”كان على وفد المعارضة, التي شاركت في المؤتمر, وقبل أن يحزم حقائبه للسفر إلى أستانا, إدراك حقيقة المتغيرات, محليا في سوريا, والأخرى على الأصعدة الدولية والإقليمية والعربية, المتمثلة فيما يلي: أن الوضع العسكري الرسمي السوري في حسابات موازين القوى العسكرية البحتة, والارتباط الموضوعي بين حقائق الميدان والحسابات السياسية, قد تجاوز, بعد معارك حلب, مقاييس التعادل إلى وضع الغلبة الميدانية,”

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]

قدرنا أن الظرف قبل بدء أعمال مؤتمر العاصمة الكازاخية أستانا, سيجبر المعارضة السورية المشاركة في أعماله, على حقيقة إدراك هزيمتها في جبهة حلب, وأنها أتت إلى المؤتمر بنوايا صادقة للحل السياسي, لكن للأسف, ما زالت المعارضة راكبةٌ رأسها!, فالذي استمع لتصريحات الناطقين الإعلاميين باسم المعارضة قبيل وأثناء المؤتمر, كما مداخلة المدعو محمد علوش رئيس الوفد المعارض, يخرج بنتيجة مؤداها, أن المعارضة ما زالت تعيش وهما, تتخيله عقول قادتها. ومثلما قال بشار الجعفري رئيس الوفد الرسمي السوري, أن لغة المعارضة, تحلت بالاستفزازية العالية, وأن علوش خرج عن اللياقة الدبلوماسية,عندما ألقى كلمة لا صلة لها بموضوع الاجتماع, شكلت تطاولا على أهمية الجهود الجبارة التي بذلتها الدول الضامنة لوقف إطلاق النار وتثبيته من خلال المؤتمر, وإلا, فما العلاقة بين الحق الشرعي السوري في مهاجمة جبهة النصرة الإرهابية (الفرع السوري للقاعدة), التي باحتلالها لمنطقة نبع بردى, تمنع الماء عن الملايين من سكان دمشق لفترة تقارب الشهر, وبين تثبيت وقف إطلاق النار, والتوقيع على جملة مبادئ تشكل أساساً للحل السياسي؟.
إن من يدافع عن جبهة النصرة الإرهابية, التي اقترفت ولا تزال جريمة حرب في عين الفيجة, بتفجيرها جزءا من النبع, وتسميم مياهه بالسولار, لا يريد حلا سياسيا ينهي الصراع في سوريا. لقد دافع رئيس الوفد المعارض محمد علوش عن النصرة, من خلال اعتباره أن تصدي الجيش السوري لهذه الجماعات الإرهابية, هو خروج عن الاتفاقيات, في حين أنه من البديهي لأي سياسي, معرفة أن النصرة ليست طرفا في الاتفاقيات, وهي بالتالي قراءة مغلوطة من الوفد المعارض, وسوء تفسير من قبلها للاتفاقيات, التي وقعت عليها.
كان على وفد المعارضة, التي شاركت في المؤتمر, وقبل أن يحزم حقائبه للسفر إلى أستانا, إدراك حقيقة المتغيرات, محليا في سوريا, والأخرى على الأصعدة الدولية والإقليمية والعربية, المتمثلة فيما يلي: أن الوضع العسكري الرسمي السوري في حسابات موازين القوى العسكرية البحتة, والارتباط الموضوعي بين حقائق الميدان والحسابات السياسية, قد تجاوز, بعد معارك حلب, مقاييس التعادل إلى وضع الغلبة الميدانية, بالتالي فإنه الفارض للسياسة, وليس العكس, لذا لا يصبح أي معنى لقول علوش, بأن الحل يبدأ من تنحية الرئيس الأسد! هذا الشرط, الذي تخلت عنه, حتى تركيا مؤخرا, بعد أن كان هدفا رئيسيا لها. أيضا, لو أخذ وفد المعارضة في حساباته, طبيعة التناقض القائم بين أطرافها المتعدة, وصولا إلى الاقتتال, والإمكانية الواقعية لمزيد من تشرذمها, والصراع بين جماعاتها, لكان أكثر تواضعا في تصريحاته.
أما بالنسبة للمتغيرات الدولية, ففي حملته الانتخابية, ركز ترامب على توجهه القادم, بالانكفاء نحو الداخل الأميركي, والتعاون مع روسيا لضرب الإرهاب, في حالة نجاحه. كما أن بريطانيا تعيش تداعيات الاستفتاء الشعبي, بالخروج من الاتحاد الأوروبي. أيضا, فإن فرنسا تعيش مرحلة الإعداد للانتخابات الرئاسية القادمة, وأن هولاند أصبح بمثابة "بطة عرجاء" وفقا للتعبير الأميركي. لذا, لن تحظى المعارضة السورية بزخم الإمدادات لها, التي كالتي كانت تقدم لها في السابق. إقليميا, فإن هناك استدارة تركية واضحة بالنسبة للموقف من المعارضة السورية, لعب في حدوثها عاملان: تفاهمات إيرانية – تركية , وروسية- تركية, كما الأوضاع التركية الداخلية, وأن مراهنة المعارضة على تناقضات روسية – إيرانية, هي مراهنة بعيدة عن الموضوعية! والدليل, تجاوز التعارض الحاصل يبن الطرفين على دعوة أميركا إلى المؤتمر, بالاتفاق على تمثيل هزيل لها, من خلال السفير الأميركي في كازاخستان وكمراقب فقط, لا يحق له التدخل في جدول أعمال المؤتمر.
أما المتغيرات على الصعيد العربي, فأبرزها فيما يتعلق بالوضع المُستعرض, فإن العواصم العربية المعروفة, الحريصة على تدمير سوريا وقلب نظامها, والتي أصرّت ولا تزال على دفن رؤوسها في الرمال, فإن إشارة بسيطة من واشنطن, كفيلة بجعلها تعود إلى حالة انضباط عسكري صارم, الدليل, الذي نسوقه على صحة ما نقول, أن المعارضات التابعة لهذه العواصم, قد جرى استبعادها تماما من المؤتمر, لإدراك الأطراف الداعية, أنها معارضة فنادق الخمسة نجوم, ونهب الملايين من الأموال المقدمة لها, وهي معارضة جعجعة لا تملك أي ثقل حقيقي على الأرض.
جملة القول: إنه ليس فقط على المعارضة, إدراك كل المتغيرات السابقة, جيداً, بل عليها إدراك حقيقة أنها تعيش مرحلة الأفول, وأن لا مجال أمامها, سوى الجنوح إلى الحل السياسي, علها تخرج بنصيب منه, وإلا سيفوتها القطار.