لم يكن الحال بذات الطمأنينة التي عهدها أبو عبدالله قبل بضع سنوات حين ذهابه لأداء فرائض الصلاة في مسجد القرية التي هي الأخرى تبدل حالها ولم تكن بذات الهدوء والسكينة التي عهدها كل أهالي تلك القرية الوادعة بين أحضان الطبيعة.
أكثر ما يقلق أبوعبدالله اليوم وهو في عمر تجاوز الثمانين عاما ، أنه حينما يريد أن يعبر الشارع الفاصل بين بيته ومسجد القرية ، فأنه أصبح لابد أن يقف متكئا على عصاه الغليظة لمدة دقيقة او اكثر ، كيلا يفاجئه مرور شاب متهور جاء يقود سيارته أو سيارة احد أفراد أسرته بطيش وبلا مبالاة ، أو أن يأتيه شاب متهور يستعرض بسيارته التي تفنن في تزويدها بكل ما يمكن أن يحقق أعلى درجات الازعاج والخوف لدى الآخرين خاصة منهم المارة ، إلا أنه ومع ذلك لم يكن وقوف الوالد ابو عبدالله على الرصيف ضامنا لسلامته ، فهناك كثيرون أصيبوا في مواقع ظنوا أنها آمنة لمرور أو وقوف المشاه.
مشاهد الاستهتار والطيش واللامبالاة أصبحت اليوم كثيرة ومتكررة وكأن الأرواح أضحت رخيصة لدى البعض ، فكم من المشاهد المؤلمة التي رأيناها في حوادث خلفت وراءها خسائر بشرية ومادية لا يمكن أن تعوض ، وكان من الممكن منع حدوثها لولا وجود الفوضى واللامسئولية من قبل بعض الشباب المغتر بطاقته وفتوته.
قد نثقل هنا بالمسئولية على جهاز شرطة عمان السلطانية ، لكن في حقيقة الأمر ليس أمامنا إلا أن نكرر ونلح بالطلب على أفراد هذا الجهاز من أجل تشديد العقوبات الرادعة والحزم ضد كل من تسول له نفسه تهديد سلامة وطمأنينة الآخرين فقد زاد الأمر عن حده الذي يمكن التغاضي معه، فليس مقبولا أن تقوم فئة من الجهلاء والشباب الطائشين بإغلاق الطريق العام بحجة التعبير عن الفرح خلال زفة العرس وما يصاحب ذلك من فوضى التسابق والتفحيط والاستعراض، وليس مقبولا أن يقوم بعض الشباب بالازعاج والتفحيط وسط الأحياء السكنية ، وإن بادر أحد من الأهالي بنصحهم أو الكتابة أو الابلاغ عنهم بقصد تحقيق السلامة والمصلحة العامة فسوف يكون مصيره التهديد والوعيد في حاله وأهله وماله، عليه ومع كل ذلك فانه من المؤمل أن تقوي شرطة عمان السلطانية في وسائل الردع والعقوبة بقدر ما تستطيع لمنع تزايد فوضى الشباب المستهترين والمرخصين بأرواحهم وأرواح الغير، وهنا تأتي المسئولية كذلك في جانب الجهات التشريعية التي من المنتظر أن تعمل على تشريع إجراءات أكثر صرامة لتتمكن من خلالها الجهات المختصة من القيام بمسئولياتها تجاه من يتجاهلون إحترام الأنظمة والقوانين التي تنظم حياة الأفراد في المجتمع وتنظم معاملاتهم مع بعضهم البعض، كما أن المجتمع ليس ببعيد هو الآخر عن هذه المسئولية بل على أفراده التعاون ، وفي أقل ذلك عدم الوقوف الي جانب المخطئ الذي بمجرد مايتم التحفظ عليه من قبل الجهات المختصة لمحاسبته على خطأه فيبدأ التحرك والمطالبة بالإفراج عنه ومن ثم مسامحته، حيث أننا نصبح هنا كمثل الذي يحاول وضع لبنات البناء ويأتي آخر من ورائه ليهدم ما بناه .
ختاما ، مع كل حادث مؤلم أو مشهد مزعج ، ومع كل خوف وانزعاج يبديه مسن أو طفل ، فإننا نتذكر أن لا شيء أغلى من الروح التي وهبها الله لنا لنحيا بها آمنين مطمئنين داعين إلي الخير والمحبة والوئام.

علي البادي [email protected]