القراء الأكارم: لقد أشرقت على الانسانية نسمات الهداية الربانية وإشراقات الأنوار الرحمانية وتجليات اللطائف الإلهية ببعثة خاتم المواكب الرسلية صلى الله عليه وسلم بعد انقطاع مدد الرسالات حينا من الدهر لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى مع ما تبقي من ضيائها واقتبس من وهجها ((لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)). فكانت الجزيرة العربية مع ما تعج به في جاهليتها الأولى من عقائد ساذجة وقبائل متفرقة وطباع متباينة ومناهج مختلفة إلا أن فطرتها الإنسانية ظلت تحتفظ بمكتسبات العقل في دنيا الناس فصارت الأعراف تحكم مجتمعهم وتنظم علاقاتهم وتحدد مسالك تعاملاتهم ولم يقتصر حالهم على ذلك بل أمتد ليشمل عبادتهم فعرفت الجاهلية بقية الحنيفية السمحة التي جاء بها إبراهيم عليه السلام ((ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين)). وهذا دليل على أن الحياة الإنسانية باتت مهيئة لاستقبال رسالته صلى الله عليه وسلم بعد أن اكتملت حلقاتها ونضجت أمتها واستعدت مجتمعاتها وبانت إرهاصاتها ((يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا* وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا)). إن رسالة نبي الإسلام هي الأخلاق في أكمل صورها والمبادئ في أسمى تجلياتها والمثل في أبهى معانيها والقيم في أبلغ ضروبها والشريعة في أدق تفاصيلها وشمول أحكامها والعقيدة في قوة تماسكها ووضوح أهدافها وعظيم بناءها ((يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا)). فهذه الشمولية أيها الإخوة والأخوات التي جاءت بها رسالة النبي صلى الله عليه وسلم تشير الى عظيم مكانتها ورفيع قدرها وبالغ أهميتها في كل زمان ومكان ((يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا*فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما)).
إن حياة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مثال أعلى لأولئك الرسل الكرام ومثال أسمى لمن أراد أن يعيش سعيدا كريما في نفسه وأسرته وبيئته ومثال صادق في القول والعمل ,في السلم والحرب,في المنشط والمكره,وفي كل جزئية من جزئيات هذه الحياة ومن هنا قال المولى عزوجل: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر)). وشريعة ديننا الحنيف لاءمت بين المادة والروح أحسن ملاءمة,وربطت بين الدنيا والآخرة بأحكم رباط, وجعلت لكل منهما نصيبا من الوجدان والعقل والعمل لا يتجاوز نطاقه وحدوده,قال تعالى: ((وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)). فلا بد لنا من فهم عميق لكليات الروح الاسلامية في محيطها الشامل لتتلمس هذه الانسانية طريقها نحو السعادة والهناء والعزة ولتحقق هدف هذه الرسالات فتبنى الانسانية وفق المنهج الذي رسمه الله لها وبلغ مفرداته أنبياء الله بكل ما تحمله هذه الشريعة من معاني الأخلاق والقيم والمبادئ والمثل والتعاليم فبذلك يستقيم عوجها ويصلح حالها وتصل الى حسن الخاتمة وخير المآل وجميل العاقبة((من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)).
أيها الإخوة والأخوات:
ما أحوجنا ونحن نحيي هذه الذكرى الغالية في نفوسنا أن نسعى جاهدين من أجل التخلص من رواسب الجاهلية الأولى، ولننبذ التفرقة والتشرذم، ولنوحد جهودنا ومواقفنا نحو كل ما هو خير، ولنعتصم بحبل الله المتين وسراجه المننير، فنزداد كل يوم سموا في الروح، ونقاء في النفس، وخشوعا في القلب، ونضارة في الخلق.
فاتقوا الله أيها الإخوة والأخوات وتمسكوا بدين الله وسيروا على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم يرضى عنكم الله ورسوله,وتسعدوا في الدنيا والآخرة ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم* قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين)).