[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/samyhamed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سامي حامد[/author]

في الوقت الذي بدأت فيه تنحسر العمليات الإرهابية في مصر تجري على قدم وساق الاستعدات لإجراء الانتخابات الرئاسية المقرر لها يومي الـ26 والـ27 من مايو الجاري ولا يوجد أمام المصريين سوى خيارين لا ثالث لهما لاختيار رئيسهم، حيث تنحصر المنافسة بين المرشح عبدالفتاح السيسي والمرشح حمدين صباحي اللذين تمكنا وحدهما من استيفاء كافة شروط الترشح لهذه الانتخابات .. والمتابع للعملية الانتخابية يلاحظ أن مصر ستشهد لأول مرة انتخابات رئاسية بشكل مختلف عن كل الانتخابات التي سبقتها .. فهي أولا تجرى بين اثنين من المرشحين فقط للدرجة التي دفعت البعض يسخر بقوله إن هذه الانتخابات بنكهة أميركية، حيث جرت العادة أن تجرى المنافسة في الانتخابات الرئاسية الأميركية بين مرشح الحزب الجمهوري ومرشح الحزب الديمقراطي فقط!!
الشيء الثاني المختلف في هذه الانتخابات هو شبه اختفاء لافتات الدعاية الخاصة بالمرشحين في الشوارع والميادين، حيث نادرا ما تشاهد لافتة لأحد المرشحين وإن وجدت تكن مجاملة من أحد رجال الأعمال لمرشح بعينه والكفة هنا تميل لصالح المرشح عبدالفتاح السيسي، وهي ظاهرة عكس ما كانت عليه مثلا انتخابات الرئاسة العام 2012 التي فاز فيها الرئيس السابق محمد مرسي، حيث كانت ميادين وشوارع مصر ممتلئة بلافتات وملصقات المرشحين المتنافسين، سواء الخاصة بمحمد مرسي أو أحمد شفيق أو حمدين صباحي أو عبدالمنعم أبو الفتوح أو عمرو موسى .. وقد أرجع البعض ظاهرة اختفاء لافتات الدعاية هذه المرة إلى الرقابة اللصيقة التي تقوم بها اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية على نفقات الدعاية الانتخابية، بينما يرى البعض أن السبب في ذلك يعود إلى أن نتيجة الانتخابات المقبلة شبه محسومة لصالح عبدالفتاح السيسي دون بذل أدنى جهد!!
الأمر الثالث اللافت في هذه الانتخابات هو عدم ظهور المرشح الأوفر حظا عبدالفتاح السيسي في مؤتمرات جماهيرية مفتوحة، سواء داخل القاهرة أو في المحافظات عكس ما يقوم به المرشح المنافس حمدين صباحي الذي يجوب محافظات مصر لحشد أصوات الناخبين لصالحه، بينما اكتفى السيسي بإجراء حوار تليفزيوني وعقد اجتماعات مغلقة مع عدة شرائح في المجتمع مثل الشباب والمرأة ورجال الإعلام وشباب المستثمرين .. ويرجع عدم ظهور السيسي في مؤتمرات جماهيرية مفتوحة لأسباب أمنية، حيث إنه على رأس الشخصيات المستهدفة بالاغتيال، وهو ما أكده في حواره التليفزيوني مع إبراهيم عيسى ولميس الحديدي، حيث تعرض لمحاولتي اغتيال عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي وتم إحباطهما؛ الأولى وهو في طريقه لقصر الاتحادية لمقابلة الرئيس المؤقت عدلي منصور، والثانية وهو في طريقه من منزله إلى مقر وزارة الدفاع!!
