لم يكن العرب في غابر عهدهم على معرفة بفنون الكتابة والخط ، ولكنهم عندما ألمّوا بذلك أبدوا في هذا الميدان براعة فائقة ، وعلى وجه التخصيص فيما يتصل بالقلم ودوره وما يرمز إليه.
وأصل القلم في اللغة دخيل من اليونانية بلفظ ( كالاموس ) على ما يرى كثير من علماء اللغة القدماء والمحدثين. ويقولون في العربية أنه سُمِّيَ قلماً من التقليم وهو القطع كتقليم الأظافر والأغصان. وعندهم أنّ ( كل عود قُطع وحُزّ رأسه وعُلِّم بعلامة فهو قلم، وهو لا يُسَمَّى قلماً إلا بعد البَرْي ، وإلا فهو أنبوبة أو قصبة. وقيل لأعرابي: ما القلم؟ ففكَّر ساعة وجعل يقلِّب يديه وينظر إلى أصابعه ثم قال: لا أدري فقيل له: تَوَهَّمْه في نفسك ، فقال: هو عود قُلِم من جوانبه ). ولا يخلو هذا الكلام من تكلّف يعوزه التّثبّت، إنما المرجّح ما قرّره اللغويون في شبه إجماع من أنه مأخوذ من اليونانية بطريق السّرْيان. مثله في ذلك مثل ( الإقليم ) في الجغرافية.
ومن أسمائه أيضاً: اليَرَاع ، والمِرْقَم من (الرَّقْم) وهي الكتابة. يقال: رَقَمْتُ الكتابَ إذا كتبتُه كتابةً حسنةً ، قال أبو ذؤيب:
عَـرَفْـتُ الدِّيَـارَ كَرَقْـمِ الـدَّوَاةِ
يَـذْبُـرُها الكَـاتِـبُ الحِـمْيَـرِيُّ
يَذْبُرُها أي يكتُبُها ، ومن ذلك سُمِّيَ القلم المِذْبَر (بالذال) والمِزْبَر (بالزاي) ومنه الزَّبُور لكتاب داوود عليه السلام. وله اسم خامس أيضاً هو: الأسمر. قال الشاعر في بيت شعر كتبه وهو على ظهر مَطِيَّته:
وبَيْـتٍ عَلَـى ظَهْـرِ المَطِـيِّ بَنَيْتُهُ
بِأَسْـمَرَ مَشْقُـوقِ الخَيَاشِـمِ يَرْعُفُ
وللكتابة بالقلم صفات وتسميات مختلفة كقولهم: حبّرت الكتاب: أي كتبته كتابة حسنة ، وذلك من التحبير ، أي التزيين ، لا من الحِبْر كما قد يتبادر إلى الذهن ، والكتاب المُحبَّر: هو المُزيَّن. ونمَّقت الكتاب أيضا: كتبته كتابة حسنة ، وكذلك زخرفته. وزَوَّرَ الكتاب تزويراً: حَسَّنَهُ وقوَّمه. وإن كان معنى هذه اللفظة قد تطوّر إلى نقيض ما تعنيه في الأصل فأصبح التزوير بالقلم جريمةً يعاقب عليها القانون وفق نصوص مقيّدة في ذلك. ويقولون: رَقَّشَ كتابه: إذا زَوَّرَه وزَخْرَفَه. والتَّرْقِيش: التَّسطير في الصُحُف. ومنه ترقَّشت المرأة إذا تزيَّنت. أما الخَرْبَشة ـ من ذلك ـ فإفساد العمل والكتاب. ومنه يقال: كتب كتاباً مُخَرْبَشاً. وكتاب مخربش: مُفْسَد. ولعل كثيراً من الناس يعتقد أنَّ اللفظة عاميّة ، على حين هي من الفصيح المستعمل كما في اللسان ومثل ذلك أيضا الخَرْمَشَة (بالميم) وتعني إفساد الكتابة كالخربشة. وقال أبو عبدالله كاتب المهدي في القلم: عقول الرِّجال تحت أَسِنَّةِ أقلامهم. وكان يحيى بن خالد البرمكي يقول: ما رأيت باكياً أحسنَ ضَحْكاً من القلم. وقال غيره: بالأقلام تُساس الأقاليم. وقالوا: عِبْرات الأقلام في خدود كُتُبِها أحسنُ من عَبَرات الحِسانِ في صحون خدودها. وقال ابن المعتز عن القلم : القلم يخدم الإرادة ، ولا يملّ الاستزادة ، يسكُتُ واقفاً ، وينطق سائراً . وقال ابن المقفع عنه: القلم بريد القلب ، يخُبُّ بالخبر وينظر بل بصر . وما أجمل ما قاله جعفر بن يحيى عن القلم عندما قال : لم أرَ باكياً أحسن تبسّماً من القلم .

د.أحمد بن عبدالرحمن
بالخير استاذ الدراسات اللغوية بكلية العلوم التطبيقية بصلالة
[email protected]