بنهاية هذا العام، يمكن أن يواجه نصف سكان دولة جنوب السودان البالغ عددهم 12 مليونا إما المجاعة أو الموت. كان هذا هو الإنذار الصادم وإن كان واقعيا تماما المقدم إليَّ لدى وصولي جوبا عاصمة جنوب السودان مؤخرا.
على مدار الأشهر الخمسة الأخيرة، سقطت هذه البلاد التي تعد أحدث دولة في العالم وإحدى أفقر دول العالم أيضا في دوامة من العنف شردت أكثر من 1.2 مليون شخصا وزادت من احتمالات وقوع عمليات تطهير عرقي. ومع وجود أكثر من 4 ملايين شخص يعانون من المجاعة بالفعل والحقول خاوية على عروشها؛ لأن الأشخاص خائفين حتى من زراعة أو حصد محاصيلهم، فإن البلد تواجه تهديدا بوقوع مجاعة قاسية. إنها كارثة متقنة من صنع البشر.
ويتحمل سلفا كير ورياك مشار مسؤولية أخلاقية وسياسية في دفع جنوب السودان للخروج من حافة الكارثة.
لم يكن هذا هو المفترض أن يكون عليه الحال أبدا. فقبل أقل من ثلاث سنوات من الآن، كنت في جوبا للاحتفال بالاستقلال الذي تم الحصول عليه بشق الأنفس لهذا البلد. وكان وقت فرح. وكان الناس متوحدين ويحدوهم الأمل في مستقبل أفضل. وحظي هذا البلد بدعم دولي كبير. وفي هذا اليوم، شاطرت الرئيس سلفا كير الفخر، حيث لعبت الأمم المتحدة دورا كبيرا في ميلاد دولة جنوب السودان. وبعد ذلك بقليل لحقت بنائب الرئيس رياك مشار في نيويورك لحضور مراسم رفع علم جنوب السودان بوصفها العضو الـ193 في الأمم المتحدة.
وأصبح هذان الرجلان عدوين لدودين منذ أن تم إبعاد مشار وأعضاء آخرين من مجلس الوزراء مرتبطين به على يد سلفا كير الصيف الماضي. وتحول الصراع على السلطة بسرعة ليأخذ أبعادا عرقية خطيرة. ففي كل أرجاء جنوب السودان يشهد الناس ويتعرضون لمذابح مروعة يرتكبها أنصار الفصيلين. وخوفا على حياتهم، سعى نحو 85 ألف رجل وامرأة وطفل إلى ملاذات تحت علم الأمم المتحدة الأزرق في قواعد قواتها لحفظ السلام. وفر أكثر من عشرة أضعاف هذا العدد من منازلهم مع عدم وجود مكان يذهبون إليه.
كانت أول محطة لي في جوبا لدى زيارتي لها مؤخرا في موقع للنازحين في ساحة تومبينج لبعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان. وكان أغلب الأشخاص هناك هم من قبيلة النوير وهي المجموعة العرقية لمشار. وفي مكان آخر في البلد، تحمي بعثة الأمم المتحدة أفرادا من قبيلة الدينكا المجموعة العرقية لسلفا كير ـ يساورهم الخوف وهم غير محصنين بشكل متساوٍ.
وتعد سياسة الأمم المتحدة في فتح أبوابها لحماية المدنيين الأبرياء عندما تفشل كل الخيارات الأخرى سياسة صحيحة وغير مسبوقة وإن كانت ليست بدون خطورة كبيرة ـ على موظفينا وعلاقاتنا بالعرقيات والتجمعات السكانية وأولئك الذين نحاول إيواءهم. فليس هذا قرارا نتخذه بسهولة بل إنه قرار ملزمون باتخاذه من الناحية الأخلاقية. فقد أنقذت الاستجابة السريعة والشجاعة لقواتنا من أفراد حفظ السلام وموظفينا المدنيين أرواح عشرات الآلاف.
