[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” غبطة البطريرك بشارة الراعي لا يمثل نفسه أو كنيسته فقط, وإنما يمثل قطاعاً مهماً يدخل في مكونات النسيج الاجتماعي للأمة العربية من المحيط إلى الخليج، هذا القطاع الذي لعب ولايزال يلعب دوراً مهماً في الحضارة العربية منذ بدايتها وحتى هذه اللحظة. المسيحيون العرب لعبوا ومازالوا يلعبون دوراً مهماً في القضايا الوطنية العربية,”
ـــــــــــــــــــ
من المقرر أن يرافق البطريرك الماروني اللبناني بشارة الراعي البابا فرنسيس في زيارته المرتقبة في 25 مايو الحالي إلى الكيان الصهيوني. خطوة البطريرك الراعي أثارت ولاتزال انتقادات واسعة في لبنان والعالم العربي, بما في ذلك في الأوساط المسيحية بمختلف طوائفها. مما لا شك فيه أن هذه الانتقادات محقة تماماً, فحج البطريرك الراعي أو زيارته أو مرافقته للبابا تأتي في ظل المحاولات الإسرائيلية التي تجري على قدم وساق لتكريس الطائفية والمذهبية بين أهلنا في منطقة 1948, وفي ظل محاولة الكيان الصهيوني تجنيد الشباب المسيحيين في الجيش الإسرائيلي.
وفقاً لجدول أعمال الزيارة فمن المقرر أن يلتقي البابا وبرفقته البطريرك كل من بيريز ونتنياهو, ويزور حائط المبكى وضريح بن جوريون وغير ذلك من الأماكن التي تحرص إسرائيل على زيارة كل ضيف رسمي لها, إمعاناً في محاولة فرض الحقائق الصهيونية على الضيوف والزوار الرسميين. إسرائيل التي اقترفت مجزرتي قانا في الجنوب اللبناني, والمتواصلة الاعتداء على الوطن اللبناني, وقد وصلت ذروة هذه الاعتداءات في عدواني عام 1982 وعام 2006 والتي احتلت الجنوب اللبناني مرّات عديدة. إسرائيل التي ما زالت تحتل مزارع شبعا اللبنانية. من الصعب تصور زيارة مسؤول ديني لبناني بحجم البطريرك الراعي لها. نقول ذلك في الوقت الذي حرّم فيه الأنبا شنودة على الأقباط, زيارة الأماكن المقدسة في القدس طالما بقيت تحت الاحتلال الصهيوني, وقال جملته الشهيرة "سنزور القدس عندما نحررها مع إخواننا المسلمين".
إسرائيل تحاول كسر عزلتها في العالم العربي, وتحاول التطبيع مع الدول العربية بلا ثمن وفقاً لمعادلة"السلام مقابل السلام" وليس" السلام مقابل الأرض" , وهي التي رفضت مبادرة السلام العربية, التي اقترحتها قمة بيروت في عام 2002. إسرائيل التي تعيث فساداً في كل الدول العربية بما في ذلك لبنان, فكم من شبكة تجسسية إسرائيلية اكتشفتها المقاومة الوطنية اللبنانية وكذلك الجيش اللبناني تعمل في قلب لبنان. إسرائيل التي دخلت عاصمة لبنان بيروت في عام 1982 , والتي قصفت ملجأ الصنائع وفيه اللاجئون اللبنانيون والفلسطينيون.هذا غيض من فيض الجرائم الصهيونية في لبنان. أما بالنسبة للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، فالكيان الصهيوني يعمل على هدم هذه الأماكن وتهويد المدينة ومنطقتها. إسرائيل استولت على الأماكن المسيحية في القدس الغربية بعد عام 1948, وإسرائيل هي التي نفت المطران إيلاريون كبوشي الذي كان يعيش في مدينته المقدسة إلى المنفى.
غبطة البطريرك بشارة الراعي لا يمثل نفسه أو كنيسته فقط, وإنما يمثل قطاعاً مهماً يدخل في مكونات النسيج الاجتماعي للأمة العربية من المحيط إلى الخليج، هذا القطاع الذي لعب ولايزال يلعب دوراً مهماً في الحضارة العربية منذ بدايتها وحتى هذه اللحظة. المسيحيون العرب لعبوا ومازالوا يلعبون دوراً مهماً في القضايا الوطنية العربية, ففي بلدان التغيير العربي سار المسيحيون إلى جانب المسلمين في التظاهرات الوطنية ما قبل التغيير في العواصم المعنية العربية. في فلسطين كان المسيحيون ولايزالون يلعبون دوراً مهماً في مقاومة الاحتلال الصهيوني, ولعل الدور المهم الذي يقوم به المطران عطا الله حنا في المدينة المقدسة, أكثر من ملموس في مقاومة الاحتلال الصهيوني وفي مقاومة المحاولات الصهيونية لإيجاد شرخ طائفي ومذهبي بين المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين في الضفة الغربية وبخاصة في القدس. رغم كل محاولات إسرائيل فإن التآخي الإسلامي - المسيحي في أوج قوته ووحدته.
نخشى ما نخشاه من استغلال الدوائر الغربية والمؤيدة للصهيونية, لزيارة البابا وبرفقته البطريرك الراعي إلى إسرائيل من أجل ضرب الوحدة الوطنية في لبنان وفي الأقطار العربية الأخرى, حيث يتواجد إخوتنا المسيحيون، وبخاصة في ظل المحاولات الصهيونية التي تسعى إلى تهجير المسيحيين العرب حيث يعيشون إلى البلدان الغربية, وهناك خطوات إسرائيلية جادة هدفها: إحتواء المسيحيين العرب في الكيان الصهيوني أو أكبر عدد منهم في استغلال واضح للاحتكاكات التي تنشأ أحياناً في بعض البلدان العربية. في سوريا حاولت التنظيمات الأصولية الإرهابية الإساءة إلى المسيحيين في كنيسة معلولا ( في بلدة معلولا) بعد احتلال هذه الكنيسة. ما الذي تبين؟ لقد تبين بما لا يقبل مجالاً للشك أن هذه التنظيمات تملك أوثق العلاقات مع الكيان الصهيوني وتعالج جرحاها في تل أبيب وفي باقي المستشفيات الإسرائيلية.
البطريرك الراعي ليس شخصاً عادياً, بل هو زعيم روحي لبناني عربي، وهو من بلد يتداخل فيه السياسي والروحي. من بلد في حالة عداء مع إسرائيل, لذا فإنه يمثل إضافة إلى دوره الديني, دوراً وطنياً ويعكس موقف جماعة مهمة تعمل هي الأخرى وتحرص على التعايش اللبناني - اللبناني, في معادلة مهمة حريصة على انتماء لبنان إلى محيطه العربي وأمته العربية. إسرائيل تحاول التعامل مع لبنان وكأنه لا يمت بصلة إلى العالم العربي, وكأنه دولة غربية, وللأسف فإن أوساطاً محلية تتجاوب مع هذه الأطروحات, وتحاول نفي انتماء لبنان لأمته العربية, وهي دائمة الدعوة صباحاً ومساءً إلى تغريب لبنان عن محيطه.الأمل كبير أن يستمع غبطة البطريرك بشارة الراعي إلى الانتقادات الموجهة لزيارته للكيان الصهيوني, وأن يقوم بالاعتذار من قداسة البابا فرنسيس لمرافقته في الزيارة إلى فلسطين المحتلة.