تمثل القدرة على توفير الغذاء وتأمين مصادره قضية مشتركة تضطلع بها الأجهزة الحكومية التنفيذية إلى جانب المنظمات المحلية والإقليمية والدولية العاملة في هذا المجال، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي لا بد من وجود استراتيجية وطنية جامعة خاصة بالأمن الغذائي تعنى بها الدولة وترعاها حق الرعاية، وتنفذ برامجها من خلال المؤسسات المعنية بها وفق الأهداف والأدوار المنوطة بها، وهذا ما يتطلب بدوره قدرات إدارية كفؤة وقادرة على جمع وصهر الجهات العاملة والفاعلة في مجال الأمن الغذائي؛ لذلك من الخطأ أن يسند تنفيذ استراتيجية الأمن الغذائي إلى جهة بعينها مثل وزارة الزراعة فقط.
المناقشات التي دارت تحت قبة مجلس الدولة أمس أثناء استضافته معالي الدكتور فؤاد بن جعفر الساجواني وزير الزراعة والثروة السمكية، أضاءت جوانب عديدة في سياق الاهتمام الحكومي بإنتاج الغذاء وتحقيق الاكتفاء الذاتي منه، حيث إن تحقيق مفهوم الأمن الغذائي يتجاوز النطاق الضيق للمسؤولية التي تقتصر عادة على وزارة الزراعة والثروة السمكية وحدها، ليتعدى ليشمل الجميع، وأهمية أن تتضافر جهود كافة الجهات المعنية والعمل معًا من خلال منظومة متكاملة لتحقيق هذا الهدف.
إن قطاع الغذاء لا يختلف عن غيره من القطاعات الإنتاجية من حيث وجوب إيلائه الاهتمام الذي يليق مع دوره الكبير، وقطاع مثل قطاع الغذاء أهميته ليست بحاجة إلى عناء جهد للتعريف بها، وإعلاء شأنه، ومثلما أرسيت بنية قانونية تعنى بكل قطاع من قطاعات الإنتاج فإن من الأهمية بمكان أن تكون هذه البنية معدة وتحظى بالمتابعة والاهتمام والتحديث والتطوير وفق تطورات الأوضاع المحلية والدولية، مع أهمية وجود أجهزة رقابية تتولى مهام الإشراف على الغذاء للتأكد من مدى مطابقته للمواصفات والمقاييس العالمية لضمان سلامته وصلاحيته.
وعلى الرغم من أن الإطار العام لمنظومة الأمن الغذائي في السلطنة يتضمن السعي إلى تعزيز نسب الاكتفاء الذاتي، والاستثمار في إنتاج الغذاء وتحرير الاستيراد، ووضع نظام للإنذار المبكر، بالإضافة إلى تعزيز منظومة صوامع الغلال والمخازن، إلا أن قطاع إنتاج الغذاء وتأمينه لا يخلو من تحديات حاله حال أي قطاع آخر، حيث أرجع معالي وزير الزراعة والثروة السمكية التحديات التي تواجه الأمن الغذائي على الصعيد العالمي إلى الزيادة المستمرة في استهلاك الغذاء، مع ارتفاع أعداد سكان العالم وتدهور الأراضي وتقليص المساحات الزراعية، وتراجع مستوى كمية ونوعية المياه الجوفية والتغيرات المناخية والأزمات والكوارث الطبيعية، وإنتاج الوقود الحيوي والهجرات من الريف إلى المراكز الحضرية، وبلادنا ليست بمعزل عن هذه التحديات؛ فكما هو معروف أن شح المياه واستنزافها، وتراجع مساحة الأراضي المزروعة والأيدي العاملة الوافدة غير الماهرة، وعزوف الشباب، والتصحر وعدم كفاية الأعلاف، ونقص الكوادر البيطرية وغياب الاستثمارات الحكومية وغيرها أبرز ما تواجه القطاع الزراعي "النباتي" والحيواني، ناهيك عن أن القطاع السمكي هو الآخر لا يقل في التحديات عن القطاعين الزراعي والحيواني، وهذا ما يتطلب خطوات إجرائية وعملية تتناسب والدور الكبير الذي يمثله الأمن الغذائي لحياة الناس، والبحث عن وسائل ترفع مستوى المنجز في هذا الجانب، سواء من حيث تشجيع المشاريع البحثية العلمية التي لها مردودها وأثرها، وتشجيع الزراعات المحمية ومضاعفة الدعم، ومضاعفة المراقبة الإشرافية، وتوظيف التقنيات الحديثة في الزراعة والري، وتحسين طرق الحصاد والتخزين والتبريد والتهوية، أو التوجه نحو الاستثمار في الداخل والخارج، والتخلي عن أسلوب التعامل الارتجالي في القطاع الزراعي الذي ظل يعاني ردحًا من الزمن لغياب استراتيجيات زراعية علمية تؤسس لنهضة شاملة بهذا القطاع.