[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
رغم عدم مرور أكثر من عام واحد على توقيعها في فبراير 2016، وعدم دخولها حيز التنفيذ بشكل كامل حتى اليوم، إلا أن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، باتت في الوقت الحالي مثار جدل بين الاقتصاديين، خصوصا أولئك الذين يرون في احتمال فشلها مؤشر تهديد لحرية التجارة الدولية، وذلك باعتبار أن أي زيادة في عدد الدول المنسحبة منها يعني عمليًّا إتاحة الفرصة لتطبيقات أوسع من "الحمائية التجارية" التي يعتبرها "الرأسماليون " وسيلة مهددة "لحرية التجارة الدولية".
وفيما توصف الحمائية بأنها سياسة تجارية فردية هدفها حماية المنتجات المحلية للدولة التي تطبقها عبر زيادة "الرسوم الجمركية" على السلع الأجنبية المنافسة للمنتجات المحلية، و"تحديد حصص" معينة لاستيراد السلع التي لها إنتاج محلي مشابه لها، واتباع إجراءات "مكافحة الإغراق"، و"تخفيض قيمة العملات المحلية"، فيرى المراقبون بأن فشل الاتفاقيات الجماعية، أو انهيار التكتلات الاقتصادية، هي الجسر الأكثر تمهيدًا لتسريع تطبيق سياسات الحمائية التجارية، وذلك باعتبار أن "العامل المشترك "بين كافة التكتلات الاقتصاد المعروفة عالميا هو "عدم الازدواج الضريبي" وتخفيض "الرسوم الجمركية" إن لم يكن إلغاؤها.
وكان الكثير من الاقتصاديين يرون في التكتلات الاقتصادية بمثابة عامل دفع لتحرير التجارة الدولية كونه يساعد على تدفقات السلع المهمة وتنشيط التجارة البيئية التي تعود بالأرباح على المنتجين بسبب اتساع أسواق التصريف بحكم أكثرية العضوية، وكذلك تحقيق الوفرة ومعقولية الأسعار للمستهلكين بسبب تخفيضات الرسوم الجمركية، ولذلك نشطت الدول للانضمام للتكتلات الاقتصادية "الناجحة" التي تلائمها وهي كثيرة مثل "الأسيان" و "البريكس" و "الكوميسا الأفريقية" و "مجلس التعاون الخليجي" و "مجموعة العشرين الصناعية الكبرى"، إلى جانب "الاتحاد الأوروبي" و"دول الشراكة عبر المحيط الهادي" و "دول النافتا" لأميركا الجنوبية و" الاتحاد الاقتصادي الأوراسي" الروسي وغيرها.
ونسبة لما حققته تلك التكتلات من نجاحات في الدفع بتحقيق حلم حرية التجارة العالمية التي لها اتفاقيتها الهادفة لتسهيل حركة التجارة العالمية دون عوائق حمائية وجمركية، الا ان الفترة الأخيرة منذ نهاية العام الماضي وحتى بداية العام الجاري شهدت الكثير من القرارات والإجراءات الجريئة التي توجس الاقتصاديون من أن تحدث حالة من إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي طالما أنها قد تمس بآليات عمل اثنين من كبريات التكتلات الاقتصادية الاقليمية التي بينها "الاتحاد الأوروبي" الذي هزه "البريكست" اي انسحاب بريطانيا منه، وانسحاب أميركا العضو المؤسس أمس الأول من اتفاقية "الشراكة عبر المحيط الهادي" التي تضم 12 دولة تشكل 40% من الاقتصاد العالمي بينها أميركا سابقا واستراليا واليابان والمكسيك وكندا وشيلي ونيوزيلندا وسنغافورة والبيرو وماليزيا وبروناي دار السلام وفيتنام.
وطالما أن لكل دولة الحق في معالجة قضاياها الاقتصادية بما يروق لها حسب مصالحها الاقتصادية الداخلية والخارجية، وهو نفس المبدأ الذي استندت اليه بريطانيا في قرار البريكس، وأميركا في قرارها بشأن شراكة عبر الهادي، فإن الحق نفسه سيظل بالضرورة مفتوحا للآخرين من الدول لتغليب مصالحها الاقتصادية الفردية وتعيد النظر في تنازلاتها السابقة خصوصا فيما يتعلق بمستوى تأثر عمليات توفير الوظائف للمواطنين المحليين للدول الأعضاء في التكتلات، وذلك في وقت تؤدي فيه الكثير من التسهيلات الاقتصادية التي توفرها العديد من التكتلات الاقتصادية الى تنقل الصناعات والمشروعات الاستثمارية من دولة إلى أخرى حسب وجود "عنصر القوى العاملة الرخيصة "، مما يتسبب في حرمان مواطني بلد ما من وظائف انتقلت مؤسساتها الصناعية إلى بلد آخر اقل تكلفة انتاجية كما تحسبت اميركا مؤخراً .
وبهذا يخشى الاقتصاديون من ان تؤدي الخطوة البريطانية والاميركية الأخيرة إلى إغراء دول أخرى لاتخاذ اجراءات مماثلة بهدف تفضيل تلبية المتطلبات الجماهيرية الداخلية، وبهذا قد تتاثر هيكلية الكثير من دول التكتلات الاقتصادية العالمية في وقت ارتفعت فيه اصوات الأحزاب اليمينية في كثير من الدول خصوصا الأوروبية منها. وعليه تتسع دائرة الخوف من أن تتغول الحمائية على حرية التجارة العالمية على المدى البعيد ... وسنرى.