[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2015/03/must.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أحمد مصطفى[/author]
”هناك أمنية عامة اتمناها بشكل شخصي في العام الجديد وهي أن يعود العرب إلى لغتهم ويتوقفوا عن ذبحها في كتاباتهم وحديثهم وأن يأخذوا أكبر فترة راحة ممكنة من وسائل التواصل عبر الانترنت كي يحسنوا من لغتهم (أداة التواصل الأولى والأساسية والأهم). ولست أدري إن كان استنتاجي صحيحا أم لا، لكني أتصور أن حسن اللغة مرتبط بحسن الخلق.”
ــــــــــــــ
أما وقد دخلنا العام الجديد وانقضت منه بضعة أيام، واستنادا إلى ما كان في العام الماضي، يمكن الآن الحديث عن أمنيات العام الجديد الذي بدأ بموجة برد قارس وتفاؤل اقتصادي رغم الضغوط التي تتعرض لها كافة الدول الغنية منها والفقيرة. وأول ما يتمناه المرء أن يشهد عام 2017 تراجعا في كمية الدماء التي تسيل في المنطقة، سواء من صراعات الحروب في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها أو نتيجة العنف المحلي أو الناجم عن الإرهاب في منطقتنا وبقية العالم. فمنذ بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ومنطقتنا تشهد اضطرابات في أكثر من بلد أسالت أنهارا من الدماء وخلفت دمارا يحتاج عقودا من البناء وتركت ملايين اللاجئين والمشردين. لذا، أول وأهم أمنية في العام الجديد أن ينتهي ذلك كله ـ أو على الأقل تتراجع وتيرته.
ربما تشمل تلك الأمنية أمنيات كثيرة، يفكر فيها البعض بالنسبة لبلده وأهله ومحيطه، لكن طبيعتنا البشرية ألا نكتفي بأمنية وأن تتعدد أمانينا عل واحدة منها تتحقق إذا ذهبت البقية أدراج رياح العام. وتبدأ أمانينا مما هو شخصي تماما إلى ما يخص الإنسانية جمعاء. وعلى المستوى الشخصي، فأول أمنية ربما تكون ألا يفقد المرء عمله في 2017 (إذا كان لديه عمل) في ظل ما يجري في أغلب الأعمال من إعادة هيكلة وضبط للنفقات وزيادة كفاءة التشغيل بسبب الضغوط الاقتصادية. ومن ليس لديه عمل فأمنيته الأولى أن يجد عملا. ومع ما شهده الاقتصاد العالمي على مدى العامين الماضيين، يتوقع أن يكون 2017 "عام الحسم"، بمعنى أنه إما يبدأ الاقتصاد في التحسن أو يدخل في ركود نتيجة أزمة قد تؤدي إلى كساد كبير.
ولعل هذا يجعل التفاؤل بتحقيق أمنية العمل والدخل منطقيا، فاحتمالات التحسن الاقتصادي لا تقل عن احتمالات التدهور ومن ثم يمكن أن يحافظ من يعمل على وظيفته وأن يجد من لا عمل له عملا. وإذا كان عام 2016 تميز بحالة "عدم يقين" بشأن الاقتصاد، فإن العام الجديد سيقطع الشك باليقين ولن ينتهي نصفه إلا وسيكون وضح للجميع إن كان عام بداية تحسن أو عام أزمة. وأمنيتنا أن تكون الأولى وليست الأخيرة. وتلك أمنية عامة وخاصة في آن، العام فيها أن التحسن الاقتصادي سيعني بداية حل مشاكل بلاد وشعوب كثيرة والخاص فيها ألا أفقد وظيفتي وأن يجد ابني عملا. وهي تشبه إلى حد ما الأمنية الأولى بتراجع حدة الصراعات، فكما أن ذلك قد يعني وقف القتل والدمار وبدء تسوية سياسية لمشاكل الملايين كأمنية عامة فإنه يعني أيضا أن نتجنب الحسرة والإحساس بالعجز ونحن نرى الدم والنار والدمار يحيط بنا ولا نملك حيلة للتصدي لكل هذا الخراب.
هناك أمنية عامة اتمناها بشكل شخصي في العام الجديد وهي أن يعود العرب إلى لغتهم ويتوقفوا عن ذبحها في كتاباتهم وحديثهم وأن يأخذوا أكبر فترة راحة ممكنة من وسائل التواصل عبر الانترنت كي يحسنوا من لغتهم (أداة التواصل الأولى والأساسية والأهم). ولست أدري إن كان استنتاجي صحيحا أم لا، لكني أتصور أن حسن اللغة مرتبط بحسن الخلق. ونظرا لما شهدته الأخلاق ـ في العالم عموما ـ من تدهور في العقود القليلة الأخيرة يتمنى المرء أن يكون عام 2017 عام صحوة أخلاقية. وظني أيضا أن استعادة العرب للغتهم قد تسهم في اعتدال ميزان أخلاقهم. ومن غير المنطقي القبول بحجة أن تدهور اللغة (والقيم والخلاق) مرتبط بوضع اقتصادي ـ لكن حتى لو سلمنا بذلك جدلا فكون هذا العام على الأغلب عام الحسم اقتصاديا فالفرصة أفضل لتتحقق هذه الأمنية.
أمنية أخيرة "على اعتاب السنة الجديدة" هي أن يكون هذا العام بداية نهاية فترة "الميوعة" العالمية في مرحلة الانتقال التي طالت من نظام قديم إلى نظام جديد، وليكن أي نظام كان. فطريق الفوضى الذي نسير عليه، ومحاولات الترقيع للقديم والخوف من التعرض لجذور الأمور، غير مستدام ولا يمكن التحكم به وإذا طال أكثر من ذلك سنصل إلى نقطة "لا عودة" يصعب بعدها تعديل المسار إلى ما هو مستقيم. وتلك برأيي امنية تضم تحتها كافة الأمنيات، وتشكل كل الأمنيات من عامة وشخصية مكوناتها. ومع وجود قيادة جديدة في عاصمة أقوى دولة في العالم، واستعداد قيادات دول العالم الرئيسية الأخرى للتعامل مع سياسة أميركية جديدة قد تصبح هذه الأمنية غير بعيدة المنال.
مررنا في العامين الأخيرين بضغوط هائلة على كل الأصعدة، وشهدنا ما لا طاقة لنا به، فلتكن أمنياتنا للسنة الجديدة أن تخف عنا تلك الضغوط وأن يكون العام بداية مسار جديد نحو مستقبل أفضل. ولا تكفي الأماني بدون عمل، فلنعمل على تحقيق تلك الأمنيات وشعارنا "تفاءلوا بالخير تجدوه".

د.أحمد مصطفى
كاتب صحفي مصري