النابلسي: العودة الى كتاب الله وسنة نبيه تحل جميع مشاكل المسلمين في كل العصور دونما اختلاف بينهم

ـ لا بد من قراءة القرآن يومياً وأن تتلوه وفق قواعد اللغة العربية وإن أمكن وفق قواعد التجويد وأن تفهمه وتتدبره

ـ إذا عمل الإنسان بما في القرآن صار حجة له عند الله واذا عطل العمل به صار حجة عليه
قراءة وإعداد ـ علي بن صالح السليمي:
في إحدى خطب الجمعة لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .. نقتبس لك عزيزي القارئ ملخصا لهذه الخطبة عن موضوع هام وهو (هجران القرآن الكريم) .. الذي للأسف الشديد اصبح مأساة العصر ومشكلة خطيرة يواجهها المسلمون في هذ الوقت بالذات وهم غافلون عنها ولا يعلمون بعاقبتها ومصيرها عند المولى ـ جل وعلا ـ .. فلله الأمر من قبل ومن بعد .. وإليكم بعض ما جاء في هذه الخطبة ..

بدأ الدكتور محمد النابلسي خطبته بالافتتاحية المعهودة وهي الحمد لله والصلاة على نبيه سيد الخلق والبشر (عليه الصلاة والسلام) وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ..
وقال: ان في القرآن الكريم آية كريمة هي قوله تعالى:﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُوراً﴾ (سورة الفرقان الآية: 30)، فكيف يهجر كتاب الله، وهو بين أيدينا نقرأه صباحاً ومساء؟!.
مبينا بأن بعض العلماء قال: ان هجران القرآن أنواع إما بعدم سماعه، أو بعدم العمل به أو بعدم تحكيمه، أو بعدم التحاكم إليه، أو بعدم تدبره، أو بعدم تلاوته، أو بعدم حفظه، أو بعد الاستشفاء به من أمراض النفوس، حيث ان الله عز وجل يقول:﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ (سورة الإسراء الآية: 79) فتهجد بالقرآن الكريم، واقرأ القرآن الكريم في الصلاة وخارج الصلاة .. صباحاً ومساء، وقد قال (عليه الصلاة والسلام) فيما ورد في الصحيحين:(تَعَاهَدُوا هَذَا القُرآنَ، فَوَ الَّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتاً مِنَ الإِبِلِ في عُقُلها).
مؤكدا هنا بأن هناك حقائق مؤسفة، فهناك إنسان والعياذ بالله يهجر القرآن لأنه لا يؤمن به ، وهناك إنسان يهجره فلا يسمعه ولا يصغي إليه، وقد يؤمن به لكن لا يتعلمه، وقد يتعلمه لكن لا يتلوه، وقد يتلوه لكن لا يتدبره، وقد يتدبره لكن لا يعمل به، فلا يحل حلاله ولا يحرم حرامه، ولا يحكمه، ولا يتحاكم إليه، ولا يستشفي به، وهذا من هجران القرآن الكريم أيها الأخوة، إنه بين أيدينا.
منوها بقوله بأن من أعرض عن القرآن الكريم فاته خير كثير، والإنسان يعرض عن القرآن الكريم بقدر ما يعرض عن ربه، فإذا كان مع الله كان مع القرآن الكريم، وإذا كان معرضاً عن الله كان معرضاً عن القرآن الكريم، ويقول الله تعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ (سورة فاطر الآية: 29).
وقال: ان بعض السلف يقول: نزل القرآن ودققوا في هذه الكلمة، نزل القرآن ليعمل به فاتخذوا تلاوته عملاً، يعني يتلونه فقط، أما كمنهج في أدق التفاصيل، كآيات تحريم كأحكام شرعية يتلونه، إنما أنزل هذا القرآن ليعمل به فاتخذوا تلاوته عملاً، لذلك أيها الأخوة دققوا في هذا التعريف، من هم أهل القرآن؟ هم العالمون به، والعاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب، وأما من حفظه وهذا شئ كبير، ولكن وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل به، فليس من أهله وإن أقام حروفه لإقامة السهم، كلام دقيق.
موضحا هنا بأن بعض العلماء يقولون: ان المقصود بقراءة القرآن تدبره والفقه فيه والعمل به وتلاوته وحفظه كوسيلة إلى فهم معانيه، فثمرة القرآن اليانعة العمل بما فيه، وما آمن بالقرآن من استحل محارمه، وقد قيل: "رب تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه".
