إذا كان الرئيس المنتخب أعلاه قد أرجأ معركته ضد الإعلام الأميركي الذي حاول جاهدًا الإضرار بحملته الانتخابية وبشعبيته، مكتفيًا بتجاهله واعتماد "التغريد" لإيصال رسائله الإعلامية الواسعة الانتشار عبر متابعيه المليونيين، فإن معركته ضد وكالات المخابرات والمعلومات قد بدأت فعلًا وبسخونة مخيفة، بوصفها معركة ذات أصداء محلية وعالمية مدوية.

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]

للمرء أن يتيقن الآن بأن دونالد ترامب قد مضى بما وعد به عبر أشهر الانتخابات الرئاسية الساخنة الماضية، من مواجهات، خاصة بقدر تعلق الأمر بفتحة النار على: (1) مجتمع المخابرات الأميركي، (2) الإعلام الأميركي. وكلاهما ستكون من المواجهات الداخلية ذات الوقع الكوني الأصداء.
إذا كان الرئيس المنتخب أعلاه قد أرجأ معركته ضد الإعلام الأميركي الذي حاول جاهدًا الإضرار بحملته الانتخابية وبشعبيته، مكتفيًا بتجاهله واعتماد "التغريد" لإيصال رسائله الإعلامية الواسعة الانتشار عبر متابعيه المليونيين، فإن معركته ضد وكالات المخابرات والمعلومات قد بدأت فعلًا وبسخونة مخيفة، بوصفها معركة ذات أصداء محلية وعالمية مدوية. أما سبب ذلك، فهو ما أشيع من أخبار (غير مؤكدة حتى الآن) بتدخل روسيا عبر الأدوات الإلكترونية Syber في الانتخابات الرئاسية الماضية لترجيح كفته على حساب كفة المنافسة، هيلاري كلينتون. وإذا كانت الرصاصة الأولى التي أطلقها ترامب من مسدسه الشخصي كان قوامها استذكار أخطاء وكالات المخابرات المميتة، ومنها خطأ اتهام العراق بامتلاك أسلحة دمار شامل قبل الغزو (2003)، فإن رد الوكالات أعلاه قد تميز بضبط النفس والتريث حتى جاء اليوم (وأقصد به يوم استجواب لجنة الاستخبارات في الكونجرس لمديري الوكالات أعلاه، 5 يناير، 2017) الذي تفجر به الارتطام بين الرئيس القادم والوكالات الاستخبارية الجبارة أعلاه. لقد كرر مديرو هذه الوكالات، ومنهم أكبر جاسوس في الولايات المتحدة جيمس كلابر، James Clapper، تأكيدهم على أن القرصنة الإلكترونية الروسية قد حدثت بالفعل، بل ولم تزل فاعلة حتى اللحظة، الأمر الذي يلقي شيئًا من الشكوك على أحقية فوز ترامب على كلينتون في الانتخابات. وهذا، كما يبدو، هو ما اثار حفيظة الرئيس المنتخب، مكهربًا أعصابه، خاصة بعدما قال كبير جواسيس أميركا، كلابر، بأنه ليس من الصحيح أن لا نميز بين أن يشكك المرء بخلاصات وكالات الاستخبارات، من ناحية، وبين ذمها والاستخفاف بها على نحو صريح، بدعوى أن هذا ما فعله ترامب عمليًّا.
وأطرف ما في الأمر في هذا السياق هو الاستخفاف الذي أبداه ترامب قبل بضعة أشهر عندما رفض الاستماع الى ملخصات وخلاصات وكالات المخابرات، مدعيًا بأن ما تقدمه هذه الوكالات له لا يزيد عن تكرار يومي ممل. وإذا كان ممثل وكالة استخبارات الدفاع (البنتاجون) قد أشار إلى خطورة إعلانات ترامب من النوع المذكور في أعلاه على معنويات العاملين في الوكالات التجسسية أعلاه، فإن ترامب قد كرس استخفافه بها عندما قال بأن لديه شخصيًّا معلومات لا تعرفها حتى هذه الوكالات المتخصصة: وكأنه يتجاوز خدماتها المعلوماتية جملة وتفصيلًا!
هذه كانت أولى شرارات المواجهة بين الرئيس المنتخب ومجتمع المخابرات، وهي مقدمة لمعركة قد تكون مثيرة للغاية، معركة تستبق المعركة الأكثر وقعًا، المتوقعة بينه وبين وسائل الإعلام الأميركي، تلك الوسائل التي نالت منه ما يكفي من الاستخفاف وتهم عدم الدقة والتحيز. وتلك ستكون، كما أتوقع، معركة عنيفة كذلك قد تنتشر شرارتها على مواقع التواصل الاجتماعي التي راحت، هي الأخرى، تتعرض للنقد والتهجم من آن لآخر.