[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
هل تستحق إجراءات بعض الدول الأوروبية التي اتخذتها لمواجهة أزمتها المالية، أقول هل تستحق هذه الإجراءات الدراسة؟ يبدو ذلك من النتائج التي تحققت وكيف أن أغلب هذه الدول تجاوزت الأزمة إلى حد ما وأصبحت الآن في مأمن من تداعياتها، بل وتؤشر إلى أن المرحلة المقبلة ستكون أفضل.
لنأخذ ما جرى في البرتغال وإسبانيا وأيرلندا وإيطاليا وربما في دول أوروبية أخرى كانت الأزمة قاب قوسين أو أدنى منها مثل فرنسا، ونستثني من هذه القائمة الأزمة الاقتصادية التي ضربت اليونان وما زالت ذيولها تتحرك هناك.
لقد تعاملت حكومات تلك الدول بصرامة لتنفيذ إجراءات التقشف التي أقدمت عليها وكانت ترمي منها دفع اقتصاداتها إلى الشفاء المتدرج الحاسم ثم النقاهة التامة، لا شك أن هذه الإجراءات كانت حجر الزاوية لمواجهة ما تعرضت له، وكانت الحكومات تطبق التقشف عليها بالدرجة الأساس نزولًا إلى الحلقات الأخرى في تلك المجتمعات ولكن بنسب أقل، ولعل من الإنصاف أن نضيف أن رصيدًا معروفًا من الإمكانات المالية والاقتصادية المتوفرة تم وضعها تحسبًا للحالات الطارئة التي تحصل في إطار نظرية (القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود)، فلولا ذلك لكان الوضع أسوأ مما هو عليه، بل يمكن الإضافة إلى هذا الرصيد رصيدًا أخلاقيًّا سلوكيًّا ظهر على تخوم الأزمة تمثل في مواقف السياسيين أنفسهم إلى الحد الذي دفع وزيرًا بريطانيًّا إلى تحويل مكتبه الوزاري (منزلا) له يبيت فيه لكي لا يكلف خزينة الحكومة البريطانية دفع إيجار منزل له، وهذا السلوك ليس طارئًا، فقد اضطرت رئيس الوزراء البريطاني الأسبق تاتشر إلى العودة لمكتبها لأنها نسيت أحد مصابيح المكتب مضيئًا فأطفأته.
لقد وضعت رقابة صارمة على المصارف والبيوت المالية، وعالجت بما حصلت عليه من قروض قدمها البنك المركزي الأوروبي أو من صندوق النقد الدولي لترميم المؤسسات التي أفلست أو كانت على قارعة الإفلاس.
والملاحظ في الأمر أن الهيئات السياسية للدول المذكورة كانت تواصل الإجراءات بروح الفريق الواحد حكومات ومعارضة على الرغم من وجود خصومات شديدة تحكمها، وعلى الرغم من التظاهرات والاعتصامات المتكررة لشرائح اجتماعية تضررت أكثر من غيرها، ولكن الحكومات لم تلجأ إلى سياسات إرضائية آنية، معولة على النتائج التي يمكن أن تحصل من جراء سياسة التقشف.
في النتائج الأولية للإجراءات أن الحكومات امتنعت من الاستمرار في أخذ قروض جديدة مع حصول انتعاش في بعض المواقع الاقتصادية وتراجع معدلات الباحثين عن العمل، بل إن عددًا من المؤسسات الصناعية والاقتصادية بدأت تطلب موظفين وعمالا، وارتفعت نسبيًّا ولو كانت بمعدلات منخفضة حركة الإيداعات المالية في البنوك، وفي كل ذلك كانت هناك مؤشرات غير مرئية مثلت عوامل مركزية في تجاوز الأزمة، أولها أن الأسبقية أعطيت للخبراء في التشخيص وإعطاء الدواء، ولم يجرؤ سياسي واحد أن يتمرد على آراء هؤلاء الخبراء، وكان حين يشعر أن (وصفة) الخبراء تتعارض مع أفكاره ينسحب من المسرح بالاستقالة، والعامل الثاني يكمن في أن المجتمع هناك تحكمه الثقة على حد ما يسميه المفكر الفرنسي (آلن بييرفت)، وهذه الثقة ليست طارئة، بل ممتدة كمنظومة اجتماعية تقوى لمنع الوقوع في فخاخ الإحباط والتململ والتفكك، وبمعنى مضاف أن عزيمة معينة غذت الإطار النفسي العام لتلك الدول في سياق موجودات اقتصادية واجتماعية، كان ذلك خزينًا من الإصرار على إتمام ما تحقق، وهنا يبقى السؤال الجوهري بشأن ما جرى: هل الشفاء الذي حصل كان عابرًا للزمن الحالي، أعتقد أن الأمر ليس بهذه الصورة، إذ من الممكن أن تتعرض الدول المشار إليها إلى نكسات اقتصادية جديدة في هيئة ركود وتراجع في الإنتاج وتفاقم في مشكلة الباحثين عن العمل لكن المنجز هنا، أنها لم ترضخ ولم تستسلم لواقع الأزمة، وبالتالي رفضت البكاء على الأطلال كما يفعل بعضنا شعرًا واقتصادًا.