وقال: ان الإنسان اذا عمل بما في القرآن صار القرآن حجة له عند الله تعالى، أما إذا عطل العمل به فقد صار القرآن حجة عليه، فالقرآن إن عملت به كان حجة لك، وإن لم تعمل به كان حجة عليك، يقول الله عز وجل في كتابه الكريم في معرض أنه يسأل الناس يوم القيامة: ﴿أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ (سورة المؤمنين الآية: 105).
مبينا بأنه من اقتصر على تعلم القرآن وتلاوته وتدبره ولم يعمل به فقد أقام الحجة على نفسه، لذلك يقول بعضهم رابا تال للقرآن والقرآن يلعنه، كيف؟ يقرأ قول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾(سورة آل عمران الآية: 61)،وهو يكذب.﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾(سورة هود الآية: 18)، وهو يظلم، إذا كان يكذب ويظلم فعليه لعنة الله ولو أنه يتلو كتاب الله، آن الأوان أيها الأخوة لنبحث عن الخلل، أين الخلل، هذا الكتاب بين أيدينا، وهو من فضل الله علينا، ولكن لا يكفي أن نضعف في صدر البيت ولا يكفي أن نضعه في مكان مشرف في البيت، ولا يكفي أن نعلقه على المركبة، ولا يكفي أن نتلوه، لابد من تطبيقه، ودقق في هذا المثل، لو أن إنساناً مريضاً ذهب إلى طبيب وصف له وصفة لو أنه قرأ الوصف هل يشفى لو أنه وضعها في إطار هل يشفى، لو أنه وضعها في مكان مشرف في البيت هل يشفى، لو أنه فهمها هل يشفى، لو أنه اشترى الدواء هل يشفى، لا يشفى إلا إذا استعمل الدواء.
مؤكدا بأن من هجران القرآن هجران تحكيمه والتحاكم إليه، والعدول عنه لغيره، قد يعدل الإنسان عن القرآن إلى الغناء أو إلى الشعر أو إلى كلام آخر، أو إلى الصحافة، ينشغل بسماع كل شئ، وفي قراءة كل شئ إلا القرآن الكريم الذي هو كتاب الله، الذي بينه وبين كلام الناس كما بين الله والناس، فضل كلام الله على خلقه كفضل الله على خلقه.
وبيّن النابلسي هنا نقطة هامة بقوله: كم من مشكلة يعاني منها المسلمون ويختلفون في الحلول فلو عادوا إلى كتاب الله وإلى سنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) لوجدوا الحل الأمثل من عند الخبير، ألم يقل الله عز وجل:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ (سورة النساء الآية: 59).
مشيرا هنا الى ان علامة إيمانك بالله، وعلامة إيمانك باليوم الآخر أنه إذا اختلف في قضية إن فكرية، أو عقدية، أو تطبيقية، أو اجتماعية، أو مالية، إن اختلفنا في مشكلة علامة إيماننا بالله واليوم الآخر أن نرد هذه المشكلة إلى كلام الله وإلى سنة نبيه كما فهم أصحاب القرون الثلاثة.
موضحا هنا تفسير قول الله عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً﴾(سورة الرعد الآية: 27)، قال بعض المفسرين: الحكم معناه:(ما فيه من الأحكام)، وقال بعضهم: أراد الله عز وجل بالحكم العربي (القرآن كله)، فإنه يفصل بين الحق والباطل ويحكم، بدليل أن الله عز وجل يقول: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ﴾(سورة النساء الآية: 61)، وحكم الله في كل التفاصيل في كتاب الله وفي بيان رسول الله لهذا الكتاب.
أيها الأخوة الكرام: ومن هجران القرآن هجران تدبره وتفهمه، قال بعض المفسرين: وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً﴾ (سورة النساء الآية: 82)، فالله عز وجل عاب على هؤلاء الإعراض عن التدبر في القرآن والتفكر فيه وفي معانيه، ودلت على ذلك الآية الكريمة:﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (سورة محمد الآية: 24)،آيتان في القرآن الأولى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً﴾، والآية الثانية: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ إذاً الله عز وجل يحضنا على تدبر القرآن الكريم يقول الله عز وجل في هاتين الآيتين آمراً عباده بتدبر القرآن وتفهمه، وينهى أشد النهي عن الإعراض عنه وعن القلب المقفل، لذلك أيها الأخوة قال الإمام الحسن: ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول قرأت القرآن ما يرى له في قراءة القرآن من خلق ولا من عمل يتميز به على من سواه، فإذا قرأت القرآن ينبغي أن تكون متميزاً متفوقاً.
