د. محمد ناجي الكـعـبي*

تُولي أغلب الجامعات المنتشرة في دول العالم إهتماماً بموضوع موقعها ضمن التصنيفات العالمية المشهورة، بغض النظر عن الإختلاف في أحجامها وشهرتها ومواقعها الإعتبارية والجغرافية. وتختلف الأسباب الكامنة وراء إهتمام هذه الجامعات بسمعتها وموقعها ضمن أشهر التصنيفات العالمية، والتي تختلف في أساليب تقييمها للجامعات. ويلمس المتتبع لهذا الموضوع الإختلاف الواضح في المواقع التي تحتلها هذه الجامعات ضمن التصنيفات العالمية المختلفة، نتيجة لإختلاف طرق التقييم (الخوارزميات المستخدمة)، أي نتيجة لإختلاف المنهجيات المستخدمة من قبل هذه التصنيفات. يتفق المختصون على إن أشهر ثلاث تصنيفات عالمية للجامعات تتمثل بتصنيف تايمز للتعليم العالي وتصنيف إكيو أيس العالمي للجامعات وتصنيف شنغهاي، والمعروف أيضا بإسم التصنيف الأكاديمي لجامعات العالم، وتعتمد هذه التصنيفات على الآلاف من البيانات المُرسلة لها من قبل المئات من الجامعات حول العالم.
فَتَصدُر أي جامعة في العالم لهذه التصنيفات يعني تلقي المزيد من أموال الدعم للبحوث وللمشاريع من قبل الجهات الحكومية والخاصة والجمعيات الخيرية، سواء أكانت هذه الجهات مدنية أوعسكرية أو أمنية، ومن الشركات الكبرى، كما يَعني تصدر أي جامعة لهذه التصنيفات إجتذاب الجامعة المتصدرة للمزيد من الطلبة الموهوبين، لأن الطلبة وأهلهم في المجتمع الغربي، وبالأخص الموهوبين يرون في التعليم بمختلف مراحله وإختصاصاته إستثمارا، فهم لا يقدمون على التسجيل في جامعة تبلغ تكلفة الدراسة فيها عشرات الآلاف من الدولارات، إلا بعد أن يُدرس الأمر بشكل علمي وموضوعي، ويتيقن الطالب وأهله من إنهم إختاروا جامعة مرموقة، تضمن للغالبية الساحقة من خريجيها الحصول على وظائف مرموقة ذات راتب مُجدي لإسترداد ما أنفق على الدراسة. فشهادة الجامعة المرموقة ما هي في الواقع إلا جواز عالمي لتبوء أفضل المراكز مستقبلا. لذا فتبوأ موقع متقدم ضمن هذه التصنيفات يعني جذب المزيد من الطلبة المُبدعين والموهوبين والذين يساهمون في إثراء الجامعة التي ينتمون إليها والنِتاج العلمي والبحثي الخاص بتلك الجامعة. وتسعى الجامعات الغربية المتميزة سواء أكانت خاصة أو عامة إلى التميز كهدف أساسي بعيدا عن مبدأ الربح، فهم لا يرون في الجامعة مشروعا تجاريا، بل يرونها مصنعا لبناء جيل قادر على الإبتكار والتطوير والتنافس وتخطي الصعاب، والإرتقاء بالوطن ومواطنيه.
فمبدع واحد أو أكثر قد يكون السبب وراء إنشاء شركة أو شركات عملاقة مَبنية على فكرة إبداعية، وهذا ما حصل في عصرنا فقد أدت فكرة إبداعية إلى بناء شركات تفوق في إيرادتها ميزانيات العديد من الدول النامية، كما هو الحال مع شركة جوجل التي زادت إيرادتها مثلا في سنة 2012 على 50 مليار دولار أميركي، والتي يعمل فيها حالياً ما يزيد على 57 ألف موظف يتلقون أعلى الأجور، ومن مختلف دول العالم. وهناك شركة سامسونج الكورية والتي يقارب عدد منتسبيها النصف مليون موظف والتي فاقت إيراداتها الـ"300" مليار دولار أميركي في سنة 2014.
تخضع التصنيفات العالمية للجامعات لمتابعة حثيثة من قبل العديد من الحكومات في دول العالم المختلفة، ومن القيادات العليا للجامعات بهدف وضع الإستراتيجيات الخاصة بإدامة التميز للجامعات المتميزة، والنهوض بالجامعات التي تحتل مراكز متأخرة ضمن هذه التصنيفات، أو تلك التي لا تصنيف لها. فقد حقق تصنيف "تايمز" للتعليم العالي السنة الماضية 2 مليون زيارة لموقعه خلال الـ 24 ساعة الأولى من إعلانه لنتائج تصنيفه السنوي للجامعات، وهذا يعكس الإهتمام البالغ لشريحة واسعة من المهتمين حول العالم بهذه التصنيفات ونتائجها.
لقد أدرك المسؤولون عن التعليم في العديد من دول العالم وفي السلطنة أهمية التعليم بمختلف مراحله، من خلال الإهتمام بجودته منذ وقت مبكر، إذ يعود الفضل للتعليم المتطور في بناء جيل متكامل من الأطباء والمهندسين والمعلمين والعلماء في الحاسوب والكيمياء والفيزياء والزراعة .. الخ، وأدباء وشعراء ومثقفون ومحامون وقضاة وإعلاميون ومهندسون زراعيون وعمال وفلاحون مهرة .. الخ، لكي يتحملوا مسؤولية المضي بالتطور والنماء الذي تشهده السلطنة في عصرنا.
* باحث ومتخصص بجودة التعليم وتصميم المواقع الجامعية
كلية البريمي الجامعية
[email protected]