجد فيها سقف للحريات فإلى جانب أنها تواكب المستجدات أولا بأول فإنها كذلك تتمتع بحرية تعبير لا نهائية وهو ما يجعلها منافسا قويا للصحافة التي يجب أن تتوافر لها المقومات اللازمة لنقل الخبر والتعبير عن الرأي بكل شفافية وحرية طالما أن هذه الآراء تساهم في بناء الوطن وتبصير المواطنين بقضايا بلادهم وتسعى للتوصل لحلول لمشكلات المجتمع المختلفة .. فالحرية مسئولية ومراعاة أخلاقيات المهنة هي العامل الأساسي لاستمرار الصحفي في عمله.
والمتتبع لحال الصحافة في السلطنة يجد أنها شهدت تطورا هائلا في السنوات الأخيرة يظهر ذلك جليا في تعدد الصحف وزيادة عدد صفحاتها الفاخرة الطباعة وتنوع الملاحق التي تغطي كافة الأذواق وفوق كل ذلك الجرأة والحرية التي يتمتع بها الكتاب في تناولهم للقضايا المختلفة ولقد لمعت عدة أسماء عمانية متميزة في بلاط صاحبة الجلالة ليس على المستوى المحلي فقط بل على المستوى الخليجي والإقليمي والعربي.
لاشك أن الإعلام العماني ما كان ليسير بخطوات ثابتة وواثقة نحو التطور والنمو لولا الرعاية السامية من لدن جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ لأبنائه ومنحهم الحرية الكاملة لممارسة مهام عملهم بأريحية تكفل لهم التعبير عن الرأي ونقل الواقع المعاش بكل شفافية وصدق يدل على ذلك تقرير جمعية الصحفيين العمانية الذي أشار إلى أنه في عام 2013 لم يتم فرض أي عقوبات على الصحفيين أو مؤسساتهم المقروءة والمسموعة والمرئية .. فجميع الأجهزة الحكومية والقوانين التشريعية قامت بدعم حرية الصحافة وفتحت الأبواب أمام الصحفي للتعبير عن رأيه نظرا لتفهمهم لطبيعة عمله ودوره البارز في تحقيق التنمية المستدامة المنشودة.
إن الإعلام عندما يكون صادقا وشفافا في طرح الصورة يصبح أداة بناءة تساهم في تقدم الوطن ونحمد الله أن الصحفي العماني منذ بواكير نهضتنا المباركة وهو يرفل في ثوب الحرية القشيب فلم يشعر في يوم من الأيام بأن صوته مكتوم أو فمه مكمم بل على العكس كان رأيه دائما حاضرا ويؤخذ في الاعتبار عند وضع خطط التنمية .. لذلك نناشد الإعلاميين أن يتمتعوا بالمهنية العالية ويستخدموا الأساليب الراقية البعيدة عن الإسفاف والتعصب حتى يستطيعوا أن يكونوا على قدر المسئولية الملقاة على عاتقهم فيصبحوا معول بناء وساعدا فتيا تقوم بعزيمته نهضة بلدنا الحبيب.

