[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
رغم الاحتفاء الواجب اظهاره لكل من يسعى إلى تحقيق السلام الدائم بالسودان ذلك البلد القارة رغم التجزئة التي أصابت وحدة اراضيه وموارده بعد انفصال جنوبه، إلا أن ظهور مبادرة أميركية في الآفق لعقد اجتماع يين الحكومة السودانية والمعارضة المسلحة فى العاصمة الفرنسية باريس خلال يومى الخامس عشر والسادس عشر من يناير الجاري، تبعث بالكثير من المخاوف المسبوقة بآمال عراض في أن يتحقق السلام في ربوع السودان العزيز.
وفيما تأتي المبادرة التي كشف عنها وزير الإعلام السوداني الأثنين الماضي متزامنة مع تأكيده على استئناف المفاوضات بين الحكومة والمعارضة حول جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور فى العشرين من نفس الشهر، يرتفع ثيرمومتر الخوف على وحدة السودان كلما تبين للمراقبين بأن هناك مبادرة خارجية، بل أميركية في الصورة، وذلك على الرغم امكانية أن يجزم كل متابع قاطعًا، بأنه قد لا يوجد سوداني داخل أو خارج السودان يرفض الوصول إلى تسوية نهائية لخلافات السودانيين رغم تباين رؤاهم حول الكيفية التي يمكن الوصول بها لمبتغى الاستقرار النهائي لأبناء الوطن الواحد.
بهذه البديهية في رغبة كافة السودانيين في تسوية خلافاتهم، تتسع قاعدة الآمال باتساع رقعة السودان وبتعدد ثقافات مجتمعه السوداني، وبذلك من الطبيعي أن تبدو أي مبادرة داخلية أو خارجية بمثابة أي قشة يمكن أن يتعلق بها اي غريق يتطلع إلى النجاة من دوامة الصراعات التي سادت في غرب السودان في دارفور وجنوب كردفان، وجنوبه الشرقي الذي اصبح عمليا يشكل جنوبه الجديد المتمثل في منطقة جنوب النيل الأزرق وكليهما يشكلان مساحة لا يستهان بها في اجمالي مساحة السودان.
وللقناعة بأنه ما من أمل تحقق إلا ببذل جهد عملي يستهدف تحقيقه، يمكن اعتبار القبول بالمبادرات الخارجية في العمل على تقريب وجهات النظر بين كافة الأطراف فرصة لردم الهوة الخلافية حتى يمكن الوصول الى السلام الدائم لأهل السودان، خصوصا وان محاولات الجمع بين الفرقاء بالحوار السوداني السوداني من الداخل ما زالت في حاجة إلى أن ينضم إليها أكثر من عشرين كيانًا من الأحزاب والحركات المنضوية تحت لواء تحالف القوى الوطنية المعارضة وتحالف أحزاب الوحدة الوطنية التي قاطعت الحوار الوطني الذي شهدت العاصمة السودانية الخرطوم فعالياته في اكتوبر قبل الماضي.
ولكن الأمل نفسه، يبدو الآن كطعم السكر الممزوج بالملح، خصوصا عندما يتبين أن المبادرة التي مقر اجتماعاتها العاصمة الفرنسية باريس، هي في الأصل مبادرة أميركية .. وبشأن من؟ .. انها بشأن السودان الذي سبق لأهله عيش تجربة الوعود الأميركية في محادثات السلام بين السودان والحركة الشعبية بشأن جنوب السودان، حيث انتهت تلك المفاوضات التي اطلق عليها "حلمًا" اسم محادثات السلام "الشامل" في السودان بانفصال الجنوب عن السودان، في حين أغدقت اميركا على السودان حينها بالوعود الوردية بأن ترفع عنه الحصار الاقتصادي، وان ترفع اسمه عن قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولكن ما ان تحقق انفصال الجنوب الا وتنصلت أميركا عن وعودها وربطت تنفيذها لها بملفات أخرى، فكانت النتيجة ان فقد السودان الجزء الأكبر من موارده النفطية دون ان يحقق حلم استثمار موارده الأخرى الكامنة بشكل اكثر فاعلية لصعوبة حصوله على التكنولوجيا المتطورة في هذه المجالات، كما لم يتمكن من الاندماج في السوق العالمي ليطور آلياته الاقتصادية الأخرى بحكم الحصار الأميركي والاوروبي المفروض على شعبه حتى اليوم.
وعلى ضوء هذه التجربة في الوساطة الأميركية، تبدو المخاوف من المبادرة الأميركية الحالية، أمرا مشروعا، خصوصا وان السودان لا يحتمل الآن اي حالة جديدة من التشظي والتفتيت، آملين في أن تعي كافة الأطراف اهمية تجاوز خلافاتها حول الثروة والسلطة ومفهوم العدالة والمواطنة دون الاتكاءة (الكاملة)على مظلة المبادرات الخارجية التي قد لا تخلو من أجنداتها الخاصة بها ، مع أهمية الأستفادة مما (يمكن) الاستفادة منه في تلك المبادرة للوصول الى السلام المنشود.
فليظل توقف الحرب في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق هدفًا ساميا للجميع حكومة ومعارضة الذين ينبغي ان يكون لديهم الاستعداد لتقديم التنازلات اللازمة من أجل الوطن - الواحد-، حتى يتفرغ الشعب السوداني بكافة أطيافه لبناء السودان (الوطن الواحد) وذلك سدًا لثغرات المزيد من التقسيم والتجزئة والفرقة ، لينعم السودان بالسلام في كل ربوعه وفق منظومة بناء ديمقراطي حقيقي يتمتع فيه الجميع بحق المواطنة والمشاركة في البناء بلا استثناء فالسودان كما يؤمن الجميع ويرددون دائمًا بأنه حق لجميع السودانيين مهما اختلفت مشاربهم السياسية.

من أسرة تحرير الوطن
[email protected]