لكن كما يذكر الصحفيون وعمال الإغاثة ـ وكما رأيت بنفسي ـ فإن أحوال أولئك الذين هم تحت حمايتنا صعبة على الرغم من أننا نبذل أقصى ما في وسعنا. فمنشآتنا لم تكن مصممة أبدا لهذا التدفق الضخم من اللاجئين وليس عليها أن تكون كذلك. والآن فإن موسم الأمطار قد وصل، لتواكبه مخاطر جديدة. وتعمل بعثة الأمم المتحدة جاهدة على بناء مخيمات جديدة أكثر ملاءمة من الناحية الصحية، غير أن ما يحتاجه جنوب السودان في المقام الأول هو السلام.
تلك كانت الرسالة الواضحة التي سمعتها من كل الأشخاص الذين التقيتهم في موقع تومبينج. وقالت لي ببساطة شابة من قبيلة النوير كانت في المخيم مع 15 من أفراد عائلاتها منذ ديسمبر الماضي "نأمل أن يسود السلام. نريد أن يقبل قادتنا السلام."
هذا ما أخبرت به كير ومشار. واستجاب الرجلان لدعوة المجتمع الدولي بلقاء في أديس أبابا في إطار محاولة إقليمية. ويشجعني أنهما وقعا على اتفاق لقيادة البلد نحو السلام. وصار هذا واجبا على القائدين الوفاء به الحين.
على سلفاكير ومشار مسؤولية أخلاقية وسياسية لإبعاد جنوب السودان عن حافة الكارثة. وأخبرتهما بأن عليهم التحلي بضبط النفس والحكمة الرحمة. فعليهما وقف دوامة العنف والتفكير بدلا من ذلك في شعوبهما وميراثهما. إن الكثير يمكن أن يمحوه التاريخ، إلا أن وصمة عار التطهير العرقي لا تتلاشى أبدا.
كما أن على المجتمع الدولي دورا كبيرا يجب أن يقوم به. فعلى مجلس الأمن الدولي أن يمارس ضغطا على الطرفين من أجل التوصل إلى اتفاق على خطة سلام ومعالجة جذور الصراع. وبشكل خاص، فنحن بحاجة إلى 30 يوما من الهدوء الآن. إن الناس بحاجة لأن يكونوا قادرين على زراعة المحصول المقبل. ويشجعني أن الحكومة قد أعلنت تأييدها لاتفاق وقف العداوات. ويتعين على المجموعات المتمردة أن تؤيد ذلك هي الأخرى.
كما يجب على طرفي النزاع تأمين وصول البعثات الإنسانية. فقد أطلقت الأمم المتحدة عملية ضخمة لمساعدة 3.2 مليون شخص، لكننا نحتاج لأن نكون قادرين على الوصول إليهم بالجو وبالبر وبشكل خاص بالنقل النهري في النيل.
كما يتعين على البلدان المانحة زيادة دعمها. فعلى الرغم من الوضع غير المستقر، بقيت الوكالات الأممية والشركاء في المكان. والبنية التحتية للمساعدة موجودة، غير أن المجتمع الإنساني قدم 781 مليون دولار وهو مبلغ أقل من الـ1.27 مليار دولار التي قدرنا أنها مطلوبة بحلول منتصف هذا العام. وأنا أحض كل البلدان على دعم مؤتمر المانحين لجنوب السودان الذي ستستضيفه النرويج والأمم المتحدة بعد أيام.
أخيرا، يتعين علينا ألا نغض الطرف عن أساسيات حقوق الإنسان والمحاسبة. فالمسلحون من الجانبين مذنبون بارتكاب جرائم اغتصاب وذبح وتجنيد الأطفال. ويتعين أن يتم تقديمهم هم وقادتهم للعدالة.
لقد تداعت جنوب السودان بشكل كبير وسريع خلال أشهر قليلة. دعونا نعمل بسرعة على إعادة إنعاش هذا البلد المعتل قبل فوات الأوان.

بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، خدمة "ام سي تي" خاص بـ"الوطن"