[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
أحد السياسيين اللبنانيين أبرز صورة من ذاك الزمن العربي الجميل الذي هو زمني ، زمن جيلنا ، انبعاث الحلم القومي بكل تجلياته التي عشناها ورأينا صورها الزاهية وهي تخفق في وجداننا.
الصورة عبارة عن باص طويل قديم العهد كتب على جانبيه " بيروت، دمشق ، عمان ، القدس" .. تلك الطريق الطويلة كانت سالكة بلا منغصات وبلا موانع .. فقد كانت فلسطين هي المحطة الأخيرة التي يسلكها الباص، انطلاقا من بيروت التي كان يتجمع فيها العرب وخصوصا الطلاب القادمين من فلسطين.
الأهم في ذلك الزمن أن لاحاجة لجواز السفر، فقط الهوية تكفي، فكل اللسان المتحدث داخل الباص عربي بامتياز، وصاحب المقال سافر في مطلع السبعينيات إلى عمان عاصمة الاردن بالهوية فقط ، وكان ألمي عميقا لأن القدس كانت قد احتلتها إسرائيل في العام 1967 ، وهي العاصمة التاريخية لفلسطين ، ومحج المسلمين بكل اعتبارات وجود المسجد الأقصى ومعناه التاريخي الإسلامي.
كان الباص يتهاوى بين تلك العواصم، حاملا زوارا، وقبلها عبق من هذه العاصمة او تلك، من المكان الى المكان، ولم تكن الحدود صعبة ومعقدة، فالكل كان يعبر بلا أسئلة وبلا خوف، ومن الانطلاقة الى الهدف تظل عين المسافر على الطريق المزين بالخضرة وبالماء، وحتى بعض الصحراء كان لطيفا.
انقطع هذا الطريق يوم احتل الاسرائيلي القدس وكل فلسطين اثر العام 67 .. ومع تقدم الأيام صارت الحدود صعبة أيضا، والأصعب فيها أسئلة الشرطة وملفات تبحث عن سياسيين او مجرمين وهاربين من العدالة. ويوم دخل الكومبيوتر ازدادت دقة الشرطة في التعامل مع المطلوبين واولئك المسافرين.
على كل... لكل من يستمع الى اغنية " القدس العتيقة " للمطربة فيروز ، فان قصتها مروية داخل كلماتها الواضحة بعدما كان الرحابنة وفيروز قد زاروا المدينة، فجاءت الكلمات"مريت بالشوارع / شوارع القدس العتيقة/ قدام الدكاكين البقيت من فلسطين/ حكينا سوا الخبرية/ عطيوني مزهرية/ قالوا لي هيدي هدية من الناس الناطرين ". الناطرون هنا أو المنتظرون هم المطرودون من فلسطين، اللاجئون في أصقاع الأرض، العاقدون العزم على العودة الى بلدهم وطنهم فلسطين وليس مسموحا لأحد خيانتها مهما كبر مقامه او كبرت قوته.
كلما تطلعت في الصورة التي كانت حدثا بالنسبة لي ، اخذتني الأيام السالفة تلك ، بل شدتني إلى عمقها حيث كان العربي مثلنا في بيروت او دمشق او عمان لايشعر بأن ثمة مسافة بينه وبين شقيقه في القدس أو رام الله ، ثمة مركبة تقطع المسافات بزهو المسافرين المتحمسين للوصول إلى هدفهم. هكذا كان الوصول الى فلسطين سهلا ، ومن فلسطين الى صحراء سيناء فمصر ومنها إلى بلاد المغرب العربي. هكذا رحل هاربا مؤسس الحضارة الأندلسية صقر قريش بوم حاول العباسيون قتله، عبر تلك الطرقات ووصل إلى أسبانيا وأسس مملكة عربية إسلامية ضج بمنجزاتها الحضارية العالم.
أيام صارت من الماضي الجميل، ومن حلاوة الاعتراف بذلك أن كل جميل هو من ذاك الماضي ومن روحه. حتى الأجيال الشابة التي لم تعش سحر تلك الأيام تتبنى تلك التمسية وتتمسك بها. سقى الله تلك الأيام، لكن ما نفع الحنين أمام العالم العربي الذي صار صعب التداول بين أبنائه.