منوها الى ان الدليل على ذلك أن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ يقول: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفرطون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبتواضعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون.
وقال: ومن هجران القرآن هجران سماعه فقد قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾(سورة فصلت الآية ـ 26) (ألغوا فيه أي: عيبوه، أظهروا من خيالكم مسالكه فيما تتوهمون، أي إذا تلي لا تستمعوا له)، وأناس كثيرون وهو يقلب بالمحطات الإذاعية فإذا وصل إلى القرآن تجاوزه إلى محطة أخرى.
منوها هنا بأن من معاني (والغوا فيه) أي: لا تستمعوا له بل كما قال (شوشوا على قارئه بالمكاء والتصفيق والتخليط) كما كان يجري في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من قبل المشركين لكن الله عز وجل يقول:﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (سورة الأعراف الاية: 204)، كما ان القرآن ربيع القلوب، القرآن حياة النفوس، القرآن حبل الله المتين، وقد قال الله عز وجل:﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً﴾ (سورة آل عمران الآية: 10).
مشيرا بقوله الى انه قيل لا يحزن قارئ القرآن، وكيف يحزن وقد قال الله عز وجل: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ (سورة النحل الآية: 97)، فخالق السماوات والأرض وعد كل إنسان يطيع الله عز وجل ويتبع منهج كتابه جل جلاله أن يحيه حياة طيبة، وهذا وعد إلهي فوق المكان والزمان والظروف والأزمات وفوق كل شئ، كيف لا يحزن من أعرض عن القرآن والله تعالى يقول: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾(سورة طه الآية: 124)، كيف لا يسعد الإنسان ولا تطمأن نفسه، ولا يستنير عقله وهو يتلو قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ (سورة طه الآية: 123)، لا يضل عقله ولا تشقى نفسه، كيف يحزن على ما فات ويخشى مما هو آت وهو يتلو قوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (سورة البقرة الآية: 38)، فلو جمعت الآيتين كان الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله ولا تشقى نفسه ولا يندم على فات ولا يخشى مما هو آت.
موضحا هنا بأنه كيف لا يشفى من قرأ القرآن وتدبره وهو يتلو قوله تعالى: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾ (سورة الشعراء الآية: 213)
، وكيف لا يطمأن والأمن أعظم حاجة للإنسان. ﴿أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ (سورة قريش الآية: 4)، وكيف لا يطمأن من قرأ القرآن وطبقه وهو يتلو قول الله تعالى:﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (سورة الأنعام الآيتان: 81،82)، ولا يحزن قارئ القرآن، وكيف يقلق قارئ القرآن، وكيف يشعر بالخوف وهو يتلو قوله تعالى:﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ ( سورة الجاثية الآية: 21).
وقال:ان القرآن الكريم شفاء للنفوس، والأحداث التي يعيشها الناس وترضي نفوسهم توقعهم في قلق شديد .. توقعهم في خوف .. في تشاؤم .. في ضياع .. في تساؤل، ويأتي القرآن الكريم هنا ويقول: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾، كيف يحزن قارئ القرآن وهو يتلو قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾(سورة فصلت الآيات: من 30 الى 32)، وكيف يقلق قارئ القرآن وهو يتلو قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ (سورة القصص الآية :61)، وكيف لا يطمع قارئ القرآن في معية الله والله عز وجل يقول:﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ﴾ (سورة المائدة الآية: 12)، فإذا كان الله معنا فمن علينا، لو أن أهل الأرض اجتمعوا على أن ينالون بأذى لا يستطيعون ﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ﴾ بشرط:﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾(سورة المائدة الآية: 12)،وكيف نخشى الهزيمة ونحن نتلو قوله تعالى:﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُ﴾ (سورة آل عمران الآية: 160)، فزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُ﴾ بأية أخرى:﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (سورة الأنفال الآية: 10) فالله وحده ينصر﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (سورة آل عمران الآية: 160)،﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾( سورة الأنفال الآية: 65).