* * *
وماذا بعد فشل مفاوضات السلام ؟
وزير الخارجية الأميركي جون كيري رفع الراية البيضاء واستسلم وأعلن فشله في التوصل لحل يرضي جميع الأطراف في محادثات السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني والتي كان الراعي الرسمي لها طوال الأشهر التسعة الماضية وأعلن عن "فترة توقف" يلتقط من خلالها أنفاسه ويعيد ترتيب أوراقه وأفكاره من جديد ليبحث عن مخرج لهذه الأزمة المزمنة.
لقد اعترف كيري بأن إدارته غير قادرة على "ردم الهوة بين الجانبين" وهنا نسأله من المسئول الأساسي في عدم التوصل لحل ؟.
لو قلب كيري في أوراقه التي جمعها خلال الأشهر الماضية لوجد أن الطرف الإسرائيلي المتعنت هو السبب الرئيسي في فشل المفاوضات .. ولو أراد التأكد من ذلك فليسأل طاقمه الذي كان يساعده والذين صرحوا لجريدة “يديعوت احرونوت” بأن المستوطنات هي العقبة الكؤود أمام نجاح مهمتهم وكان من الواجب على حكومة تل أبيب تجميد الاستيطان لحين الانتهاء من المفاوضات إذا كانت بالفعل تريد تحقيق السلام الذي تتشدق به وتعلن دائما أنها تسعى إليه ولكن ما حدث هو العكس حيث قام نتنياهو رئيس الوزراء بالإعلان عن مناقصات لبناء وحدات جديدة ضاربا عرض الحائط بالشرعية الدولية أو بمفاوضات السلام التي لا يريد أن يحرز فيها استحقاقا.
لقد أدلى طاقم مساعدي كيري بشهادة حق وقالوا إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قدم تنازلات كبيرة عندما وافق على إقامة دولة منزوعة السلاح وترسيم الحدود بطريقة تسمح ببقاء 80% من المستوطنين في الأراضي الإسرائيلية مع احتفاظ بني صهيون بمناطق حساسة أمنيا في وادي الأردن لمدة خمس سنوات ثم تتولى أميركا بعدها الإشراف عليها – وفي اعتقادنا أنها لم تخرج من يد إسرائيل بهذه الطريقة بل مازالت تحتفظ بها أيضا لأن ما في يد أميركا في يد الدولة العبرية – مع بقاء الأحياء اليهودية في القدس الشرقية تحت السيادة الإسرائيلية وأن تكون عودة اللاجئين الفلسطينيين طبقا لاستعداد دولة الاحتلال .. وبالرغم من كل هذه التنازلات وغيرها فإن إسرائيل لا يعجبها العجب فقامت بالتسويف والمماطلة وساقت الحجج الواهية كي تفشل المفاوضات.
لاشك أن إسرائيل عندما دخلت في هذه المفاوضات الهشة لم يكن في نيتها التوصل لحل فهي لم تحدد خريطة لحدود الدولتين المنشودتين كما رفضت المصالحة الفلسطينية رفضا تاما رغم أنها كانت تطالب دائما بشريك موحد ينوب عن الشعب الفلسطيني ككل لتتفاوض معه ولكن ما أن تحققت المصالحة حتى تنصلت مرة أخرى من مطالبها فالجميع يعرف جيدا أنها تتمنى فرقة وتشرذم الشعب الفلسطيني بل الشعوب العربية بأكملها حتى لا يقف أحد في وجهها .. ثم أعلن نتنياهو بعدها عن قانون يقضي بيهودية الدولة وتجميد البناء في أراضي الضفة الغربية وتجميد الضرائب التي كانت تحولها للسلطة ورفض الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين وغير ذلك من التصرفات الهوجاء اللاشرعية.
لاشك أن الصلف الإسرائيلي أحرج أميركا كثيرا أمام المجتمع الدولي فقد اعتقد أوباما وكيري أنهما سيستطيعان إقناع إسرائيل وإقرار حل الدولتين على أرض الواقع لكنهما اصطدما بالصلف الإسرائيلي الذي لا يأبه بالرعاية الأميركية للمفاوضات وهو ما أدى إلى اهتزاز صورتها لتظهر بصورة الكائن الضعيف المرتعش الذي لا يقدر على فعل شيء.
لم يعد أمام أميركا سوى الضغط على ربيبتها المدللة إسرائيل للخضوع للأمر الواقع والاعتراف بالحقوق الفلسطينية .. فتأجيل المفاوضات وتوقفها لن يحل المشكلة بل سيزيدها تعقيدا والسلام لن يتأتى بدون تقديم الطرفين لتنازلات مماثلة مع توافر النية الحقيقية لتحقيقه.

* * *

حروف جريئة
* أصابني بعض الارتياح عندما قرأت عن تراجع إجمالي عدد حوادث الطرق المسجلة حتى نهاية مارس 2014 مقارنة بنفس الفترة من العام الفائت وكذلك عدد الوفيات والمصابين وهو ما يدل على أن خطة الدولة والمجتمع المدني لتوعية المواطنين بأهمية الالتزام بقواعد السلامة المرورية أتت ثمارها .. نتمنى أن يأتي اليوم الذي تختفي فيه حوادث السير من طرقنا تماما.

* احتفل العمال العرب مؤخرا بعيد العمال العالمي وسط ارتفاع كبير في نسبة الباحثين عن العمل والتي وصلت لأكثر من 11.5% .. فهل يرق المسئولون لحال هؤلاء الباحثين ويحاولون إيجاد الحلول الناجعة للقضاء على هذه المشكلة المزمنة ؟.

* دراسة أصدرتها اليونسكو تشير إلى أن الهواتف النقالة ساهمت في حل مشكلة الأمية في الدول النامية وأنها استطاعت أن تطور مهارات القراءة والكتابة لديهم .. إن هذه الدراسة تنبهنا إلى نقطة هامة جدا وهي أنه لو وظفنا وسائل التكنولوجيا الحديثة في محو الأمية لقضينا عليها تماما.

* الأزمة الأوكرانية ما أن تتقدم خطوة إلى الأمام حتى تعود خطوات إلى الخلف مرة أخرى .. وللأسف سبب الأزمة الأساسي الحرب بالوكالة التي تتم على الأراضي الأوكرانية بين أميركا وأوروبا من جهة وروسيا من جهة أخرى .. ومن وجهة نظري الحل الأمثل للخروج من هذه الأزمة هو أن تنظر الإدارة في كييف في تحقيق المصلحة العليا لكافة طوائف الشعب دون النظر لاعتبارات المصالح مع هذا الطرف أو ذاك.

* * *
مسك الختام
قال تعالى : "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون".

ناصر اليحمدي