الأمر الرابع اللافت للانتباه هو عدم وجود برنامج انتخابي واضح لكلا المرشحين رغم بدء العملية الانتخابية للمصريين المقيمين بالخارج وقرب إجرائها داخل مصر يومي الـ26 والـ27 من مايو الجاري .. فالمرشح عبدالفتاح السيسي تحدث في المطلق عن مشروعات سيجري تنفيذها دون أن يحدد برنامجا زمنيا لها، حيث تعهد السيسي باستصلاح 4 ملايين فدان بقيمة 160 مليار جنيه وإقامة نظم ري حديثة وإنشاء 26 مركزا سياحيا و8 مطارات جديدة و23 مدينة للصناعات التعدينية، مشيرا إلى أن تكلفة المحاور التنموية في برنامجه الانتخابي تبلغ 1 تريليون جنيه، إلا أنه لم يشر إلى كيفية تدبير هذا المبلغ الهائل إلا بقوله إن المصريين بالخارج والأصدقاء والأشقاء سيساعدونني في بناء مستقبل أفضل لأنهم حريصون على استقرار مصر وشعبها!!
أما المرشح صباحي فقد أطلق هو الآخر وعودا في الهواء وتحدث بعبارات فضفاضة عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، والوقوف بجوار الفقراء ورفع الدعم عن الأغنياء، مشيرا إلى أن رفع الدعم عن الطبقة الغنية سيوفر للدولة 55 مليار جنيه ما يسمح بدعم الطبقة الفقيرة لتوفير حياة سليمة لهم .. كما تعهد صباحي بدعم الفلاحين وإسقاط ديونهم لدى بنك التنمية والائتمان الزراعي مع تقديم 10 آلاف جنيه وفدان أرض لكل شاب لتوفير فرص عمل للشباب العاطل .. وأعلن عزمه على محاربة الفساد، لافتا إلى أنه بسبب الفساد المالي والسياسي يتم إهدار 200 مليار جنيه سنويا في الوقت الذي تعاني فيه الدولة من عجزا هائلا في موازنتها!!
إن المشهد الحالي يؤكد أن المرشح عبدالفتاح السيسي لا يزال يعتمد على ملايين المصريين الذين نزلوا إلى الميادين والشوارع يوم الـ30 من يونيو الماضي لدعمه والتصويت له في الانتخابات المقبلة، وهو تقدير خاطئ نسبيا فليس كل من نزل في الـ30 من يونيو سيعطي صوته للسيسي هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ليس كل من نزل يوم الـ30 من يونيو سيتوجه بالضرورة إلى مراكز الاقتراح للإدلاء بصوته خاصة مع وجود مؤشرات غير مشجعة رصدت انخفاض نسب تسجيل المصريين بالخارج، حيث بلغ عدد المسجلين أسماءهم للمشاركة في الانتخابات 57 ألف مصري فقط، كما بلغ عدد المصريين الوافدين في الداخل الذين سجلوا أسماءهم بالشهر العقاري 68 ألفا فقط، بينما كان عددهم في الاستفتاء على الدستور 450 ألفا، وهي مؤشرات على احتمال انخفاض نسبة التصويت في الانتخابات!!
ويمكن القول إن المرشح حمدين صباحي قد نجح إلى حد كبير في إغراء أبناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة بتأييده والتصويت لصالحه، حيث ظهر منحازا للفقراء والفلاحين، بينما السيسي طالب الفقراء بالتقشف في المأكل والملبس والمشرب والمركب إلى أن تستطيع مصر الوقوف على قدميها .. كما أن حمدين يراهن على أصوات طلبة الجامعات الذين يمثلون قاعدة عريضة من الناخبين، وهناك نسبة كبيرة من هؤلاء تميل إلى انتخاب حمدين خاصة المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، ما يعني في النهاية أننا سنشهد انتخابات رئاسية صعبة ومثيرة ليست نتيجتها محسومة مسبقا كما يتصور البعض خاصة مع دخول جماعة الإخوان على الخط في محاولة منها للتودد والتقرب من حمدين صباحي عندما أعلن القيادي الإخواني محمد السيسي عضو اللجنة القانونية بحزب الحرية والعدالة بأنه يمكن طرح فكرة المصالحة على مائدة الحوار وعودة الإخوان للمشاركة في الحياة السياسية إذا فاز صباحي بالرئاسة وتبنى خطابا تصالحيا دون إقصاء وأوقف المحاكمات الظالمة لقيادات الإخوان!!