تأتي ساعات العصر ليمضي حمد وبيده ظرفٌ بني نحو المقهى في أول الحارة، يجلس على طاولته المعتادة، لم يلبث أن يستعيد أنفاسه حتى قدم له عامل المقهى شاي الحليب (الكرك)، تناول منه رشفة ثم أعاده إلى الطاولة، مد يده في بطن الظرف وأخرج منه الجريدة، أخذ يقرأها ويمارس هوايته المفضلة النظر في وجوه المارة، قراءته الأولى دائما ما تكون في صفحة إعلانات جوائز البنوك عند أسماء الفائزين تجحظ عيناه!! ويبدأ بالهمهمة "شوف الحظ هذا الاسم كل مرة يفوز! الأسبوع الماضي فايز بالجائزة الكبرى مائة ألف وهذا الأسبوع فايز بسيارة عاد ما حظ ماعرف ليش حظي واقف؟ هذا الحظ ولا بلاش كل أسبوع جائزة ما أعرف شو مسوي، يقولوا يسوا حروز تجيب الحظ! يبالي واحد أحسن أسكت أرضى بالنصيب لا أحد يسمعني ويقول حاسد".
أبوسعيد صاحب سيارة أجرة يقف عند التقاطع المؤدي من الصناعية إلى السوق الكبير، حمد مع رشفة شاي الكرك الدافئة ينتبه لوقوف أبوسعيد بسيارة الأجرة وهو ينزل منها مسرعا، يخطف يد العامل الوافد وبإشارات متسارعة من كفه الأخرى توحي بالنداء "تعال صديق" تتوالى متصاعدة على باقي العمال، يقودهم إلى الركوب في سيارته يحشر أجسادهم الخمسة ثم ينطلق، حمد يراقب المشهد ولابد له من تعليق "شوف كيف الحشرة على الفلوس يالله يالله كان كذا طمع الي يشوف بوسعيد يسوق سيارة أجرة ويركض وراء العبرية (الركاب) يقول مسكين ما عنده فلوس وفقير يكد عشان البيسة، هذا الأسبوع الماضي بايع أرض بخمسين ألف وعنده ثلاث بنايات كلهن مأجرنهن على شركات، يالله يالله كان كذا طمع وحب فلوس، وبعد فوق كذيه يشتغل الصباح في حافلة مدرسة يشل طلاب! أظن رصيده واصل المليون ! أحسن اسكت عن يقولوا يتكلم على الناس". يكمل ارتشاف شاي الكرك، يقبل عبود نحو المقهى يشغل يديه كيس أبيض متوسط، ومسجل مستطيل، يتمتم كعادته بكلمات لا يُفهم منها إلا الياء ياء ياء.. تتأرجح يداه بميكانيكية منتظمة مع خطوات قدميه، عيناه الناعستان يصبهما على أطراف قدميه، يدنو من طاولة حمد معاملات، يقابله حمد بابتسامة مرحبة "هلا عبود، شخبارك؟ زين؟" يؤكد عليه زين ويشير اليه باصبعه الابهام، يرفع عبود رأسه رادا التحية على حمد، يسير إلى مكانه المعتاد يجلس بقرب طاولة حمد يضع مسجله بكل عناية، يفرش أشرطته ويرتبها حسب أبجديته. حمد ينادي عامل المقهى "يا حسن هات شاي كرك حال عبود وصحن سمبوسه حار" يستجيب عامل المقهى للطلب ويتقدم نحو عبود يضع له شاي الكرك وصحن السبموسة.
عامل المقهى: "اه عبود شغل أغنيه زين مشااان أرباب حمد" عبود يقرب منه صحن السمبوسة ويبدأ بأكلها، يواصل حمد قراءته للجريدة، يطوي صفحات الأخبار المحلية والسياسية بتسارع حتى يصل لصفحة أخبار الرياضة، يبدأ بقراءتها "اوه فازوا اخيرا!"
الشايب ضاحي بعصاه الغليظة يتجه رأسا نحو طاولة حمد - "اه ولدي حمد عسى خلصت الموضوع مال الجماعه"
- "اي موضوع؟"
- "كيف ولدي عادك نسيت الموضوع؟" يتذكر حمد
-" اااااه قصدك الموافقة على طلب الزواج من الخارج؟"
الشايب ضاحي يرتبك ويقضم شفتيه ويحكم قبضته على عصاه الغليظة ويغمز بعينيه لحمد "اه اه نعم نعم"، عبود يعلو وجنتاه الفرح ويشغل المسجل على أغنية (صبوووحه خطبها نصيب) يردد عبود بكل فرح (اووو يا العاشجين اوووه يا العاشجين) ويصفق بعشوائية طربا بالأغنية، يثير هذا التصرف الشايب ضاحي فيستشيط غضبا من عبود ويرفع عصاه الغليظة مطالبا عبود باطفاء المسجل، عبود بانكسار وخوف يطفئ المسجل.

حمد يمد يده في بطن الظرف البني، يخرج أوراق الطلب
- "نعم جبت الموافقة وهذه المعاملة مختومة وموقعة بالموافقة تفضل الشايب ضاحي" الشايب ضاحي انفرجت أساريره وابتهج والتقط المعاملة بسرعة
- "أحسنت ولدي حمد أحسنت وماقصرت تفضل هذا عن تعبك"
و مد إليه خمسة ريالات، حمد بسخط واستياء
- "بس 5 ريالات! بعد كل التعب والدواره من مكتب الى مكتب تعطيني 5 ريالات"
- "زينات الخمسه وبعدين المعامله ما فيها تعب وايد"
حمد تلونت كلماته "اسمع الشايب ضاحي خلي عنك البخل انا اريد خمسين ريال ولا بروح اخبر عيالك عن الموضوع وبتفاهم معاهم" الشايب ضاحي امتلأت جبهته بالعرق وتحشرجت به الكلمات "تفضل هذه الخمسين الله يهديك حمد انت ما تقييم مزاح انت تستاهل الخمسين واكثر بعد" يذهب الشايب ضاحي مسرورا بالموافقة على طلبه، حمد مخاطبا عبود "ما اعرف ليش الناس تحسب تخليص المعاملات سهل!" عبود يفرك لحيته المتناثرة في وجنتيه ويدعي الفهم ويهز رأسه دلالة الاستيعاب.
يستمر حمد في رشف ما تبقى من كوب الشاي واستقبال المراجعين، منهم من يستلم المعاملات ويدفع رسوم التخليص ومنهم من يسلم المعاملات وهكذا يقضي حمد يومه المسائي بين استلام وتسليم المعاملات حتى عُرف بين الجميع بـ "حمد معاملات".

أنور الرزيقي
[email protected]