[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” الذي استغربته في كتابي هنتنجتن وسورمان هو الإقرار بأن هوية الشعب الأميركي ترتكز بالأساس على الدين المسيحي وتحديدا على جناحه البروتستنتي المتطرف وأن الوشائج الدينية هي الأقوى بين المكونات الأخرى للهوية الأميركية ويروي المفكر كيف تمت عمليات ما سماه هو نفسه التطهير العرقي منذ عام 1830 للهنود الحمر السكان الأصليين للقارة الأميركية، حين أصدر الرئيس/ أندرو جاكسن قانون تهجير الهنود الذي مكن البيض من "أبعاد قبائل كاملة من ولايات جنوب وغرب الميسيسيبي.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

آفاق العرب (ومعهم الأوروبيون) مندهشون بعد الإعلان عن فوز ترامب بالرئاسة ولم يندهش لا (نتنياهو) ولا (بوتين) ولا (كسين جين بنج) والسبب البسيط هو أننا نحن العرب (مع قاطرتنا الفكرية الأوروبية) وحدنا الذين لا نحمل أنفسنا مشقة التحليل والتفكير معولين في الأغلب على الغريزة والحدس والكلام الدبلوماسي المعسول الذي يقال لنا! هذه خطيئتنا! نحن لا نستشرف الأحداث ولا نتوقع التحولات ولهذا السبب نضع أنفسنا و مصالحنا في مهب الرياح السياسية العالمية دون استباق ضروري للتاريخ حتى لا يسحقنا. نحن ندرك منذ الحرب العالمية الثانية أن الولايات المتحدة تملك 90% من أوراق العلاقات الدولية كما كان يقول لنا بورقيبة ولكننا لم نقرأ ما يسميه المفكر الفرنسي (ألن مينك) الهندسة الجينية للأمم. وأذكر أنني سمعت أحد الخبراء الإسرائيليين في السياسات الدولية يقول:"نحن نعرف الثوابت السياسية للولايات المتحدة مهما تغير الرؤساء وتعاقبت الأحزاب وهو ما يجهله العرب" ولعل بعض قرائي يقاطعني اليوم قائلا "ألم تدرك أن روسيا هي التي تحرك الأحداث في الشرق الأوسط وليست واشنطن! نعم هذا في الظاهر المعلن إنما الحقيقة أن موسكو لا يمكنها أن تأخذ قرارا واحدا يتنافى مع مصالح واشنطن وذلك منذ الحلف القوي الذي انعقد بين كيري ولافروف (سايكس بيكو جديد بعد قرن بالضبط) وتعالوا معي نفهم خفايا الجينات الأميركية. صدرت في السنوات الأخيرة كتب عديدة لم نقرأها ولم نترجمها للعربية كتبها مفكرون كبار وساسة متمرسون الكتاب الأول أميركي ملأ الدنيا وشغل الناس وهو صاحب نظرية صراع الحضارات صمويل هنتنجتن ، والثاني فرنسي وصاحب عشرين كتابا حول التحولات الكبرى التي تهز العالم في مجالات الاقتصاد والخيارات الإستراتيجية والمجتمعات الحديثة. كتاب/ هنتنجتن المعروف بعنوان:" من نحن ؟ تأملات في هوية الشعب الأميركي" وكتاب/ الفرنسي جي سورمان بعنوان :" صنع في أميركا" MADE IN USA تفضل كاتبه بإهدائه لي مشكورا. و كتب أميركية وفرنسية عديدة منها كتاب المثقف الأميركي المسلم من أصل هندي (فريد زكريا) وعنوانه (العالم ما بعد الولايات المتحدة) وكتاب لرئيس الحكومة الفرنسي الأسبق (ميشال روكار) حول الأزمات الدولية وآخر للوزير الفرنسي المستقيل من أجل حرب الخليج (جون بيار شوفانمون) بعنوان (تحدي الحضارة) والأخير الذي صدر منذ اسبوع لرئيس الحكومة الفرنسية المساند الأمين لقضايا العرب (دومينيك دو فيلبان) بعنوان (مذكرات السلام في زمن الحرب) ولكل هذه الكتب محور أساسي هو الهوية الأميركية وخفايا الأزمات الكبرى التي تهمنا نحن العرب بالدرجة الأولى. فالشعب الأميركي أحببنا أم كرهنا يقع في مركز الزلازل الدولية وفي كل مكان وزمان منذ الحرب العالمية الثانية. فأمة عملاقة كالأمة الأميركية لابد أن تكون في قلب الزوابع والتوابع التي تعصف بالعالم وتغير التاريخ وتعدل الجغرافيا. ولذلك أصبح البحث عن هوية هذه الأمة شأنا لا يهم الأميركان فحسب بل يهم الناس أجمعين. الذي استغربته في كتابي هنتنجتن وسورمان هو الإقرار بأن هوية الشعب الأميركي ترتكز بالأساس على الدين المسيحي وتحديدا على جناحه البروتستنتي المتطرف وأن الوشائج الدينية هي الأقوى بين المكونات الأخرى للهوية الأميركية ويروي المفكر كيف تمت عمليات ما سماه هو نفسه التطهير العرقي منذ عام 1830 للهنود الحمر السكان الأصليين للقارة الأميركية، حين أصدر الرئيس/ أندرو جاكسن قانون تهجير الهنود الذي مكن البيض من "ابعاد قبائل كاملة من ولايات جنوب وغرب الميسيسيبي. ويذكر/ هنتنجتن كيف أن القاضي بالمحكمة العليا/ جون مارشال أقر تلك الممارسات باسم الاختلاف الديني، بل ونص الحكم على أن الشعب الهندي هو ( حرفيا ) شعب مستعبد وتابع! وذلك للتذكير بقانون الجنسية الصادر عام 1790 والقاضي بأن الجنسية الأميركية لا تصح إلا للبيض الأحرار! وهذه التعريفات انطبقت أيضا على الأفارقة العبيد الذين سعى الرؤساء الأميركان ومنهم أبراهام لنكولن إلى تهجيرهم الى قارتهم الأصلية أفريقيا وبالفعل تمت إعادة عشرات الآلاف منهم إلى سواحل القارة السمراء ومن ثم تم إنشاء جمهورية ليبيريا الابنة الشرعية للعنصرية الأميركية في القرن التاسع عشر. ويعيد هنتنجتن للأذهان بندا من بنود الدستور الأميركي لعام 1857 الذي ينص بصريح العبارة على أن الزنوج يشكلون طبقة من البشر المنحطين والمستخدمين مؤكدا بأن هذا الوضع لم يتغير الا منذ 1954 مع قانون عدم التمييز المدرسي، ثم عام 1964 مع صدور قانون الحقوق المدنية! يقول هنتنجتن بأن الشعب الأميركي المتمسك بالنزعة الدينية يعتقد بأن الولايات المتحدة هي اسرائيل قبل نشأة دولة اسرائيل لأن لديهم قراءة انجيلية لتاريخ أميركا، فهي أيضا شعب الله المختار.