موضحا النابلسي بأن أصحاب النبي ـ رضوان الله عليهم ـ كانوا وكما جاء وصفهم في القرآن الكريم: ﴿كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (سورة الذاريات الآيات: من 17 الى 19)، ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾(سورة السجدة الآية: 16).
منوها بأن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع آخرين،(إن الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة)،(مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة: ريحها طيب وطعمها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة: لا ريح لها وطعمها حلو. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة: ريحها طيب وطعمها مر. ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة: ليس لها ريح وطعمها مر)(أخرجه أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجه عن أبي موسى)، (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه اللَّه القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه اللَّه مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار) (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).
وهنا يوجه بقراءة القرآن، حيث قال: اقرأ القرآن ما نهاك كما يقول(عليه الصلاة والسلام):(اقرأ القرآن ما نهاك، فإن لم ينهك فلست تقرأه) (أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عمرو)، إن تقرأ الآية فلا تطبقها فأنت في حكم الذي لن يقرأ القرآن (اقرأ القرآن ما نهاك فإن لم ينهك فلست تقرأه).
مذكرا ببعض الآيات قائلا: يقول عزوجل:﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ (سورة النور الآية: 30) أين أنت من هذه الآية؟ إن الله يحب الصادقين؟ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ (سورة البقرة الآية: 222) أين أنت من هذه الآية؟ فهذا قال: أريد أن أرى من أنا، وفي أي الطبقات، وفي أي المراتب، ففتح المصحف ومر بقوم:﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ ومر بقوم: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ ومر بقوم:﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (سورة آل عمران الآية: 134)، ومر بقوم:﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (سورة الحشر: الآية 109) فوقف الأحنف ثم قال: يعني لعله قالها تواضعاً، قال اللهم لست أعرف نفسي من هؤلاء، أي لم يجد هذه الصفات في نفسه تماماً حتى يعد نفسه من هؤلاء، ثم أخذ الأحنف السبيل الآخر، فمر بقوم: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ (سورة الصافات: 35) ومر بقوم:﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ، فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾(سورة المدثر الآيات: من 42 الى 48) فوقف الأحنف وقال: اللهم إني أبرأ إليك من هؤلاء، أنا لست من هؤلاء، لا من هؤلاء ولا من هؤلاء، فما زال يقلب ورق المصحف ويلتمس في أي الطبقات هو حتى وقع على هذه الآية:﴿وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآَخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (سورة التوبة الآية: 102) فقال أنا من هؤلاء، فإذا قرأ أحدنا القرآن، هذا هو التدبر، والفرق بين التدبر وبين التفسير أن تسأل نفسك في التدبر أين أنت من هذه الآية، هل أنت مطبق لها، فإذا طبقت هذه الآية قطفت ثمارها.
مؤكدا بأن النبي (عليه الصلاة والسلام) كان قرآناً يمشي، فالسيدة عائشة سئلت عن خلقه فقالت: كان خلقه القرآن، والآن التركيز ينبغي على التطبيق، معلومات وفيرة جداً، في الآن ثورة معلومات ثورة، يعني تسأل الحاسوب سؤال يأتيك عشرة آلاف جواب، الأمور الإسلامية ميسورة بشكل يفوق حد الخيال، العبرة بالتطبيق، كان الصحابة الكرام يحفظون الآيات العشر ويطبقونها، ولا ينتقلون إلى غيرها إلا إذا طبقوها.
وفي آخر خطبته قال: لا بد من قراءة القرآن يومياً، وسبب هذه الخطبة أنه في خطبة سابقة تحدثت عن محبة الله عز وجل، وكان أول بند من بنود أسباب محبة الله تلاوة القرآن، أردت أن يكون هذا الموضوع تلاوة القرآن ولكن على النحو الذي ينبغي، أن تتلوه وفق قواعد اللغة العربية وأن تتلوه إن أمكن وفق قواعد التجويد، وأن تفهمه، وأن تتدبره، ومندوب أن تحفظه، لكن مركز الثقل أن تطبقه .. والآن نحن بحاجة إلى مسلم يطبق القرآن يتحرك أمامنا، إن حدثك فهو صادق وإن عاملك فهو أمين، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف، نحتاج إلى قرآن يمشي، نحتاج إلى مسلم متحرك.

* المصدر (موسوعة النابلسي)